مستعدون لنموت.. لكن ليس هناك أي داع لنكون مستعدين للقتل
كاتبة صحفية/سامية الأغبري
كاتبة صحفية/سامية الأغبري

ميدان التغيير

قبل دخولك إلى ميدان التغيير في صنعاء, ستجد أمامك حاجزاً بشرياً يقوم بالتفتيش؛ من أجل حماية المعتصمين من المندسين ومنع دخول الأسلحة. شباب صغار, تجدهم في كل مداخل الساحة عزّلاً يحمون بأجسادهم وصدورهم العارية المعتصمين, وكلما أتى المعتدين يهب المعتصمون, كبارهم وصغارهم, لمؤازرتهم.. إنهم يدفعون ضريبة الحرية من دمائهم وأرواحهم.

ساحة التغيير هي المجتمع اليمني المصغر حيث تضم الساحة كل اليمنيين من كل المحافظات بكل أطيافهم, وفئاتهم وتوجهاتهم, باختلافاتهم الفكرية والحزبية والمذهبية.. الخ, صغار وكبار.. نساء وأطفال.. وشيوخ.

في ميدان التغيير يتعايش اليمنيون بألفة وتعاون ومحبة.. ترى أجمل مشهد, لوحة جميلة صاغها الهدف الذي أتى الجميع هنا من أجل تحقيقه.. هنا لا خلاف ولا اختلاف. اليمنيون قرروا "إسقاط النظام", ولسان حال الجميع يقول: "نحن أتينا هنا من أجل التغيير.. كل شاب أتى إلى هنا مشروع شهيد, ولسان حاله يقول: أنا مستعد لأن أموت, لكن ليس هناك أي داع لأكون مستعدا للقتل". هكذا قال المهاتما غاندي الذي حرر بلاده من الاستعمار البريطاني سلميا عن طريق ما عرف في عالم السياسة بــ"المقاومة السلمية" أو اللاعنف. وهكذا يواجه شباب الثورة اليمنية في كل شبر من هذا الوطن رصاصات النظام وبلاطجته بصدور عارية.. يموتون اختناقا بغازات سامة.. لكنهم يردون ويرددون بصوت واحد لحظة الاعتداء "سلمية.. سلمية", و"اشهد اشهد يالله". كلمات واستغاثات ذرفت لها الدموع. ليست استغاثة الضعيف, بل استغاثة أعزل يقتل على يد أخيه! أعزل لكنه متسلح بإيمانه بحقه في التغيير واختيار من يمثله ويحكمه.

من ميدان التغيير سيكون التغيير, تشرق شمس الدولة اليمنية الحديثة, كيف لا وأبناء القبائل يقولون أيضا: نريد دولة مدنية حديثة.. دولة القانون.. نريد يمنا يتسع للجميع. كيف لا تشرق شمس دولتنا الحديثة والجميع تخلى عن سلاحه وأتي يناضل سلميا حتى يسقط النظام, ويواجه الرصاص بقوة وعزيمة وإصرار وصمود لا مثيل له.

كان المشهد اللافت حين يصدح أيوب بأغانيه الوطنية, تجمع الشباب من معظم المحافظات وتشابك أيدي أبناء صعده مع الضالع وخولان وصنعاء والبيضاء وتعز ليؤدي الجميع رقصة الحرية رقصة لاحظ الجميع أنها لم ترفع فيها جنبية كعادة أبناء القبائل حين يرقصون.

كان مشهد يقول: نعم الجميع تواق لدولة مدنية حديثة. رأينا الوجه المشرق للقبيلة. ليست تلك القبيلة التي شوهها النظام وأظهر أبناء هذه المناطق على أنهم متخلفون. كان هنا في الساحة الوجه الجميل والحضاري للقبيلة.. القبيلة التي انضمت إلى شباب الثورة لتقول "ارحل يا صالح".

كل قطرة دم تشعل ثورة

المجازر التي ارتكبت بحق الثوار الشباب في مختلف محافظات الجمهورية لن تزيدنا إلا إصراراً وصموداً.. كل قطرة دم سالت تروي شجرة الحرية. سقط زين العابدين بن علي بأقل الخسائر. جعلنا نرى أعتى الديكتاتوريات العربية أرحم من نظام ظل يتغنى بديمقراطيته.

إنهم ماضون على خطى القذافي؛ عل هذا يطيل بقاءهم في الحكم. لكن البلطجة والقتل تعجل بزوال هذا النظام المجرم.

