اللحظات الفارقة ، والسنن المتلاحقة
بقلم/ محمد الأغبري
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً
السبت 12 فبراير-شباط 2011 03:39 م

اللحظات الفارقة في تاريخ الأمم لا يُظن بها الفجائية أبداً، لأن الفجائية لا تصنع تحولات، لكنها العوامل المتراكمة لأزمان طويلة، المورثة قصماً إن زادت فيها قشة.

يغفل الكثيرون عامل الزمن في تغير الأحداث، ويغفلون تغير الجيل وتغير طريقة التفكير بين الأجيال، فحين يبقى الحاكم على التفكير القديم المنسدل من القرون الوسطى، يتغير تفكير الجيل اللاحق بما لا يتيح أدنى فرصة للتقاطع مع التالي.

يختلف الناس في تقدير ما حصل في مصر أو تونس، لكن العاقل يدرك مدى تغلب الفكر الجديد وقدرته على قلب الأحداث على فكر حثالة شاخت قدرات التفكير فيهم.

في الماضي قامت ثورات أوروبا ضد الملكيات لتحدث قلباً في المجريات لقرون،وقامت ثورة البلاشفة في روسيا، وقامت ثورة الشيوعيون في الصين، قامت ثورات في مختلف أزوية الأرض على الفكر المعلب المنغلق الذي يرفض سنن الكون .

(لا تقصروا أولادكم على آدابكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) هكذا قال ابن الخطاب للآباء. وبنفس النسق ننقلها للحكام أن لا تقصروا شعوبكم على تفكيركم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم.

إن زمن القوة المفرطة الذي بدأ مع القرن العشرين ومع خروج الإستدمار من أراضينا لم يعد له مكان في حيز فهم للشعوب الإسلامية، فقد انتهى زمن الإذعة الواحدة، والقناة الواحدة ، إننا في نعيش الفضاءات الإعلامية العصية على المنع، زمن الشبكة العنكبوتية حيث كل شئ مختزل في ضغطة زر قد لا يعلم مكانها بالضرورة.

لكنها عقول الطغاة موحدة ،يكشفها القرآن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إنها عقولٌ ملأها الكبر فاستفشى فيها ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)،(يا أيها الناس ما علمت لكم من إله غيري)،(أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)،(أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يهين)،(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).

أو أن يظهر في الأرض الفساد، أليست ذات النبرة النبرة التي تتكرر على ألسنة الفراعنة المعاصرين، حماة العدالة والديمقراطية!!!!!! .

شعارهم أن اكذب حتى يصدقك الناس وتصدق نفسك، لكن المبدأ الكذاب لا يستطيع أن يصمد أمام قوة الحق المقذوفة بقوة الله، أفلم نقرأ قول الله تعالى :( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون)، وأنقل للقارئ كلاماً رائعاً لعملاق القكر الإسلامي سيد قطب من موسوعة الظلال ما نصه (  والتعبير يرسم هذه السنة في صورة حسية حية متحركة . فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة . تقذف به على الباطل , فيشق دماغه ! فإذا هو زاهق هالك ذاهب . .

هذه هي السنة المقررة , فالحق أصيل في طبيعة الكون , عميق في تكوين الوجود . والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا , طاريء لا أصالة فيه , ولا سلطان له , يطارده الله , ويقذف عليه بالحق فيدمغه . ولا بقاء لشيء يطارده الله ; ولا حياة لشيء تقذفه يد الله فتدمغه !

ولقد يخيل للناس أحيانا أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير . وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب , ويبدو فيها الحق منزويا كأنه مغلوب . وإن هي إلا فترة من الزمان , يمد الله فيها ما يشاء , للفتنة والابتلاء . ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض ; وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء .

والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده ; وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه ; وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه . . فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة ; وأدركوا أنه الابتلاء ; وأحسوا أن ربهم يربيهم , لأن فيهم ضعفا أو نقصا ; وهو يريد أن يعدهم لاستقبال الحق المنتصر , وأن يجعلهم ستار القدرة , فيدعهم يجتازون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف . . وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء , وحقق على أيديهم ما يشاء . أما العاقبة فهي مقررة: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زا هق) ، والله يفعل ما يريد . أهـ.

أليس حرياً أن نقف ملياً نعيد التفكير مواكبة مع المدد القرآني الذي بين أيدينا لنفهم أنا قادرون على إسقاط كل زهوق طالما حملنا الحق بإخلاص.

إننا نلمح النصر يبرق من بعيد ينادي أن هلموا فوالله إنه صبر ساعة .

ورسالة أخيرة إلى السدنة المختفين خلف أسوار البلاط الفاره أن افيقوا ، فباب التوبة مفتوح والله أرحم بعبادة (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)، وشعوبكم تعد بالمسامحة إن اخلصتم، أم أنكم تنتظرون اللحظة الأخيرة لتقولوا قولة فرعون (آمنت ألا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وانا من المسلمين) أو كما قال أفراخه عند السقوط ( الآن فهمتكم)، حينها سيكون الرد بـ (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية).

والله المقصود وله الحكم في الأولى والآخرة..