من وعاظ السلاطين إلى وعاظ المحتلين /1
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 7 أيام
الأحد 16 ديسمبر-كانون الأول 2007 07:33 ص

مأرب برس – خاص

سبق أن تحدثنا عن دور رجال الدين في وصول العراق إلى حافة الهاوية وقد وجهت لنا انتقادات عديدة ما بين إيجابية وسلبية بما يتناسب مع رؤيتنا بأنه كما يحق لنا نقد الآخرين فلابد أن نقبل بنقد الآخرين لنا سيما أن كان النقد بناءا وصريحاً مما يساعد على تصحيح الأفكار أو تعديلها وشذبها, ولكن من المؤسف أن البعض ما يزال يفكر بذهنية عصر محاكم التفتيش معتبراً إن الدين هو أحد أضلاع الثالوث المحرم وأن رجاله مصونون ومنزهون عن الأخطاء بل يبالغ البعض باعتبارهم معصومين لأنهم من نسل آل البيت الكرام وهو زعم يمكن أن يتخذه أي كان في فوضى خرائط النسب, أو أنهم نواب سفراء آل البيت آيات الله العظمى وحجج الله الكبرى وأرواح الله وغيرها من الصفات التي لم نسمع بها منذ العصر الإسلامي ولحين العصر الصفوي وما بعده, ونحن ننطلق ن نقدنا لمعرفتنا بأهمية رجال الدين ولاسيما اللامعين منهم والذين لهم قدسية خ اصة عند جماهير غفيرة من أتباعهم الذين سلموهم اختيارا دفة عواطفهم وأرواحهم يحركونها كما شاءوا, وننطلق من نقدنا بأن هذه المراجع تستخدم الدين ولا يستخدمها الدين بكل أسف, وننطلق أيضا من اعتبارنا بأن هذه المراجع ليسوا أنبياء ومنزهين عن الخطأ, وان حملهم هذا اللقب لا يعني إنهم وصلوا إلى مرتبة أعلى من الرسل والأنبياء أو الصحابة أو آل البيت, ولنا في الصحابي عبد الكريم ابن أبي العوجاء وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وغيرهم عبرة سيئة رغم قربهم من النبي محمد(ص). ولا نظن إن للمراجع الدينية حصانة ضد المناقشة والحوار والنقد, كما ننطلق في نقدنا بأنه لا الله سبحانه وتعالى ولا النبي أو آل البيت خولوا هذه المراجع للتحدث باسمهم. وننطلق أيضاً بأن المراوغة والرياء والكذب والدجل والخداع هي صفات متوفرة عند رجال السياسة, وقد ذكر فيلسوف الإسلام الإمام علي (رض) بأن السياسة ما دخلت شيئاً إلا وأفسدته, ولا يليق برجال الدين أن يستعيروا هذه الصفات ويسبغوها على أنفسهم واعتبارها من لزوم ما يلزم. كما ننطلق في رؤيتنا بأن رجال الدين لهم مسئولية سماوية وواجبهم خدمة الدين وهم أكبر من أن يسخروا أنفسهم وعلومهم وفقهم لخدمة السياسيين وألاعيبهم القذرة. كما انه لا يجوز لهذه المراجع تغيير هوى الناس لدينهم وتقديسهم له إلى نقطة انعطاف خطيرة تتمثل بتقديسهم شخصياً فالولاء يفترض أن يكون للإسلام كدين وليس لرجال الدين وإلا رجعنا إلى عبادة الأصنام مرة أخرى. وإذا لم ننبه إلى هذه الانعطافة لا خير يرتجى منا وان لم يسمعوها فلا خير يرتجى منهم, كما ننطلق في رؤيتنا بأن رجال الدين عندما يتعرض الوطن إلى الغزو والاحتلال الأجنبي لا ينزوا في كهوفهم الحجرية أو ينعزلوا عن الناس, بل يغادروا وحدتهم الملعونة ويخرجوا من هذه الصومعات المظلمة غير الصحية إلى الشارع ليقودوا الجماهير ويشعلوا جذوة الوطنية ولنا بمراجعنا العظمى كمحمد تقي الشيرازي والشيخ محسن آل كاشف الغطاء وعبد الكريم الجزائري وابو الحسن الاصفهاني والسيد كاظم اليزدي والشيخ مهدي الحيدري والشيخ مهدي الخالصي والحبوبي وغيرهم من قادة ثورة العشرين أسوة حسنة. ومن المسلم به أن أفكار واجتهادات رجال الدين ليست حقوق محفوظة لمذهبهم وإتباعهم فقط عندما يتعرض الوطن إلى محنة تهد أساسه وأركانه الارتكازية بل تصبح حقا مشاعا لكل الأديان والمذاهب.

