استقالتي الحزبية
بقلم/ نبيل الصوفي
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 17 يوماً
الأربعاء 07 يناير-كانون الثاني 2009 07:54 م

الأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح (بالوكالة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الموضوع: استقالة حزبية

على مدار الأعوام الأربعة الماضية، وأنا أحاول تجنب مثل هذا الإجراء، مرة لأني أراه غير ضروري، فهناك العشرات من مختلف المستويات التنظيمية، استقالوا واقعيا دون أي إعلان.

وأخرى لتجنب مدخل جديد لمهاترة إخوة مهما تحدثوا عن الحقوق والحريات وطالبوا لهم بسقف مفتوح دونه السماء، فإنهم لن يمنحوني ولا واحد في المائة ممايطالبون به.

وثالثة، ورابعة وخامسة، وعشرات النقاشات التي خضتها في نفسي ومعها على مدار هذه السنوات.. غير أني مؤخرا قررت لأسباب؛ بعضها سياسية وأخرى فكرية. أن أستقيل من التجمع اليمني للإصلاح بالأدوات التي أتقنها؛ الكتابة الصحفية. على الأقل استخداما لأدوات جديدة على العمل التنظيمي وهي النقاشات المفتوحة عبر الصحافة، كنوع من محاولات التغيير في الأساليب.

الأستاذ القدير، لقد مثلت لي الحركة الإسلامية، التي لم أنضم لها إلا بعد تأسيس التجمع اليمني للإصلاح، المحضن التربوي والتعليمي والسياسي الذي تعلمت فيه ومنه الكثير من القيم والخبرات.

في المقابل، فإنني لم أخذلها في أي مرحلة من تلك المراحل. وأحسب أني كنت عضوا ملتزما فكرا وممارسة، فاعلا يؤدي واجباته بقناعة تامة وبمحاولة اتقان تام أيضا. من الاستقطاب التنظيمي الى الوظيفة الإعلامية الى الأداء السياسي.

غير أنني اليوم، أجد نفسي فكريا بقناعات أقل ماأقول عنها، إنها تختلف مع الوعي العام الذي تلتزمون به. أرجو أن لاتقولوا لي إنكم إنما تلتزمون بالإسلام، حتى لاتفعلوا معي مايفعله معكم الإخوة السلفيون، فنحن نتحدث عن الفكر الوضعي الذي تلتزمون به كحركة سياسية أو فكرية تجمع بشرا لهم مصالح واجتهادات، يصبحون طالما التزموا بالديمقراطية والانتخابات مثلهم مثل غيرهم من القوى البشرية التي لها قناعات ومصالح تتأثر وتؤثر بعضها بالأخرى.

الأستاذ الفاضل، لقد كرست نفسي خلال العامين الأخيرين لماكنت بدأته لخدمة التجمع اليمني للإصلاح، وعبره خدمة هذه البلاد، وهي في الاساس خدمة شخصية لي كمواطن يرى هذه البلاد بيته التي لايمكن أن يعيش هو وأولاد بمعزل عما تعيش.. وهي البحث والتحليل لقضايا التنمية البشرية واهدافها ومؤشراتها، وفقا للتنظيرات الإنسانية التي تعد مرجعيات في ذلك. أقصد كل مايتعلق بالحكم الرشيد وقضايا ومتطلباته.

لقد وجدت تنظيرات عميقة لإسلاميين، كما لغيرهم من علمانيين أو ليبراليين، مسلمين أو مسيحين، وداخل الإصلاح عشرات بل مئات من المهتمين بذات القضايا، لكن الحقيقة المرة التي كانت تتأكد لي يوما بعد يوم هي أنه فيما ينتشر أعضاء الإصلاح في كل الإهتمامات، وأفضل مني أو مثلي من الناحية النظرية، فإن الجهاز التنظيمي هش الاهتمام بهذه القضايا لصالح قضايا أخرى لايمكن التقليل من أهميتها لكني صرت مؤمنا إنها ليست هي التي تحتاجها الدول والمجتمعات لتحقيق غد مختلف عن الأمس واليوم.

ووفقا لتحليلي فإن ذلك سببه الانتماء الذهني الواحد لمسئولي التنظيم والتأهيل لديكم وغلبة معاييرهم حتى على أداء القيادات النظيمية من الهيئة العليا إلى الأمانة العامة ومجالس الشورى والمكاتب التنفيذية.

وتلعب مركزية "رسالة التعاليم" في التأهيل الفكري لقيادات الإصلاح دورا مهما حيث تفرض اهتمامات جدلية تحتاجها مراكز العلم ودور النشر وقد تصعد من خلاله قوى مختلفة؛ الجهاديون، وقبلهم السلفيون كما كان صعود الإخوان قبل الجميع، لكنها لاتثمر شيئا في التغيير السياسي.

بالأصح، هي يمكن أن تخلق لوبي قوي ضد أو مع الحاكم، لكنها لاتؤهل من يعمل لها أن يكون هو الصف الأول في سلطة عامة من أجل التنمية.

وزاد من الأمر تحول التعاون بينكم والسلطة الى صراع بسبب سياساتها الإقصائية من جهة، وتنامي خبرتكم السجالية للدفاع عن حقكم في النشاط العام والوجود السياسي من جهة ثانية. حيث كانت مشاركتكم في المسئوليات التنفيذية حافزا وسع اهتماماتكم لواجبات الدولة، حتى رغم بقاء تنظيراتكم التربوية وجداول عمل حلقاتكم اليومية بعيدة عن تلك الاهتمامات.

