أزمة التعليم في ظل ثورة التغيير!!
بقلم/ د/ سعاد سالم السبع
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 10 أيام
الإثنين 15 أغسطس-آب 2011 02:16 ص

التعليم والتنمية مفهومان متلازمان؛ لا وجود لأحدهما منفصلا عن الآخر، فلا تنمية بدون تعليم ولا تعليم بلا تنمية، أينما حل التعليم وتطور تكون التنمية ، وحينما يغيب التعليم أو يتوقف تقف التنمية وتتعثر، وتقف عجلة التغيير الإيجابي، وتتدهور أحوال الناس وأخلاقهم، ولأن التعليم واقف، فسيظل عقل الإنسان راكدا، أو سيتجه الإنسان إلى حشو عقله بالخرافات والأفكار الهدامة والمنحرفة حتى يشبع حاجته للتعليم، وكيفما كان نوع ذلك التعليم الذي يتم في المدارس فإنه مهم ومطلوب لأنه مرئي ومنضبط ومحكوم بمعايير التربية والتعليم، وكلنا يؤمن بالقاعدة العقلية التي تقول: (أن تعرف خير لك من ألا تعرف)، حتى وإن كانت المعرفة غير سارة فعلى الأقل تأخذ احتياطك لمواجهة نتائجها..

من المحزن حقا في بلادنا أن أولى الخدمات التي توقفت بسبب الأزمة الراهنة وما زالت متوقفة هي خدمة التعليم، فقد حرم جميع الطلاب من الدراسة تقريبا عاما دراسيا كاملا، و الله وحده يعلم، وبعده وزارة التربية والتعليم كيف تمت الاختبارات النهائية هذا العام بدون تعليم وبخاصة الشهادات العامة ؟ والذي يثير الحنق والحزن والاستغراب هو أن تغلق مؤسسات التعليم باسم الشعب، كما هو مكتوب على بعضها، وأن يرفع الشباب هتافات تسيء إلى ثورتهم بالدرجة الأولى كذلك الشعار الذي يتم ترديده في بعض المظاهرات (لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس) هل هذا كلام يصدر عن عقلاء؟!! إنها مهزلة أن يدعو شباب التغيير الشعب إلى التوقف عن التعليم، مع أنهم ينشدون التغيير وقيام الدولة المدنية الحديثة.. كيف لهذه الدولة أن تكون حديثة والمنادون بها قد سدوا منافذ التعليم عن أبناء الوطن؟!! إن هذا الخطأ هو من أكبر الأخطاء التي ارتكبها شباب ثورة التغيير، والعتب الكبير هو على قادتهم الذين لم يحسبوا حساب الشعارات التي تسيء إليهم أكثر مما تخدم ثورتهم..

إن إيقاف التعليم خطأ ديني وسياسي وتأريخي وإنساني يتحمله كل من ساهم في ارتكاب هذا الخطأ سواء بالإضراب عن العمل في مؤسسات التعليم، أو التحريض على إقفال المدارس أو الدعوة إلى عدم الذهاب إلى المدارس أو سد منافذ المؤسسات التعليمية كجامعة صنعاء، لأن التعليم مثل الصحة إذا توقف توقفت الحياة، ونحن لم نسمع عن وقف التعليم في أي دولة تنشد التغيير حتى في غزة ، فبالرغم من شراسة هجوم الصهاينة، عليها واستمرار الحصار الظالم على أهلها، فلم نسمع عن أن التلاميذ لا يذهبون إلى مدارسهم ولا يتعلمون، لأن المجتمع يدرك أنه إذا وقف التعليم ولم يتعلم الأبناء فلن يتحرروا أبدا..وهكذا نحن لن نستطيع أن نحدث التغيير ولا بناء الدولة المدنية ولا بناء القدرات المطلوبة للتنمية ما لم ندافع عن استمرارية التعليم تحت أي ظرف، وما لم نحافظ على بقاء مؤسسات التعليم عاملة حتى وإن طالت الأزمة ، فالتعليم لا ينبغي أن يكون ضحية صراعاتنا، التعليم هو النافذة الوحيدة لرؤية الحقيقة وتدريب العقول على التمييز بين الحق والباطل..

ماذا يمكن أن يفعل الآباء والأمهات وهم غير قادرين على السيطرة على الأطفال في الشوارع بلا مدارس؟!! وكيف نحمي المراهقين من الانحراف وكل أوقاتهم مشغولة بالتسكع في الشوارع أو في مقاهي النت؟!! أو في تناول المكيفات كالقات وغيره.. كنا نصرخ من فراغ الأبناء بعد وقت المدرسة واليوم كل نهار الأبناء وليلهم لعب في لعب، وفي غالب الأحيان يكون هذا اللعب ضد سلامتهم وضد أخلاقهم وضد تقاليد المجتمع..

إقفال المدارس والجامعات ينذر بكارثة اجتماعية وأخلاقية كبيرة ستعاني منها كل الأسر اليمنية، حتى الذين يرون أن التعليم سوف يعود بعد الأزمة لن يسلموا من هذه الكارثة مهما ظنوا أن أولادهم منشغلون بالاعتصامات، فإنهم لا شك سيفاجئون بنتائج الابتعاد عن التعليم في سلوكهم مستقبلا ، حيث بدأ الطلاب والطالبات يستمتعون بعدم وجود مسئوليات دراسية ، واتجهوا لقضاء أوقاتهم مع شلل الأصدقاء، ومع وسائل الترفيه التي تضر أكثر مما تنفع كالقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، وغيرها..حتى أنك عندما تسأل أحدهم عن الدراسة يقول مستمتعا (الحياة بدون دراسة أمتع) لا يعلمون أن مستقبلهم سيكون تعيسا بدون تعليم، ولا يفقهون أن الحياة تنتظر منهم جلدا وصبرا وقدرة على تحمل المسئوليات، وأن تحمل مسئولية التعليم والذهاب للمدرسة والانتظام في مسئوليات الدراسة هو جزء من تربيتهم على تحمل أعباء المستقبل....

وقبل أن تحل كارثة جديدة علينا جميعا تتمثل في إحجام الأبناء عن الذهاب إلى المدارس مستقبلا مهما عمل الآباء والأمهات، أوجه رسالتين؛ رسالتي الأولى إلى كل من يتصل بالعملية التعليمية؛ أرجوكم كفى تجهيلا لأبنائنا، وكفاكم تشجيعا للأبناء على الاستمتاع بالفراغ التعليمي، وكفاكم جناية على ثورة الشباب الصادقين، نحن مع الشباب في الصمود من أجل التغيير، لكننا نريد التغيير الإيجابي الذي يدافع عن التعليم، ولا يمنعه، أما التغيير إلى الأسوأ فهذا ما لن يقبله الشعب قاطبة لأنه يضر كل أجيال المستقبل ، وفي مقدمتهم شباب التغيير....

ورسالتي الثانية إلى كل شباب التغيير، إذا كنتم تريدون النجاح لثورتكم فحافظوا على استمرارية خدمتين أساسيتين هما التعليم والصحة، وتأكدوا أن نجاحكم في حماية هاتين الخدمتين وعدم المساس بهما سيمثل رافدا شعبيا لثورتكم وستحققون أهداف التغيير الإيجابي، وابتعدوا عن الشعارات التي تدعو إلى إيقاف مظاهر الحياة من أجل التغيير لأن هذه الشعارات هي التي عرقلت مسيرتكم، واجعلوا الأخلاق معيارا لكل شعار تطلقونه، هكذا يريدكم الشعب ، حتى يلتف حولكم، ويقف مع مطالبكم.