ندعو على عبد الله صالح الذي أصبح نظامه فاقدا للشرعية منذ أن خرجت الملايين تقول له "ارحل", أن يرحل, وكفى سفكا للدماء .. العجلة لن تعود للوراء. الشعب قرر رحيلك من السلطة. الشعب قال كلمته ولم يعد يرغب بك حاكما.. فقدت الشرعية, واليمن سيكون أفضل وأجمل بدونك. إن كنت وطنيا, فلأجل اليمن ووحدته لبي مطالب الشعب, إنه شعب أبيّ يتوق للحرية, واليمن يتسع للجميع بكل اختلافاتهم الفكرية والدينية والمذهبية والحزبية.. يمن نكون فيه مواطنين مصدر للسلطة لا رعايا وعبيدا. "ارحلوا", إنها إرادة الشعب التي هي من إرادة الله.. ولا عاصم لكم اليوم ولا منقذ من طوفان الشعب.

لا خيار أمامكم اليوم.. ولن تفيدكم المواقف الدولية المتذبذبة. أمريكا لا حليف ولا صديق لها سوى المصلحة. ولا تستهينوا بالشعب الذي قرر رحيلكم من السلطة. لن توقف ثورته رصاصاتكم ولا دباباتكم ولا بلاطجتكم, وكل قطرة دم تسفك تشعل ثورة. وكلما سقط شهيد تأتي الآلاف لتعلن انضمامها للثورة, فلم تعد الرصاص تخيفنا.

شهداء

وكما رقص الشباب من مختلف المحافظات على أنغام أيوب طارش الوطنية من أجل الحرية, أيضا لأجل الحرية اختلطت دماؤهم وهم يرسمون بتلك الدماء الطاهرة لوحة الحرية ويكتبون بدمائهم تاريخ اليمن الحديث ويصنعون مجدهم.. صامدون حتى استعادة وطنهم وألق وحدته.

محاكمة لا حوار

بعد كل تلك المجازر.. بعد القتل واستخدام الغازات المحرمة دوليا, نحن وبكل وضوح نرفض الحوار ونطالب برحيل النظام اليوم وليس غدا.. ولن نتراجع عن مطلبنا. شخصياً وبعد الجرائم التي ارتكبت بحق الثوار لم أعد أرغب برحيله فقط, بل ومحاكمته جراء ما اقترفت يداه.

إن الحوار اليوم خيانة لدماء شهدائنا وجرحانا.. فلا تفاوض ولا حوار, لن نتنازل عن دماء شهدائنا.

والمشكلة الآن ليست في شكل النظام برلماني أو رئاسي.. المشكلة هي في وجود هذا النظام.. ليرحل ومن ثم الشعب هو من يحدد شكل النظام ومن يختار رئيسا له.

رسالة إلى حماة الشعب والوطن

إلى إخوتنا في الشرطة والجيش, حماة الوطن والشعب: لستم حماة لفرد. كونوا مع إرادة الشعب مصدر السلطات.. الشعب قرر ألا مكان لصالح وأقربائه في السلطة. الشعب قال: يكفي 33 عاما من الظلم والقهر والدماء. يكفي33 عاما من الاستحواذ والإقصاء.

إخوتنا الجنود: نزف هذا الوطن بما يكفي. آن الأوان لمداواة جراحه فلا تزيدوا من جراحه.

إننا هنا لأجل الوطن. لأجلكم ولأجلنا. لأجل مستقبل أطفالكم وأطفالنا.

نحن عزل, وأنتم إخوتنا والنظام سيسقط.. سيسقط, فلا تلطخوا أياديكم بدماء الأبرياء.. كونوا حماةً للشعب وللوطن.. والرئيس راحل, سواء كان صالح أو غيره, ويبقى الوطن وانتم حماته.

ويقول سبحانه وتعالى: "لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".

تحية لآباء وأبناء وأمهات وأخوات وزوجات الشهداء.. لا تهنوا ولا تحزنوا, فإن شهداءكم.. شهداءنا.. شهداء الوطن.. سطروا بدمائهم ملحمة الصمود, وبدمائهم تستمر الثورة السلمية.. إن الثوار يعيدون صياغة تاريخ وطننا.

المجد للوطن.. والخلود لشهدائنا الأبرار..


في الجمعة 18 مارس - آذار 2011 01:10:57 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=9524