هولوكوست البرادعي والانهزام الحضاري للعرب والمسلمين!
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و يوم واحد
السبت 01 ديسمبر-كانون الأول 2012 02:39 م

تشهد مصر هذه الأيام اصطفاف ثنائي بين تيار القوى الإسلامية من جهة وتيار القوى اليسارية واللبرالية من جهة أخرى. ونحن هنا لسنا بصد الحديث عن ذلك الصراع؛ وعن تحديد موقع الحقيقة في صف هذا الطرف أو ذاك، وإن كان واضحاً أن تمترس القوى السياسية في صف أي منهما يقوم على أسس انتهازية؛ هي أقرب إلى قول الشاعر الجاهلي: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد، أكثر من قربها للصراعات الديمقراطية التي تشهدها المجتمعات المتحضرة.

لكننا هنا بصدد الحديث عن التصريح الذي أدلى به الدكتور محمد البرادعي لصحيفة دير شبيغل الألمانية الأسبوع المنصرم، الذي قال فيه بأن الانسحاب من اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور كان لأسباب عدة من ضمنها إنكار بعض أعضائها لحادثة الهولوكوست وعدم إيمانهم بها.

والهولوكوست – لمن لا يعرفه – يقصد به المحارق التي قيل أن هتلر أقامها لليهود الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما يشكك به بعض الدارسين المحققين، ويؤمن به البعض الآخر، مع الإشارة الى أن قوانين أكثر الدول الغربية تجّرم التشكيك بالهولوكوست، وكانت أشهر المحاكمات بهذا الصدد هي التي أجريت للمفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي الذي ألف كتاباً بخصوص الهولوكوست أثبت من خلاله بالحقائق الدامغة أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خرافة.

ونفهم من تصريح البرادعي – رئيس وكالة الطاقة الذرية السابق – أنه لا يؤمن بالهولوكوست فقط، لكنه يجّرم كل من ينكره ويعتبرهم من ألد أعدائه! إلى درجة أنه لا يستطيع الاجتماع معهم في جمعية تأسيسية واحدة تقوم بصياغة الدستور؛ مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذا الدستور يتم إعداده لدولة مصر العربية المسلمة وليس لدولة إسرائيل أو حتى ألمانيا.

ويمكن أن ندرك مدى خطورة ذلك عندما نعرف أن الدكتور البرادعي يعد شخصية سياسية لها وزنها في الشارع المصري والعربي، وترشحه كثير من القوى لخوض المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة لرئاسة مصر؛ أكبر بلد عربي، وقلب العروبة النابض.

الغريب في الأمر بأن الذين قلبوا الدنيا فوق رأس الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي لوصفه الرئيس الإسرائيلي بالصديق في خطابه البروتوكولي المرفق مع السفير المصري الجديد في تل أبيب قد سكتوا سكوت الأموات أمام تصريح البرادعي رغم أنه أخطر وأشنع، ونحن هنا لا ندافع عن الرئيس مرسي ولا نؤيده فيما ورد في خطابه، لكننا نستغرب أن تصبح انتقاداتنا موجهة إلى أشخاص وجهات محددة بذاتها، وليس إلى سياسات ومواقف كما هو المفترض.. بغض النظر عن الجهة التي صدرت عنها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل المنسحبين من تأسيسية الدستور المصري يؤمنون بالهولوكوست ولا ينكرونه؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فنحن حقاً أمام وضع كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أما إن كانت الإجابة بالنفي فمن حقنا أن نتساءل عن سر سكوت القوى المتحالفة مع البرادعي على تصريحه، وعدم إنكارها له أو اعتراضها عليه، خصوصاً أن من ضمنها تيارات وأحزاب قومية تقول عن نفسها بأنها امتداد لفكر وسياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وأرجو أن لا ينبري لي أحدهم ويقول إن ذلك يدخل ضمن المكايدات السياسية والرغبة في اكتساب تأييد إسرائيل والدول الغربية! لأن ذلك إن سلمنا به سيقودنا نحو هاوية سحيقة نردي من خلالها الأمة العربية والإسلامية نحو مرحلة انهزامية لقيمها الدينية والحضارية، وهو ما سيضاعف عقدة النقص التي بتنا نعاني منها كعرب ومسلمين أمام الآخر، ويجعل من أمتنا مجرد فريسة سهلة، ولقمة سائغة يتنافس على التهامها كل من هب ودب.