 ولكل نظرته وتعصبه للمذهب الذي يؤمن به أو المرجع الذي يقلده وهذا احد حقوقه التي تستمد من حرية اختيار المذهب وكذلك حرية التعبير فالإرادة الحرة جزء مهم من تكويننا العقلي والعاطفي, والتعصب حالة غريزية لا تقتصر على المذهب فقط وإنما تتعداه إلى عدة جوانب فالأب يتعصب لأبنائه ومشجع فريق كرة القدم يتعصب إلى فريقه والقروي يتعصب إلى قريته وهكذا, وهذا التنوع يفترض أن يعمل كقطبي المغناطيس فالأقطاب المختلفة تتجاذب, كما أن المنطق السليم يفترض احترام كافة الأديان السماوية والوضعية والمذاهب بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها في الجوهر أو في تفاصيل معينة طالما أن هناك من يؤمن بها, فالكتب السماوية الثلاثة تختلف في الكثير من الروايات والإحداث رغم إنها من منبع واحد وهو الله سبحانه وتعالى, وهذا الاختلاف لا يعني وجود عجز أو نقص لا سامح الله بل أن الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان عقل ورؤية يمكن بواسطتها أن يميز بين الخطأ و الصواب بغض النظر عن مستواه العلمي والثقافي لذلك وردت الكثير من الكلمات التي تعبر عن هذه الصيغة " ألا تعلمون ألا تصدقون ألا تعقلون ألا تفكرون إلا تبصرون" وهي جميعاً تؤكد على الرجوع إلى العقل في التمييز بين الخطأ والصواب, بمعنى أن الله زودنا بالقدرة على التفكير والموازنة وصنع القرار وكذلك معرفة الصح من الخطأ, وألا خذ بالقاعدة الفقهية " صريح المعقول مع صريح المنقول", ومن الطريف أن إعرابي يجهل القراءة والكتابة دخل مكتبة تضم آلاف المجلدات ونظر متعجباً لما تحتويه وقال لأمين المكتبة : أني أعرف جميع ما في هذه الكتب؟ فأستغرب أمين المكتبة وقال له ساخراً:- وكيف ذلك خبرنا؟ فأجاب الأعرابي : -إنها جميعاً تناشدنا بعمل الخير وتحذرنا من عمل الشر! فأبتسم أمين المكتبة وقال له:- صدقت ورب الكعبة. ربما أستذكر هذا الإعرابي الآية التالية من سورة المائدة " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" أو الآية الكريمة في سورة الاحقاف " لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين" ليبرر معرفته لما تضمنته مجلدات المكتبة.

 والدين الإسلامي واضح في موقفه تجاه العقائد الأخرى من حيث حرية اختيار العقيدة واحترام بقية العقائد, فقد جاء في سورة البقرة" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وكذلك في سورة الكهف" فمن شاء ليؤمن ومن شاء ليكفر" وفي سورة الإسراء " قل آمنوا به أو لا تؤمنوا" وفي سورة يونس " لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً, أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" , ونفس الشيء ورد في الإنجيل" تصرفوا كأحرار, ولا تستعملوا أبدا حريتكم كمبرر للشر" وكذلك " حيث روح الربً هناك حرية "كما حدد الله سبحانه وتعالى سلطات الرسول كما جاء في سورة الغاشية" فذكر إنما أنت مذكر*لست عليهم بمسيطر" وكذلك في سورة الإنعام" وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين" وكذلك في سورة آل عمران " فأن حاججوك فقل أسلمت وجهي لله" وكذلك " وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد". إذن الاختلاف في العقائد مقبول في شريعة السماء وفي الشرائع الوضعية التي تضمنتها كافة دساتير الدول في العالم, وربما هذا التنوع هو أشبه بتنوع الأزاهير في حديقة الدنيا مما يضفي عليها جمالاً ورونقاً وسحراً, ولنتصور أن حديقة ما فيها جميع الإزهار من لون واحد, بالتأكيد إنها سوف لا تضاهي جمال أخرى تضم أزهار بألوان متعددة.

