بين الشيخة موزة ومبارك!!
بقلم/ محمد السياغي
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 11 يوماً
الأربعاء 14 يناير-كانون الثاني 2009 07:22 م

        لاشك بأن المتابع العربي لما يجري من استمرار المجازر والمذابح البشعة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة على يد جيش الكيان الصهيوني المحتل، وجملة ما أفرزته من مواقف مخزية في الكثير منها سيتفق معي بأن موقف الشيخة موزة حرم أمير دولة قطر الداعية إلى منع استهداف مدارس اللاجئين الفارين من نيران القصف الصهيوني أفضل بكثير من مواقف قادة عرب اثبتوا عدم استحقاقهم لمجرد وصفهم بالرجال وفي مقدمتهم حسني مبارك .

        ان وقفة المناصرة التي نظمها طلاب دولة قطر قبل ايام وتقدمتها صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند المبعوث الخاص لليونسكو تضامنا مع طلبة العلم ومعلميه في قطاع غزة تمثل موقفا ايجابيا يعبر عن المواقف العديدة التي تتبناها دولة قطر أميراً وحكومةً وشعباً لدعم إخوانهم بفلسطين ممن يتعرضون لاستمرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية والمحرقة الصهيونية علي مسمع ومرأى من المجتمع الدولي افضل بكثير من موقف مبارك الخطير والمخزي وهو من رفض في أخر ظهور له في في تصريحات متلفزه "المزايدة" على مواقف حكومته ولا ندري أيه مواقف يقصد! هل المواقف المتواطئة المتناقضة التي تعرقل وصول المساعدات إلى ابناء غزة وتؤكد رفض فتح معبر رفح وتلتف على عقد القمة العربية، وهي مواقف دانها القضاء المصري وأعلن عدم قانونيتها!

              من يعتقد بأن مبارك بدا من خلال مواقفه المخزية وكأنه ربما يستنكر استمرار المحرقة الإسرائيلية لابد له أن يعلم بأن ثمة الكثير من المعاهدات الموقعة بين مصر والكيان الصهيوني المحتل وعليه في ذات الوقت أن لا يتنبأ بأن النظام المصري يمكن أن يبادر بطرد السفير الصهيوني من القاهرة كما فعلت فنزولا! "والدم عمره ما يبقى مية حسب الرواية المصرية"!

             أما من لم يفهم من مواقف مبارك غير التناقض والضبابية وعدم الوضوح والضحك على الذقون واعتقد من خلال كلمته وهو يتحدث وكأنه يريد الذهاب إلى دورة المياه "؟حسب وصف احدهم في احدى المنتديات فعليه أن يعرف أنه راح عشية الاجتياح لافتتاح مهرجان القاهرة للسينما ؟ وربما حسب جملة ما قيل في المنتديات "عاد ليرتدي الجلابية وينام مثل بقية الخلق؟ أو ابتسم ابتسامته عريضة مبهة لاتخلو من بلاهة مفرطة؟ أو ذهب إلى واحة سيوه ويلطم خده؟ أم ذهب الى السد العالى ويبكى؟ وجلس تحت كوبرى بجوار النيل و (يقزاز) لب؟أم أنه علق قائلا : وأنا مالى ؟ بلا قرف يصطفلوا؟

              ما بين مواقف صاحبة السمو الشيخة موزة راعية مبادرة الفاخورة وهي حملة تضامنية طلابية دولية ينظمها طلاب قطر لتسليط الضوء علي الوضع المأساوي الذي يعيشه طلاب غزة، وتشكل إضافة نوعية للمواقف القطرية الايجابية الواضحة وغير الضبابية ورسالة واضحة للمجتمع الدولي بأهمية إنقاذ المؤسسات التعليمية في غزة بإصدار قرار دولي ملزم يجرم الاعتداء عليها باعتبارها ملاذاً آمناً للطلاب وذويهم ومعلميهم، وبين مواقف مبارك فرق شاسع وهي رغم أنها تنم عن التواطؤ لاقت انتقادات حادة من عضو الكنيست الاسرائيلى افيجدور ليبرمانلتتأكد معها حقيقة الآية الكريمة" لن ترضى عنك اليهود النصارى حتى تتبع ملتهم)!!

             ليس غريباً ان تتبنى صاحبة السمو الشيخة موزة مواقف تتصف بلغة الصراحة والوضوح والشفافية حول الاوضاع المأساوية في قطاع غزة خاصة ما تتعرض له المؤسسات التعليمية من دمار متعمد، وان موقفها النبيل هذا ينطلق من نبض الشارع القطري والذي تفاعل بصورة واضحة مع أحداث غزة ومن هنا جاء تأكيدها بأن هذه الإحداث قد ازاحت غشاوة كبيرة عن عيون الكثير من أصحاب الضمير الحي في العالم.. الغريب أن لا تحرك ساكنا في موقف قيادة وحكومة بلد عربي مثل مصر، والتي جاء الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل في أخر مقابلته متلفزه مع الجزيرة ليقولها صراحة : " أنه ليس من حق الرئيس حسني مبارك أن يضعف مكانة مصر"، الدور نفسه الذي سبق لنظام مبارك المزايدة عليه ردحا من الزمن قبل أن يعمل على إضعافه وتعريه محرقة غزة المستمرة لشعوب العالم العربي !

