نزيفا الدم والنفط العراقي لم يشبعا شهوة الحقد الفارسي
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
الخميس 14 فبراير-شباط 2008 03:57 م

مأرب برس – خاص

 بلا شك أن الكاتب في المجال السياسي يكون غالباً مرهف الحس شأنه في ذلك الشاعر فكلاهما أشبه بالريشة التي تحركها النسمة العليلة برقة وكذلك زمهرير الرياح بعنف فيرفق بالأولى ويزمجر بالثانية, ويبقى كلاهما عرضة للاستفزاز الحسي والعاطفي معبرا عن ردة فعله من خلال نظرته للحدث بطرائق متباينة.

الكاتب والمحلل السياسي لا يصنع الإحداث وربما هي التي تصنعه أو تصنع مادة قلمه فهو عادة ما يتأملها عن قرب من ثم يضعها تحت مجهر التحليل ليحدد مواصفاتها وعناصرها الرئيسة وأسبابها وتفاعلاتها وتأثيراتها الحاضرة والمستقبلية, وتمر الإحداث أمامه كمرور عارضات الأزياء أمام الحاضرين فتستهوي البعض وتثيره أو تنفر البعض الآخر منها أو ربما لا تترك انطباعا واضحا عند الآخرين, لذا نرى إن بعض الإحداث قد تثير لعاب بعض الكتاب فينهمكوا في الخوض في غمارها في حين تمر مر السحاب لا ريث و لا عجل أمام البعض الآخر, وهذا الأمر بحد ذاته لا يخلو من فائدة. وهناك العديد من التجارب التي يمكن الاستشهاد بها على هذا المنوال.

الأيام الماضية في العراق كانت حبلى بالكثير من الإحداث شأنها شأن السابقات منها فمن الأفكار المهدوية الجديدة التي طرحت على المشهد السياسي العراقي والتي هزت أركان المرجعية الدينية والحوزة العلمية بعزفها على وتر خمس الفقراء ومطالبتها بتوزيعه على المحتاجين وليس المراجع الدينية وسحب البساط العتيق من تحت مؤخرات المراجع للكشف عن الخزائن المتخفية تحته إلى مناداتها بقطع الحبل الوهمي الممتد بين المرجع والسماء فالدين لا يحتاج إلى وسيط روحي أو مرجعي, كذلك الاستعدادات التي تجريها القوات الحكومية بالتعاون مع قوات الاحتلال لضرب القوى الوطنية في الموصل بذريعة محاربة الإرهاب والقاعدة وهي معزوفة نشاز أشمئز الناس منها, إضافة إلى مأساة الزنجيلي وتوجيه أصابع الاتهام إلى أطراف حكومية بإيعاز الاحزاب الكردية المتنفذة, إلى مهزلة تغيير العلم العراقي مع رفض شريحة كبيرة من العراقيين لهذا التغيير, إضافة إلى تحديد يوم الثالث من اكتوبر عيدا وطنياً للعراق لانضمامه في مثل هذا اليوم إلى عصبة الأمم المتحدة وهي نادرة لم تعتمدها أية دولة في العالم منذ تأسيس العصبة سيما أن تسميتها تغيرت إلى الأمم المتحدة والأولى أن يكون هذا التأريخ مناسبة لذكرى تأسيس الأمم المتحدة وليس العراق!, إلى مشكلة المصادقة على ميزانية عام 2008 والتي ترفضها بعض الاحزاب المشاركة في العملية السياسية والاختلاف على حصة الأكراد الذين يطالبون برفع نسبة واردته ممن 14الى 17% لتغطية مصاريف البيشمركة البالغ عددهم(90) ألف مقاتل بحجة حمايتهم حدود العراق رغم أننا لم نسمع سوى صوتهم المبحوح أثناء الاجتياح التركي لحدود إقليمهم المزعوم, إلى عودة الحديث عن الفدراليات الطائفية وإنتهاءا بسيطرة إيران على حقول نفطية في منطقة الطيب العراقية.

إحداث جسام وخطيرة تستحق كلها الخضوع إلى الفحص السريري وتشخيص أسبابها وتداعياتها على الساحة العراقية, وسنحاول التحدث عن موضوع سبق أن أشرنا إليه مرارا وتكرارا وهو يتعلق بالتدخلات السافرة لجارة السوء إيران في الشأن العراقي وهو تدخل واضح تؤيده آلاف البراهين, ومع هذا فأن هناك صلف وتعنت وغطرسة يمارسها بعض المسئولين العراقيين في نفي هذه التدخلات والدفاع عن النظام الإيراني بطريقة "شفافة" حسب المفهوم الجعفري بعيدة ليس عن الغيرة الوطنية التي تبخرت منهم منذ امتطائهم الدبابات عالية.