 لكن المشكلة تبرز عندما يكون الدين واحد والكتاب واحد والنبي واحد والشعائر واحدة والفرائض واحدة وكل يفسر حسب هواه وأغراضه الدنيوية, سيما أن ورائه ممن يتبعه ويقلده ويعتبره أفهم منه في العلوم الدينية ويرجع إليه في الصغيرة والكبيرة, والشاردة والواردة, والواضح والمخفي في دينه ودنياه, وهو أمر أمسى ميزة لنا كمسلمين بالرغم من صلاحه لمسلمي الصين والهند واندنوسيا وغيرها من الدول الأعجمية التي لا تفهم اللغة العربية فتستعين بمن يوضح لهم دينهم ويجلي لهم ما خفي عنهم أو صعب فهمه, ولكنه لا يصح بالنسبة للعرب المسلمين فالقرآن نزل بلسان عربي والنبي عربي وأحاديثه باللغة العربية واضحة لا تحتاج إلى الكثير من الجهد لمعرفة مضامينها, ومنذ نزول القرآن الكريم كان الرسول(ص) والخلفاء الراشدين وأصحابه وآل البيت الكرام رضوان الله جميعاً وكبار علماء الإسلام قد تناولوا جميع ما يحتاجه المسلم لفهم دينه رفعوا كل غموض أو صعوبة في فهم شعائر الإسلام وتفسير القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. ومن المؤكد أن مسلم الوقت الحاضر هو غير مسلم العصر الإسلامي الأول فقد ساعد التدوين والطباعة وانتشار الوعي والثقافة إضافة إلى تطور العلوم والمعارف بمختلف مجالاتها في تفسير الكثير من الظواهر الكونية والعلمية التي تناولها القرآن الكريم مما ساعد على تفسير الكثير من الآيات غير الواضحة أو صعبة الفهم, لذا فأن الإسلام أمسى واضحاً في تعاليمه ومبادئه, وهذا يعني أن زمن" الفقه المتجول" قد انتهى بعدما كان السادة يجولون في القرى والأرياف لتعريف الناس بدينهم, سيما أن هؤلاء لم يكونوا بذلك المستوى الكافي من علوم الدين والوعي والثقافة لذا لفظهم التأريخ القريب ولم يتناول سيرتهم وأثرهم ودورهم سيما أن معظمهم من المدعين نسب آل البيت رضوان الله عليهم دون سند إثبات لنسبهم وذلك لغرض لكسب مودة ورضا الناس وبالتالي العزف على أوتار جيوبهم وتفريغها تحت مسميات الخمس والنذور وردً المظالم وغيرها, وكان عمل هؤلاء ينصب على نشر مذهب آل البيت وليس تعليم الناس حقيقة شعائر الإسلام وما تناوله القرآن الكريم والأحاديث لنبوية, فقد كانت مأساة الحسين(ع) هي محور حديثهم وهي مأساة أضافوا إليها الكثير من التهويل بحيث أصبحت تضم من الخرافة والمبالغة أعجبها, لغرض تحفيز الناس على البكاء والعويل والنحيب واللطم بما يسمح بتوسيع جيوب السادة على حساب الجهلة والسذج. ولم يقتصر هذا الأمر على السادة الجوالين بل تعداه إلى المراجع الدينية الكبرى, فقد وزعت أقراص ممغنطة في بغداد يظهر فيها محمد باقر الحكيم في إيران وهو يتحدث عن مأساة الحسين من ثم يبدأ بالبكاء كمرحلة أولى من ثم ينتقل إلى النحيب ومن ثم اللطم وينتهي المشهد بحركات هستيرية كأنه مصاب بالصرع فيتهافت حرسه إلى تثبيته في الأرض وحمله إلى خارج التجمع, وقد أطلع بعض المثقفين الأوربيين على هذه المهزلة المفبركة وقال احدهم: هل هذا زعيم اكبر حزب يحكم العراق الجديد؟ أجبته : نعم! فرد بسخرية: إذن مبروك على ا شعبكم المسكين الحرية والديمقراطية.