         من المؤكد أن ما يحدث في قطاع غزة من جرائم كما أكدت سمو الشيخة موزة موقف يقتضي الجرأة والمواقف العملية وليس موقف فصاحة ولا خطابة وأن ذلك يتطلب ان يصطف كل أخيار هذا العالم لا لينددوا فقط بما حدث ويحدث في غزة بل ليقدموا البدائل البناءة.. وهذا الموقف يتطلب من العرب كدول وحكومات ان يوحدوا كلمتهم لمواكبة نبض الشارع العربي الذي عبر عن الضمير العربي الحي الذي تقوده الشيخة موزة من اجل إنقاذ المؤسسات التعليمية بالقطاع، ولا يستدعي التعاطي غير المأسوف عليه الذي أتضح منذ بداية الأزمة وأظهر نظرة ضيقة للنظام المصري، باعتبار حركة (المقاومة الإسلامية) حماس تمثل تهديدا لمصر كونها تشكل امتداد لفكر الإخوان المسلمين، بما يجعل من الساسة يتجاهلون مصالح مصر العليا، وفق هيكل الذي قال:" اشعر بأسى وشفقة على الرئيس مبارك عندما يقدم تبريرات عن تمسك مصر بالخيار السلمي"، "سلام الجرذان"!

            من المؤكد ايضا ان تعهد سموها بالعمل مع كل القوي الحية في العالم لايجاد آلية تحمي النظم التعليمية بمنع استهداف المدارس والجامعات عبر سلطة القانون يمثل موقفا مشرفا لا ينفصل عن مواقف قطر كدولة عربية عظمى التي يكفي رعايتها لواحدة من اهم الوسائل الإعلامية (قناة الجزيرة)،وهي تفضح جرائم الاحتلال في القطاع والاعتداءات والانتهاكات الصهيونية والامريكية في المنطقة برمتها وتكشف زيف الانظمة والقوى الحاكمة العربية وحقيقة هشاشتها خاصة من كانت تتصور في فترة ما أنها اقتربت من التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني المحتل، قبل أن تفاجئ بفوز حماس في الانتخابات عام 2006، ما شكل في نظرهم عقبة أمام مصالحها الشخصية الضيقة وتهديدا لكراسيها وأمام مسار التسوية السلمية مع العدو بما يحتم إزالتها والقضاء على المقاومة ولو على حساب المزايدة بدماء الفلسطينيين الابرياء !

            إن التحرك الذي تقوم به صاحبة السمو، يعكس الحرص القطري الذي يتواصل في أشكال مختلفة، علي حماية الشعب الفلسطيني سواء عبر الدعوات التي قدمها سمو الأمير المفدى للقادة العرب بعقد القمة العربية الطارئة وحتي هبة الشعب القطري لنجدة إخوانه ووقفته التاريخية ما يؤكد حقيقة أن العرب والمجتمع الدولي مطالبون بعدم السماح كما دعت صاحبة السمو بتكرار مأساة غزة المستمرة وان ذلك لن يتم إلا بإلزام إسرائيل بوقف ممارساتها اللا إنسانية في القطاع ومحاسبتها علي جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها اليوم ومنذ امد بعيد، وان القادة العرب بوجه خاص مطالبون بعد فشل مجلس الامن بمواجهة الموقف بكل شجاعة بعد القمة الطارئة الفاشلة التي عقدها أن يتخذوا مواقف أكثر جراءة بما لا يضعف من مكانه بلدانهم وشعوبهم ويزيد من حدة الانكسارات والهزائم في نفوسهم كما فعل مبارك وأظهر من خلال الأزمة في غزة أن مصر تبدد قوتها الناعمة بشكل لا مثيل له، وذلك عبر انحصار الدور المصري في معاداة حركة المقاومة ضد العدو حماس!

          من المؤسف بعد مرور أكثر من 19 يوم من استمرار القصف والعمليات العسكرية الإجرامية والبربرية الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني القول :أن الانتهاكات البشعة للكيان الصهيوني في قطاع غزة اليوم بدأت تتعدى مرحلة التعاطف العربي والدولي وتفقد بريقها وأهميتها في النفوس تماما كما حدث مع القضية الفلسطينية برمتها قبل أكثر من نصف قرن من الزمن، خاصة بالنظر إلى انتشار الفضائيات التي أتت على ما تبقى من بقية مشاعر وعواطف هذه الأمة المستهلكة، ولا غرابة أن تجد تلاشي التعاطف مع أبناء غزة يوما بعد أخر مع استمرار مسلسل القصف والقتل والتدمير والتجويع والقتل لستين عاما قادمة، حيث لن يحرك الأمر ساكنا في قلوب أضحت في عداد الميتة.

Mohamed.sayagi@gmail.com