الجلاد الأمريكي في صنعاء
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 28 يوماً
السبت 25 فبراير-شباط 2012 12:40 ص

الأحد الماضي وأثناء اعتصام لعدد من الصحفيين والناشطين الحقوقيين أمام السفارة الأمريكية في صنعاء، للتنديد باستمرار عملية اعتقال الصحفي عبدالإله حيدر رضوخاً للطلبات الأمريكية، شاهد المعتصمون عربة نقل المساجين الخاصة بالسجون، ترافقها حراسة مشددة (من قوات مكافحة الإرهاب)، تدخل إلى مبنى السفارة الأمريكية في صنعاء، وهي مليئة بمساجين يمنيين، كانوا يهتفون للمعتصمين من النوافذ الصغيرة الموجودة على جانبي العربة التي تقلهم، قائلين: “حرية، حرية” وشعارات أخرى.

بالتأكيد أولئك الأشخاص لم يأتوا محمولين للسفارة بتلك الطريقة للحصول على تأشيرة دخول لبلاد العم سام ضمن برنامج القرين كارت، أو لإجراء مقابلة ودية مع السفير الأمريكي في صنعاء القادم من أروقة الاستخبارات الأمريكية، لطلب تمكينهم من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وإنما جيء بهم كي يتم التحقيق معهم من قبل عناصر الاستخبارات الأمريكية المتواجدين في مكاتب (السي أي إيه، وال اف بي إيه) الموجودة داخل السفارة الأمريكية.

هذا الفعل إن تم يعد انتهاكاً صارخاً لكل الأعراف القانونية والدستورية وقوانين حقوق الإنسان الدولية، وهي الممارسات التي اشتهرت بها أجهزة المخابرات الأمريكية التي أنشأت عدة فروع لها في البلدان العربية ودول العالم الثالث، بسبب رفض القوانين الأمريكية لعمليات تلك الأجهزة، وتجريمها من قبل القوانين الأمريكية في حال ممارستها لأعمالها في الأراضي الأمريكية، وذلك الأمر هو ما جعل تلك الأجهزة تنقل نشاطها للبلدان التي تقع تحت وصايتها.

ليست هذه المرة الأولى التي تقوم بها الاستخبارات الأمريكية بعمليات التحقيق والتعذيب لمواطنين يمنيين، يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة أو حتى في قضايا أخرى، وسبق أن اشتكى عدد كبير من المعتقلين اليمنيين من قيام أجهزة الأمن اليمنية بالتحقيق معهم بمشاركة محققين أمريكيين، لكن أن يصل الأمر للتحقيق معهم في السفارة الأمريكية فتلك كارثة وجريمة أدهى، لا يجب السكوت عليها، وتؤكد تورط النظام بتوقيع اتفاقات أمنية وعسكرية خارج إطار الدستور والقوانين اليمنية.

وسبق للصحافة الأمريكية أن تناولت مثل هذه القضايا والتي تحدثت صراحة عن وجود تعاون وتنسيق سري وثيق بين النظام اليمني وأجهزة الاستخبارات الأمريكية.

وفي هذا السياق قالت صحيفة نييورك تايمز : إن هناك فريقاً أمنياً وعسكرياً أمريكياً يعمل في اليمن، تشرف عليه قيادة قوة العمليات الخاصة في وزارة الدفاع، بتعاون وثيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأن فرق التصنت والتجسس، وفرقاً للتدخل السريع ومشاة البحرية وفرق تحقيق أمريكية تعمل في العاصمة اليمنية لتحديد الأهداف وبدء الغارات المستقبلية.

الرضوخ اليمني التام للمطالب الأمريكية تم خلال عام 2009م عندما أعلن الرئيس السابق صالح خلال الزيارة الثانية لقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بترايوس لليمن في 26 يوليو 2009، أنه لن توضع أية قيود أو شروط على شراكة حكومتي اليمن والولايات المتحدة في محاربة الإرهاب.

وذكرت إحدى وثائق ويكيلكس التي نشرت مطلع عام 2001م أن صالح وافق أيضاً على رفع وتيرة التدريب والمساعدات العسكرية، كما وعد صالح قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بترايوس بالتعاون الكامل في مكافحة الإرهاب “دون قيود أو شروط”.

في الأسابيع الأولى لقيام الثورة السلمية تعهدت الأحزاب السياسية للسفير الأمريكي ألا يؤثر سقوط صالح ونظامه على مستقبل التعاون اليمني الأمريكي على الحرب الأمريكية على الإرهاب.

كما أجرى السفير الأمريكي بصنعاء لقاءات مع عدد من أحزاب اللقاء المشترك، وأوضح لها أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال رحيل الأبناء الذين يعتبرون شركاء في مكافحة الإرهاب.

وكان صمت تلك الأحزاب من الضربات الأمريكية بواسطة الطائرات دون طيار في عدد من المحافظات اليمنية خلال العام الماضي، والتي تعد مثالاً صارخاً على انتهاك السيادة اليمنية، وراح ضحيتها مئات اليمنيين، هو بمثابة الدليل على مباركة تلك الأحزاب لاستمرار مسلسل القتل الأمريكي لليمنيين الذي دشنه صالح في أواخر عام 2009م في مذبحة المعجلة بمحافظة أبين، وذلك ما جعل الجانب الأمريكي يطمئن على مستقبل عملياته العسكرية في اليمن، واكتشف أن خلفاء صالح سيسيرون على خطى صالح، وأنهم مستعدون للذهاب ربما أبعد من صالح في تقديم التنازلات.

مطلع الأسبوع الماضي كان مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الإرهاب يقوم بزيارة لليمن ويجري مباحثات مع المسؤولين، تتعلق بمستقبل تعاون البلدين بشأن الحرب على الإرهاب، وضمان استمرارها خلال الفترة المقبلة.

وخلال مقابلاته تلك أكد المسؤولون حرصهم على استمرار وتطوير هذا التعاون، بما يخدم عملية الاستقرار الوطني والإقليمي والدولي.

وبحسب الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الرسمية فقد كانت هناك مقايضة لذلك الملف بطلب الحكومة المزيد من الدعم الأمريكي لحشد الدعم الدولي لمساندة حكومة الوفاق الوطني في مواجهة التحديات المختلفة.

هذه الحادثة - بحد ذاتها - تحتاج لثورة كاملة ضد السفير الأمريكي الذي يتعامل وكأنه الحاكم المطلق في البلاد، وبات يتدخل في كل حياة اليمنيين، لكنه لا يتحمل اللوم وحده نتيجة تصرفاته الرعناء، بل يتحمل اللوم والعقاب من سمح له القيام بذلك الدور والاستمرار فيه.

لم تقم الثورة إلا نتيجة مثل هذه التصرفات التي أدت لانتهاك كرامة اليمنيين والتعامل معهم مثل كائنات لا قيمة لها وزائدة عن الحاجة، أو كأصوات انتخابية مسلوبة الإرادة في بلادهم وكمجرمين في خارجها.

أتمنى أن يتحرك الرئيس الجديد وحكومة الوفاق للتحقيق في هذه الواقعة الخطيرة، وألا يكون جمل الثورة واللقاء المشترك قد برك أمام سفارة العم سام.