 من المؤسف أن كبار رجال الدين بدلاً من توحيد كلمة المسلمين وصفهم صفاً واحداً, نزعوا إلى تفرقتهم إلى مئات الملل والنحل والفرق التي ما أنزل الله بها من سلطان, وكما قال الإمام علي(رض) كل فريق بما لديهن فرحون, وهم يعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية والبقية في النار استنادا إلى حديث نبوي ضعيف ذكر بأن الأمة الإسلامية ستفترق إلى عدة فرق قدرت بحدود السبعين, رغم إن عددها وصل إلى عدة مئات كما ورد في كتب الملل والنحل لأبن حزم والشهرستاني وعبد القاهر البغدادي وغيرهم, وقد ساعد رواج هذه الفكرة على توسيع الهوة بين المذاهب وتكفير بعض الفرق لأخرى التي تخالفها في تفاصيل محددة رغم الاتفاق على المبادئ العامة للشريعة الإسلامية, وبدأ رجال الدين ووعاظ السلاطين بترويج بضاعتهم الكاسدة بين الناس السذج والفقراء وأحيانا بعض المثقفين المتعصبين لمذهبهم من خلال الخطب التحريضية والوعظ ونشر الكتب التي تساهم في توسيع الهوة بين المسلمين أنفسهم من خلال تخريجات وتفسيرات فقهية غريبة والتأكيد على عناصر الشقاق والنفاق التي ملئوا بها عقول الآخرين متجاوزين الجوانب المضيئة والخلاقة في الفكر الإسلامي التي تستفز منابع خلاقه للإبداع.

 ومن المؤسف أيضاً إن البعض منهم كانت تدفعه أغراض سياسية لهذا النهج حيث يسخر خطبه وكتبه ودعواته لخدمة السلطان أو الرئيس والملك من خلال تعتيم وتضليل الحقائق والتركيز على وجوب طاعة أولياء الأمر وأن الله جل وعلى هو الذي يجعل الإنسان يندفع وراء نزواته وأخطائه ولابد من الرضوخ إلى حالات القهر والظلم والاستبداد والحرمان وفق القول " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" و" لن تنتقل الرجل اليمنى من إلى اليسرى إلا بإذن الله" و " أصبر إن الله مع الصابرين" ونشر الأمثال التي تتوافق مع هذا الطرح" المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين" وأن الله يمتحن عباده الصالحين وقوة إيمانهم من خلال ابتلائهم بالمصائب, وقد ساعد ذلك في انتشار الغيبيات والخرافات والتخلف والجهل والمفاهيم السطحية والمنحرفة عن الدين الصحيح, والسير حسب الميول العاطفية بين أوساط الجاهلين, ولم يكتف رجال الدين بتخدير هذه الجموع من معارضة أولياء الآمر, بل شلوا أيديهم من خلال ترسيخ مفاهيم الطاعة العمياء والخنوع والخضوع للحكام وعدم الاعتراض على الظلم الذي يلحق بهم, فهم ظل الله في أرضه, إضافة إلى غرس مفاهيم صفوية بعيدة كل البعد عن الإسلام ومبادئه لتأمين استمرار استنزاف أموالهم عن طريق الخمس ورد المظالم وتسلم النذور والأضاحي وغيرها من البدع والتضليل. ولم يقتصر الآمر على المذهب الأثنى العشري فهناك العديد من الفرق السنية سارت على نفس المنوال في نشر البدع والضلالات تحت مسميات مختلفة مثل طرق الدروشة لغرض الكسب المادي.

