الثورات المضادة
بقلم/ م. عبدالرحمن العوذلي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 24 يوماً
الأربعاء 30 مايو 2012 05:45 م

عدم مقاومة الرياح وإنما السير باتجاهها مع إستيعاب الصدمة الأولى وامتصاصها ثم محاولة العودة ومحاولة التغلب على الرياح ، انها الثورات المضادة التي نشهدها منذ اليوم الأول لسقوط أركان النظام في دول الربيع العربي فالأنظمة العربية المستبدة حكمت لعشرات السنين وأحكمت سيطرتها على كل جوانب الدولة واشترت الولاءات وصنعت من الرعاع أبطالا ومن المرتزقة نجوما ومن الفاشلين والفاسدين رموزا للنجاح والنزاهة والمثابرة وحب الأوطان ، تغلغل الفساد في كافة المؤسسات في الدولة ولا تكاد تجد مؤسسة ولو صغييرة إلا والفساد ينخر فيها وأصبح من النادر جدا أن تجد شخصا ذو كفاءة ونزاهة في موقع صناعة القرار .

في الأنظمة الدكتاتورية والتي جعلت من المفسدين مسيطرين على جميع مفاصل الدولة الحل الأمثل هو بالإجتثاث للفساد من أصوله وبتطهير المفسدين من جميع دوائر صناعة القرار صغيرة كانت أم كبيرة ، ولكن بطبيعة الحال فالثورات العفوية والشعبية هي من تجيد فعل ذلك غالبا وإذا ما كانت الطليعة السياسية في الثورة غير مستوعبة لما يحدث تماما على الأرض فهنا تبدأ الحلول الوسط مما يعطي للنظام فرصة العودة بثورات مضادة

نحن نشهد في اليمن ثورات مضادة في كل المجالات ، فهناك ثورات مضادة في الوزرات التي صانعوا القرار فيها هم ممن أفرزتهم الثورة ومنحتهم ثقة أبناءها بشكل مباشر أو غير مباشر ، وما نشاهده اليوم وبعد مرور شهور على إستلامهم لتلك المناصب والوزرات هو عدم إستطاعتهم وقدرتهم على إتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة بحق العابثين مما يجعل تلك الوزارات تعج بالمفسدين وأصحاب الثورات المضادة ،لا ضيرفقد أعطي الفاسدين الوقت الكافي لكسب الولاءات وشراء الذمم والتخطيط والتنسيق لكل الإحتمالات في ظل المثالية الوهمية والسطحية التي يحاول وزراء الثورة إظهارها للعالم بينما نحن ننظر إليها أنها ضعف وأنهم ليسوا أهلا لتلك المناصب مما يجعل قراراتهم غير مسموعة ولا يأبه بها ولا تنفذ إلا في ظل ثورات مضادة ولذلك فأنا أنصح كل وزير لا يستطيع إصدار قرار ملزم ومنفذ بالإستقالة الفورية مع توضيح السبب للثوار وإلا فستجرفهم الثورات التصحيحيىة اللاحقة والتي لا يستبعد أن يدشنها الثوار قريبا إذا لم يجدوا تغييرا يلبي طموحاتهم وتضحياتهم .

الوضع في اليمن في اعتقادي لا يزال بعيدا جدا عن المسار الصحيح فنصف الوزارت لا تزال مع أنصار النظام السابق وتعج بالفساد والمفسدين ولم تصلها الثورة إلى اليوم ، لا أعرف حقيقة كم نحتاج من الوقت حتى تصل الثورة الى تلك الوزرات فبالتأكيد كل الإحتمالات قد وضعت والأساليب المستخدمة والمخطط لها بالتأكيد قد أقرت ، والنصف الآخر من الوزرات مع الثورة إن صح التعبير ولم يتغير فيها الكثير ، في ظل ثورات مضادة في الجبهة العسكرية وانقسام واضح للعالم ،فالكل يشاهد أن القرارات لا تنفذ ولا يستجاب لها وإن كان من أعلى هرم الدولة ،وحتى تنفذ لا بد أن يتدخل المجتمع الدولي لتنفيذها وإن نفذت فالنهب والسلب أولا وما حصل في القوات الجوية أنموذجا قابل للتكرار في كل الألوية العسكرية والمؤسسات الإقتصادية التابعة للدولة .

الثورات المضادة لم تقتصر على عدم الإستجابة للقرارت وتنفيذها بل امتدت الى ما هو أبعد من ذلك بكثير ، فمن طليعة أولويات الثورة المضادة هو إجهاض العملية السياسية والحكومة المؤقتة الآن ،مع كل الضعف التي تعاني منه والمرحلة الحرجة التي تسير فيها شئون البلد فقد عملت الثورة المضادة على إظهار الحكومة بالضعيفة وغير المسيطرة على البلاد في ظل انفلات أمني كبير في بعض مدن الجنوب وغياب أمني تام للدولة في بعض مناطق الشمال ودعم كل ذلك مع تجفيف منابع الدخل للحكومة وإيصالها إلى مرحلة العجز الإقتصادي التام كل ذلك مواكبة لقطع الخدمات الأساسية للمواطن كالكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية والضرورية للمواطن.

كل هذه العوامل مجتمعة في ظل ما يعانية المواطن أصلا من بطالة وفقر وضيق في العيش وإفتقاره لأبسط الحقوق يخلق جوا عاما بأن البلد مهددة بالإنهيار التام ولا ينسى رواد الثورة المضادة تذكير اليمنيين و تخويفهم من خطر الصوملة والأفغنة وغيرها من النماذج مما قد يقود المواطن إلى العودة لمناصرة النظام السابق لمخرج وحيد لاستقرار البلد وعدم إنزالاقها إلى المجهول والمخيف وهذا ما تم حقيقة في الانتخابات الأخيرة المصرية فقد لعب الفلول هناك وقادة الثورة المضادة على محور إعادة الأمن للمواطن وتشويه للآخر اللذي كان جظءا من الثورة وقد انطلت الخدعة على الكثير فوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه هناك ، لا عجب فمازال النظام السابق يملك كل المقومات المادية والإدارية لشن الثورات المضادة وهذا سببه ما قلته سابقا هو المثالية الزائدة التي يتمتع بها البعض فقد مرت الشهور على الحكومة الجديدة ولم نرى مفسد واحد تمت محاكمته ولم نرى قاتل واحد قدم للعدالة في ظل شعارات الوفاء للشهداء والتباكي على أرواحهم وتضحياتهم ومحاكمة من قتلهم .

الثورات المضادة خطر واضح على البلد وعلى ثورة الشباب ولكن ما يبعث على الإطمئنان والشيئ الجميل والرائع في شبابنا الثائر وبكل صدق هو الثقافة والوعي التي يتمتعون فيها فهم يدركون كل ألاعيب النظام السابق ونتيجة الوعي لذلك لم نرى الثورات المضادة تأخذ طريق النجاح ، لأن الدعم لايزال موجود من الشباب ومن الساحات ، ومن هنا أسجل نداء للشباب أن لا تنطلي عليكم خدعة رفع الساحات فهي الظامن الحقيقي والوحيد لبقاء الثورة في مسارها الصحيح وإجهاض الخطر القادم من الثورات المضادة خاصة في ظل النشوة التي يعيشها انصار النظام السابق نتيجة لما حصل في مصر .