حديث سرقة النفط العراقي من قبل إيران سبق أن تحدث عنه النائب كمال الساعدي بجرأة وغيرة وطنية عالية وكان محط إعجاب الكثيرين لأنه مثل حينها انعطافة واضحة في مسيرة الائتلاف الشيعي الذي عودنا على التهرب من إثارة مثل هذه المواضيع الحساسة وهو موقف يتناسب مع تبعية الائتلاف للنظام الإيراني, ومن المؤسف أن مجلس النواب لم يأخذ تصريح الساعدي مأخذ الجدي فهو كما عهدناه يهتم بالقشور دون اللب لذلك لم يكلف نفسه أو نوابه الحجيج بدراسة الموضوع أو على الأقل تشكيل لجنة تحقيقيه للبت في الأمر, سيما أن وزير النفط حسين الشهرستاني المعروف بمواقفه غير الوطنية قام بتفنيد هذه الحقيقة آنذاك وأبطل مفعول التهمة المفخخة لأن تفجيرها من شأنه أن يلحق الأذى بوطنه الأم, فكان بذلك نعم الابن البار لإيران, فالعرق كما يقال دساس. ولا شك إن الشهرستاني ما يزال يداعب خياله المريض تعويض إيران عن حربها مع العراق ب (100) مليار دولار كما أعلن مواطنه عبد العزيز الحكيم الطبطبائي, ويبدو أن النظام الإيراني رغم حظيه بعشرات العقود الحقيقية والوهمية مع وزارة النفط العراقية, ورغم سيطرة أتباعه من الميليشيات على نفط الجنوب وتهريبه لها كما كشفت الحقائق مؤخرا, فأنه لم يكتف بهذا القدر وإنما تمادى بغطرسته وعدوانه ضاربا الحكومة العراقية ومجلس نوابها رغم نفوذه الكبير عليهما بصفعة قوية مؤكدا للجميع أن الفارسي لا يؤتمن على مال أو عرض أو عهد فهو لا يختلف عن اليهودي في منحاه هذا, وكان الخليفة عمر بن الخطاب (رض) قد أكتشف هذه الحقيقة قبل حوالي 1400 عام بقوله" ليت بيني وبين فارس جبل من نار"ولكنها مع الأسف بقيت عسيرة على فهم البعض ( المعروف) حتى مطلع الألفية الثالثة!

المصدر الذي كشف هذه الحقيقة كان من الائتلاف الحاكم وليس من أزلام النظام السابق أو التكفيريين أو القاعدة أو غيرها من التسميات, والذي أكد هذه الحقيقة هيئة النزاهة وهي كما معروف تخضع لنفوذ الائتلاف أيضا, فقد ذكرت بأن النظام الإيراني الجار المسلم قد استولى على أكثر من (15) بئرا للنفط العراقي في منطقة الطيب المحاذية لإيران, مؤكدة من جهة ثانية استمرار عمليات تهريب النفط من جنوب العراق لصالح جار السوء, وفضحت مشكلة النقص في مصادر الطاقة بأن السرقات تشمل أيضا المشتقات النفطية بما فيها المستوردة من إيران نفسها ودول الخليج, وهذا بحد ذاته يثير الكثير من التساؤلات؟

قدم نائب رئيس هيئة النزاهة شرحا مفصلا حول قيام النظام الإيراني بعمليات الحفر المائل لسحب النفط العراقي وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته الكويت فأشعلت فتيل حرب الخليج الثانية, وأشار إلى انه تم الاعتداء على المهندسين العراقيين وطردهم من داخل المنطقة! ومن المضحك المبكي أن يصف وزارة النفط العتيدة بالعجز عن معرفة كميات النفط المسروقة لأنها ببساطة "لا تمتلك عدادات"! لنتصور بلد يصدر ثروته الرئيسية دون عدادات فأي بلد هذا؟ أليس من الأجدى به أن يستعير العدادات القديمة في سيارات الأجرة ويحورها إلى عدادات نفط؟ أو يستعين بالنساء العدادات على مناقب الموتى ليعددن" الفراكيات" على وزارة النفط ووزيرها؟

يهزأ السيد فرج من إدعاء وزارة النفط بوجود مثل هذه العدادات ورغم بعده عن التخصص النفطي لكنه يعظ ويعلم الجهلة في الوزارة بأن الأمر يتطلب عدادات في الآبار والأنابيب ومحطات الضخ والمستودعات ومحطات التصدير, فأتعضوا يا أولي الألباب؟

وزير النفط الشهرستاني بعيد عن التقريع لأنه أيراني وينطلق في رؤيته وفق مصالح وطنه الأم إيران, كما أنه منشغل في إيفاداته التي تجاوزت (36) إيفادا خلال (18) شهرا وهي والحمد لله إيفادات مباركة من الصعب نكران نتائجها الحميدة في زيادة واردات العراق من جهة وتوفير هذه المادة الحيوية للعراقيين من جهة ثانية.