إنني هنا لا أنقد الحركة الإسلامية، واستقالتي هذه هي أحد دواعي التوقف عن هذا النقد الذي كان أهم دوافعه قراري مواصلة العمل في ظل في الإصلاح.

لككني اليوم مقتنعا أن بقئي في الإصلاح لن يخدم لا الإصلاح ولا ما أنا مقتنع به. فهما صارا كيانان مختلفان. لكل منهما مساقاته.

لقد توصلت لقناعة بأن النهج الفكري الذي تعملون تحت ظله وله لايكفي وحده لتحقيق التنمية في هذه البلاد، بل إنه في بعضه –كخطابه تجاه السياسات الاجتماعية والفنون والحريات الفردية وإدارة السوق وقيم العمل ومرجعيات السلطة اليومية بين القانون والتراث، مناقض لما أثبتت التجارب الإنسانية محوريته.

أما سياسيا، فأني أتشاور مع آخرين لنشكل صوتا لقضايا نظنها تختفي في ظل الجدالات الركزية للحكم والمعارضة، خاصة وأن هذه الجدالات نراها –يوما بعد يوم- تضيق بنا ونضيق بها.

إننا لم نصل حتى الان لاتفاقات بشكل جماعي، غير أن قليل منا قرر العمل على خوض أول انتخابات تشهدها هذه البلاد.. وأقول أول حتى نؤكد إننا قد نلتقي مع تحالف المعارضة مثلما قد نلتقي مع الحزب الحاكم تجاه الانتخابات والظروف التي نعتقدها مهمة لتكون أي انتخابات فعلا محطة انتقال ديمقراطي، اجتماعيا وسياسيا وإداريا.

وقاعدة هذا التشاور، هو أن نعمل وفقا لأجندة مهما قلتم وقالت بياناتكم وبرامجكم أنكم مؤمنين بها، فإن ممارساتكم وهي الأهم في أي عمل سياسي لاتبشرنا أنكم ستخدمونها، سواء وحدكم أو عبر اللقاء المشترك وسواء بالاتفاق مع الحاكم أو بالاختلاف معه. فلقد أثبتت التجارب إنكم قد تتبنون قضايا ومصالح عريضة ولكن فقط للاستقواء على بعض أثناء الاختلافات، أما حين الاتفاق فإنكم تكتفون بخدمة قواسم مشتركة لكم جميعا ايا كانت مواقعكم.

إنكم جميعا (كحكام للمعارضة وللسلطة) لكم أجندة تعملون لها مرة بالاتفاق مع السلطة وأخرى بالاختلاف معها، وتصيبون أثناء ذلك وتخطئون. ولكم الحق والحرية ولاشك أنكم تخدمون هذه البلاد.

لكننا نعتقد أنكم والنخبة التي تسيطر على الشارع السياسي في اليمن، غير قادرة موضوعيا وذاتيا على تمثل مانراه مهما من مصالحنا وإن مثلت مصالح أخرى. سواء كانت هذه النخبة من المعينة بقرار جمهوري أو بقرار تنظيمي أو القادمة على ظهر ممكنات "التوريث" الاجتماعي والإداري التي تمارسها الأطراف المختلفة.

ولذلك فإننا نسعى لنعمل إلى جواركم تأييدا أو اعتراضا، اتفاقا أو اختلافا من خلال عنوان مختلف عن العناوين التي تصطفون تحت شعاره، سواء اللقاء المشترك أو المؤتمر الشعبي العام.

ونقول (إلى جانبكم) لتأكيد إننا لانقدم أنفسنا بديلا لأحد، بل مجرد تحالف للقضايا التي نرى أن اليمن تدفع ثمن عدم منحها الأولوية لدى السلطة والمعارضة على حد سواء.

ونعتقد أن أول انتخابات ستتوفر لها أفضل الظروف الفنية والسياسية ستكون هي الفرصة المناسبة لتصبح هذه المصالح ضمن أولويات الجدل العام.. سواء بوصول المترشحين باسمها الى مجلس النواب أو ببدء مناقشتها بحرية توقف هذه الأحادية التي تتسع سطيرتها على هذه البلاد من فصول الدراسة الى الشارع العام وحتى دورالعبادة. وصولا الى وسائل الإعلام الحديثة.

ولقد رأيت –وعند الله العلم بالأصوب- أن مثل هذه الخطوات العملية تتطلب مني إعلان الاستقالة الحزبية، وهي استقالة لاتعني أي موقف سلبي من الحزبية ولا حتى من الاصلاح، بل مبادرة قد تنجح وقد تفشل.. لكني الأهم أني قمت بها.

مع أملي أن يتاح لنا (من سأعمل معهم من جهة والإصلاحيين من جهة أخرى) التعاون مع حزب كبير وحركة نشيطة وشابة كالتجمع اليمني للإصلاح لنكمل بعضنا بعضا في كل ماتجمعنا فيه وحوله قواسم مشتركة، وأن ندير أي خلاف لنا تجاه القضايا الأخرى برشد يجنب المجتمع اليمني أخطاء الصراعات السابقة التي لم تحمي فكرا ولم تنجز تنمية.

والله ولي التوفيق