وكل ما أخشاه أن يأتي يوم نزايد فيه على بعضنا أمام الغرب بأن هناك بين صفوفنا من لا يأكل لحم الخنزير، ولا يشرب الخمر، ولا يؤمن بتفوق الرجل الأبيض....إلى آخر هذه الترهات، ومن يدري عندما نتجه شرقاً نحو الصين أو الهند بماذا سنزايد على بعضنا؟ وهل سنقول لهم بأن هناك بين صفوفنا من ينكر أكل الصراصير والضفادع؛ بينما يلتهمون الأبقار بشراهة!!.

كل ذلك يجعلنا نقول بأنه سيكون أفضل لنا لو تنافسنا على اكتساب رضا شعوبنا ببرامج انتخابية توفر لها الحرية والتنمية والعزة والكرامة، وتنمي لديها عوامل الافتخار بلغتها ودينها وهويتها الحضارية، بدلاً من التسابق على إرضاء الغرب والقوى الدولية الأخرى، بحيث يريد كل طرف منا أن يقدم نفسه للخارج بأنه الحارس الأمين على مصالحهم، والأكثر قدرة على الانبطاح وتقديم مزيد من التنازلات.

طرائف هولوكوستية

نقل موقع بوابة الوفد التابع لحزب الوفد المصري (المتحالف مع البرادعي في المظاهرات الأخيرة) العديد من التعليقات التي شهدتها صفحات الفيسبوك والتويتر على تصريح البرادعي بعنوان (هولوكوست البرادعي على فيسبوك وتويتر) نكتفى هنا بإتحاف القارئ ببعضها، خصوصاً التي وردت على شكل تحريف لبعض الأبيات الشعرية والأمثال والحكم العربية والمصرية المعروفة.. على النحو التالي:

\"لو قلت لي يا برادعي حزمة الهولوكوست فيها كام يهودي، أنا حنتخبك رئيس التأسيسية\"، \"مبادئ الهولوكوست هي المصدر الرئيسي للتشريع\"، \"البرادعي في تصريح لصحيفة عكاظ السعودية: الليبراليون انسحبوا من اللجنة التأسيسية لأن أعضاءها لا يأكلون الكبسة\"، \"الثائر الحق هو من يثور ضد الفساد، ثم يهدأ ليعترف بالهولوكوست في الدستور المصري\"، \"لو كان الدستور من فضة فالهولوكوست من ذهب\"، \"خليك ورا الهولوكوست لحد باب الدار\"، \"كل شيء بالخناق إلا الهولوكوست بالاتفاق\"، \" قلبي على هولوكوستي انفطر و قلب التأسيسية عليا حجر\"، \"أنا وأخويا على الهولوكوست وأنا و الهولوكوست على التأسيسية\"، \"، \"قليل البخت يلاقي الهولوكوست في التأسيسية\".

واقترح أحد الناشطين شعارات وصفها بالجديدة للمظاهرات التي يشترك فيها البرادعي ضد الرئيس مرسي، هى: \"هولوكوست فلول إيد واحدة\"، \"عيش حرية هولوكوست يهودية\"، \"عيش توست إحنا مع الهولوكوست\"، \"لا إسلامية و لا مدنية هولوكوستية هولوكوستية\"، \"الجدع جدع والجبان جبان واحنا يا جدع هولوكوست فى الميدان\"، \"بالروح بالدم نفديك يا هولوكوست\"، \"سامع أم شهيد بتنادى الهولوكوست أمانة يا ولادى\"، \"عيش حرية .. هولوكوست التأسيسية\"، \"حرية فينك فينك .. الهولوكوست بيني وبينك\".

ونظم أحدهم بيت شعر ساخر للهولوكوست: \"إنما الأمم الهولوكوست ما بقيت ... فإن هموا ذهبت هلوكوستهم ذهبوا ، وراحوا في ستين داهية\". وعن الأمثال الشعبية الهولوكوستية، كتب عدد من المشاركين: \"الهولوكست اللى يجيلك منه الريح سده واستريح\"، \"يامآمنة للرجال يا مآمنة للهولوكوست في الغربال\"، \"يا واخد الهولوكوست على ماله .. يروح المال ويبقى الهولوكوست على حاله\"، \" لو كان حبيبك هولوكوست متحرقهوش كله\"، \"هولوكوست الناس السبت والحد وهولوكوست البرادعي موردتش على حد\".. وحقاً إن شر البلية ما يضحك