بالطبع وزارة النفط الإيرانية قلبت الطاولة ناكرة هذا الاعتداء، بل إنها شكت باكية بدموع التماسيح من كونها تعاني من تهريب نفطها المسكين إلى العراق, فيا ويلنا من غضب الله على هذه الجريمة البشعة ضد جارنا المسلم الوديع؟؟؟

وزارة الخارجية العراقية من جهتها أكدت هذه العدوان الإيراني الجديد فقد أشار وكيل الوزارة د. محمد الحاج حمود العطية بأنه الوزارة سلمت مذكرة احتجاج من وزارة النفط العراقية إلى الحكومة الإيرانية عبر سفيرها في بغداد.

أذن المسألة اتخذت طريقا رسميا بين العراق وإيران , وإن نكرانها يعبر عن حالة مرضية تسمى( العمالة الضحلة) فكما أن الوطنية درجات فأن العمالة أيضاً درجات ودركها الأسفل هو نصرة الأعداء في الباطل على أبناء الجلدة والتمسك برؤية الأعداء على حساب مصالح الوطن والشعب.

ليس من المستغرب أن يدافع المسئولون الإيرانيون على مصالح وطنهم ولكن الغريب أن يدافع المسئولون العراقيون على مصالح إيران كأنها وطنهم متجاهلين مصالح شعبهم الذي أواهم بعد تشرذم ووقرهم بعد احتقار وأثراهم بعد فقر وسلطنهم بعد أن كانوا نكرات.

متناسيا وظيفته الأساسية التي أغدقها عليه بول بريمر ومتجاهلاً الأوضاع الأمنية المضطربة ومتلهيا عن فوضى وعبث الميليشيات وفرق الموت وقوى الإرهاب في الشارع العراقي, وصامتاً تجاه الفشل في الخطط الأمنية العبثية التي ناهزت المائة, خرج مستشار الأمن القومي كريم شاهبوري أو موفق الربيعي عن صمته ليعلن وبصلافة أن ادعاءات سرقة النفط العراقي من قبل إيران هي تهم باطلة مؤكدا بأنه لا يوجد دليل واحد على قيام إيران باستغلال( لاحظ العبارة استغلال وليس سرقة) آبار نفط عراقية! وبعنجهية ورثها عن أجداده الفرس يدعي شاهبوري" بأنه لا يوجد دليل ولا معلومات عن استغلال إيران لخمسة عشر بئرا, ومن المفروض أن تدقق مثل هذه المعلومات"!

الأغرب من هذا كله أن يطالب مستشار الأمن القومي بدليل على هذا السطو, ولا أعرف أية جهة يطالبها بتقديم الدليل؟ أليس من المفروض حسب منصبه الخطير أن يقدم هو نفسه هذه الأدلة أم أن الحفاظ على ثروات البلد لا تدخل ضمن مهمات الأمن الوطني؟ و إذا كانت وزارتا الخارجية والنفط قد تقدمتا بمذكرة احتجاج للجانب الإيراني؟ إلا يكف شاهبوري هذا كدليل على السطو؟

ولماذا لا يستنفر المستشار أجهزته الأمنية المترهلة بالطائفية لمتابعة الموضوع عن كثب وتزويده بالحقائق قبل أن يطلق تصريحاته الجوفاء؟ أو على الأقل أن يقوم بزيارة إلى حقول النفط في منطقة الطيب ليتأكد بنفسه من سيطرة الإيرانيين على الآبار النفطية, وأن استصعب خروجه من المنطقة الخضراء فلا بأس من أن يلتقي بالمهندسين العراقيين الذين طردوا من الطيب ليستفسر منهم عن حقيقة ما جرى.

سبق للمستشار أن أنكر أكثر من مائة مرة التدخل الإيراني في شئون العراق متذرعا بعدو وجود أدلة لكنه اعترف مؤخرا لقناة الحرة بأن تحسن الوضع الأمني في العراق يرجع إلى أسباب منها توقف إيران عن دعم الميليشيات الموالية لها, فهل ننتظر (99) تصريح قادم ينكر فيه المستشار السطو الإيراني ليعترف بعدها به؟

مجلس النواب أو (مجلس الحجيج) لا شأن لهم بهذا الموضوع لأنه يثير حساسية بعض النواب ذوي الأصول الإيرانية؟ وأن لديه ما يكفيه من متاعب بعد موقعتي العلم العراقي واليوم الوطني, وهو بأمس الحاجة إلى راحة طويلة ليصفو باله المعكر للاستعداد لموسم الحج القادم فالمباراة النيابية تعتمد على تسجيل اكبر عدد ممكن من أهداف الزيارة المقدسة, وكان الله في عون العراق والعراقيين.


   *علي الكاش   مفكر وكاتب عراقي

alialkash2005@hotmail.com