 كما أضفى رجال الدين هالة من القدسية على رجال السياسة لغرض الشهرة والكسب المادي والحصول على الامتيازات الدنيوية فنحروا الدين من أجل السياسة وقدموه ضحية للسلطان الجائر, وتحولت المآذن في الجوامع والحسينيات إلى شعبة ترتبط بوزارة الإعلام لتبث مآثر السلطان على العباد وتنتهي بدعوات ما أنزل الله بها من سلطان, منطلقين في دعواهم من حديث نبوي شريف " السلطان ظل الله في الأرض, يأوى إليه الضعيف, و به ينتصر المظلوم, ومن أكرم سلطان الله في الدنيا, أكرمه الله يوم القيامة".

 أصبحت القاعدة العامة" الدين في خدمة السياسة" وفي الوقت الذي تجاوزت أوربا هذه القاعدة منذ عصر التنوير في القرن السابع عشر فأن عالمنا العربي بشكل عام والعراق بشكل خاص ما يزال يعيش هذه المرحلة المتخلفة, ورغم التوجهات العلمانية لبعض الأنظمة السياسية لكن التجربة أثبتت أن التأثير الديني والمذهبي ما يزال طاغياً على تفكير العامة, وأن رجال الدين ما يزالوا يمتلكوا قوة تأثير جبارة على هذه الأوساط المتخلفة والتي تمثل الأكثرية في المجتمع وتسيرها وفق أغراضها الدنيوية, وتجربة إيران والعراق أفضل نموذج على ذلك, فقد غادر رجال الدين مساجدهم وحسينياتهم تاركين مهمة الوعظ والإرشاد والنصح ليتربعوا في مجلس النواب وإدارة أجهزة الحكومة متجاهلين العمامة فوق رؤوسهم وهذه حالة فريدة في بابها ونحن ندخل الألفية الثالثة.

 لا يوجد من يعترض على أهمية رجال الدين في الحياة الروحية والتعبدية للمسلمين عندما يتعاملون مع أتباعهم وفق المنظور الإسلامي ويهدفون إلى خير شعبهم كوحدة متكاملة ويحظون على قيمة وكرامة الإنسان ورفع مستواه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وتعزيز سلطة القانون والالتزام بالحقوق والواجبات والقيم الأخلاقية والمصلحة العامة ويساهموا في تأسيس فردوس أرضي, ويدعون لنبذ الحروب والجرائم والظلم والفقر والجوع والظلم والمرض والطغيان والشر.

 ولكن الاعتراض يكون عندما يحشر رجال الدين أنوفهم في القضايا السياسية ويتصرفون كرجال سياسة أكثر منه كرجال دين, ولا يكتفون بالابتعاد عن جوهر الإسلام الحقيقية أو السكوت عن انتهاك حرمة السماء وتعاليمها السمحاء فحسب بل يساهموا بكل نشاط وفاعلية في تخريب البلاد وسبي العباد وشلً يد البشر عن فعل الصواب لأغراض سياسية بحتة, معطلين فرائض الله في محاربة قوى الشر والطغيان والاستبداد و كذلك طاقات المجتمع الخلاقة للسلام والتوجه للبناء والتعمير. والاعتراض يكون عندما يتمسح رجال الدين بحذاء السلطان وينزهوا أخطائه ونزواته ويباركوا هفواته وجرائمه

 الاعتراض يكون عندما يوقظون الفتنة النائمة بسكب ماء الفتنة الطائفية البارد على وجهها وينعشونها,يجاهروا بها متلذذين بشبق التكفير الآخر باستخدام مفاهيم عفا عنها الدهر من نيف وألف سنة كأحفاد معاوية المروانيين والرافضة النواصب والتكفيريين متناسين انه حتى عندما تقاتل المسلمين مع بعضهم بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان(رض), لم يجرأ أي فريق منهم أن يكفر الآخر. بل أن الرسول (ص) غضب اشد الغضب على أسامة بن زيد احد اقرب المقربين إليه حين علم انه قتل كافرا نطق بالشهادة قبل مقتله. لذلك فأن رجال الدين الذين يستخدمون علامات الطرح والضرب تجاه بقية الفرق بدلا من علامتي الزائد والقسمة في الود والتفاهم غير جديرين بقيادة المجتمع.

 الاعتراض يكون عندما يقف رجال الدين موقف المتفرجين إزاء شعب يقتل وبلد يدمر وثروات تسرق, كأنما غاب عن خلدهم أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسبنا على الكلام فقط وإنما يحاسبنا على السكوت أيضاً أليس" الساكت عن الحق شيطان أخرس"؟ الم يوصي الإمام علي (رض) المسلمين بقوله" اتق الله وقل الحق, وإن كان فيه هلاكك". ويكون الاعتراض أشد ضراوة عندما تسرق الأموال التي تقع تحت أنظارهم وسيطرتهم ولا يحركون ساكناً, طالعنا احمد الحسيني وهو من التيار الصدري وعضو محافظة كربلاء بأن(7000) عنصر من ميليشيا المجلس الأعلى فيلق بدر وتوأمه فيلق القدس يسيطرون على واردات العتبات المقدسة في النجف وكربلاء التي قدرها بحدود(3-4) مليار دينار عراقي شهريا ما عدا الهبات والهدايا الأخرى.

 والاعتراض يكون عندما تتحول العتبات المقدسة والجوامع والحسينيات إلى أعشاش للإرهاب و مستودعات للأسلحة والذخيرة ومراكز للاعتقال و التعذيب ومؤسسات تجارية لعقد الصفقات والاجتماعات السرية. دون أن يتحرك رجال الدين لوقف هذه الظاهرة الخطيرة, وينفذوا أوامر الربً في تطهير دور العبادة من فحيح هذه الأفاعي التي تبث السموم في إرجائها.
 

 الاعتراض يكون عندما يبارك رجال الدين سيف السلطان وهو يقطع رؤوس الأبرياء ويبتهلون من الله أن يديم سيفه حادا لامعاً وحاضراً لقطف المزيد من الأرواح, دون أن يدركوا حرمة هذه النفوس التي حرم الله قتلها إلا بالحق, و يزينون له شر أعماله ويتفقهون لتبريرها متناسين الأحاديث الشريفة " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" و " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب".

 والاعتراض يكون عندما يضعون المخدات على أذانهم كي لا يصل إلى مسمعهم ونخوتهم استغاثات المساكين والمنكوبين والمساجين في سجون الاحتلال والحكومة العميلة وهم يتعرضون إلى المهانة والتعذيب والاغتصاب والجوع والقهر والظلم.

 الاعتراض يحق عندما يكون رجال الدين وقادة الأحزاب الدينية أول خدم لقوات الغزو ويفتون بالتعاون معهم, فيتحولون بذلك من آيات عظمى إلى مكرو آيات, وتتحول الحوزة والمساجد والحسينيات من أول معاقل الجهاد إلى آخر معاقل العمالة, داخلة التاريخ من بابه الواسع ولكن من الباب الخطأ وستخرج من باب الندامة الذي سيلطخها بالعار إلى يوم يبعثون .

 الاعتراض يكون عندما لا يستنفر رجال الدين حواس ومشاعر الشعب ويشعلون فتيل المقاومة في وجوه الطغاة المحتلين وإذنابهم, وبدلاً من أن يكونوا في الخنادق الأمامية من ساحة القتال يقومون بزرع الألغام ووضع الأسلاك الشائكة أمام ساحة الجهاد مخالفين شريعة السماء ومنطق الأرض. والأسوأ من هذا كله عندما يمزجون الجهاد بالإرهاب في بوتقة واحد, رغم علمهم إن عناصر النوعين لا يمكن أن تتجانس نوعا وكماً وعدداً وصنفاً بكل مفاهيم الكيمياء والفيزياء والمنطق والدين والفلسفة والتأريخ والجغرافية وهل يتجانس الخير مع الشر أو الوطنية مع العمالة أو العدل مع الظلم أو الحق مع الباطل؟

 وللحديث بقية إنشاء الله.

 كاتب ومفكر عراقي