هل تعود اليمن للشمولية؟
عبد الباري طاهر
عبد الباري طاهر

اليمن قريب عهد بكفر الدكتاتورية والشمولية. فإذا كانت ثورة سبتمبر قد انتصرت ضد نظام ثيوقراطي قروسطي إلا إن دساتيرها كلها. وبالأخص الدستور الدائم 64 ودستور 70 كلاهما قد نص علي تحريم الحزبية. واعتبرت خيانة وطنية .

وفي الجنوب فإن تنظيم الجبهة القومية الذي قاد الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني. و حقق الاستقلال 1967 أقام نظام الحزب الواحد. وألغي الاتجاهات الأخري أو استوعبها داخله كأداة ثورية . وحزب قائد وحيد.

وألغي النظام الثوري عقودا زاهية من العمل السياسي الديمقراطي. وتجربة التعددية الحزبية والنقابية. وتقاليد صحفية راقية ليتماهي النظامان في عدن وصنعاء مع اختلاف لغتهما ومشاربهما. لقد كانت الشرعية الثورية قاسما مشتركا بينهما.

كانت الوحدة في جانب مهم عودة إلي التجربة الليبرالية التي شهدتها عدن في الأربعينيات والخمسينيات وشطرا من الستينيات. والأهم أن التعددية السياسية والحزبية قد مثلت المدماك الذي قامت به وعليه دولة الوحدة. وما كان بالمستطاع قيام هذه الوحدة بدون الاعتراف بالحزبية. وبالاختلاف والتنوع والتعدد. كانت الديمقراطية وسيلة وغاية في آن او هكذا بدت حينها، فعبر الحوار السلمي الديمقراطي قامت دولة الجمهورية اليمنية باندماج طوعي لنظامين سياسيين كانا مختلفين بل متقاتلين. وكان لقيام الوحدة صدي عميق في مختلف المستويات العربية والدولية. وتبوأت اليمن مركز الصدارة لإنجازها حلما عجزت كل البلاد العربية عن إنجازه.

كانت حرب 1994 تعبيرا داميا عن فشل ركني الوحدة السلمية : المؤتمر والاشتراكي في استمرار الشراكة، فربما داعب خيال بعض قيادة الاشتراكي العودة غير الحميدة إلي وضع ما قبل ال 22 من مايو 90 في حين كانت قيادة المؤتمر تعد العدة للحرب. وتريدها وحدة معمدة بالدم.

والحقيقة إن الصراعات الداخلية. والتعقيدات الآتية من طبيعة النظام غير الديمقراطي. وتداخل التعقيدات والصراعات الداخلية بالمحيط وتركت ما بعد حرب الخليج الثانية وحسابات ثأرية وجهوية وحتي عشائرية قد ساعدت علي إشعال فتيل الحرب الكريهة.

لقد انتصرت الوحدة بشروط القوة والغلبة وهي الصيغة الحاكمة في الشرعية العربية.كلها ثورية كانت أو محافظة.

بعد الحرب جري تعديل الدستور للاسوء طبعا.

حافظت اليمن علي هامش محدود للحريات الصحفية. وللتعددية السياسية والحزبية ولكن الهامش لم يعد معطي من معطيات التوازن العسكري والسياسي بين المؤتمر والاشتراكي. ومع تزايد الصعوبات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية. وانفراد صالح وحزب المؤتمر بالحكم بعد إقصاء الاشتراكي بالحرب. وإبعاد الإصلاح - حليف المؤتمر في الحرب جري تحجيم الأحزاب السياسية. وتلجيم الحريات الصحفية بالجرجرة إلي المحاكم. والأحكام الجائرة. واستنساخ الصحف. وإصدار صحف لا هم لها إلا تعقيد الحياة السياسية. وإفساد الحريات الصحفية والإساءة البالغة إليها.

استئثار صالح والمؤتمر الشعبي بالسلطة. وممارساته اللاديمقراطية دفعت بألوان الطيف السياسي إلي التكتل في تجمع سياسي اللقاء المشترك والذي ضم التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني. والتنظيم الوحدوي الناصري. واتحاد القوي الشعبية وحزب الحق - و لعب الشهيد جار الله عمر دور البطولة في تكوين هذا التجمع، وربما دفع حياته ثمنا لهذا اللقاء !.

حققت المعارضة اليمنية نجاحا مبهرا في إذابة الجليد بين قواعدها خصوصا بين الاشتراكي والإصلاح الحزبان اللذان كانا يصمان بعضهما بالخيانة والكفر.

مع بدء التحضير للانتخابات الرئاسية والمحلية بدأت المعركة السياسية تتخذ ابعاداً أكثر سخونة واصطفافاً.

كان الائتلاف نفسه انتصارا سياسيا لافتا تحققه المعارضة. ولا ينتقص من هذا الانتصار سوي القراءة الخاطئة لمزاج الشارع وتعقيد الحياة في بلديهما استقرار الأمن والسلام أكثر من لقمة الخبز.

تسم الرهان علي الانتخابات بالمبالغة، وعدم الدقة. وهو ما ترك ويترك آثارا سلبية علي السلطة والمعارضة معا، فالمعارضة التي ضمت ألوان الطيف السياسي رأت في نجاح الرئيس صالح بنسبة أكثر من 70 % من أصوات الناخبين. واكتساح المؤتمر الشعبي للمحليات خسارة لا تعوض أصابها بالانكسار وحالة من اليأس، في حين قرأ الرئيس صالح وحزبه في النتيجة مصادقة علي برنامجه وسياساته وأكثر من ذلك إن صالح ربما قرأ فيها تفويضا مطلقا للحكم وتأمينا وتزكية لكل سياساته بما فيها الاستبداد والفساد.

خروج المؤتمر منتصرا - وبنسبة كبيرة لم تكن متوقعة كان له اثر السحر علي سلوك قيادته. فهو لم يكتف بالتخلي عن وعده بمحاربة الفساد، وإجراء إصلاح شامل في سياساته العامة، وإنما راح يضيق الخناق علي المعارضة السياسية التي خرجت دائخة من المعركة الانتخابية. وبدا أكثر ميلا إلي تشديد قبضته علي مفاصل السلطة. وتهميش الحياة السياسية، وإضعاف مؤسسات المجتمع المدني.

لا شك إن فوز المؤتمر له اثر كبير علي جنوح هذا التنظيم للاستئثار ومصادرة الحريات بعد أن استوعبته إدارة الحكم، بما فيها الجيش والأمن وتحالف مصالح واسع يضم التجار وشيوخ قبائل والأتون من الاتجاهات السياسية المختلفة وهناك أطراف عديدة في قيادات بعض الأحزاب المعارضة ربما كانت أكثر ميلا للمؤتمر الشعبي العام.و لصالح تحديدا. وقد تفضل هذه القيادات المشاركة - وبعضها مشارك فعلا - و بعضها يحصل علي مكاسب معينة وهي إضافة إلي ذلك ليست مخلصة للتعددية السياسية والحزبية. وليست مع التطور الديمقراطي بمعناه الأبعد. ولعل في إجابة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر لصحيفة الشرق الأوسط عدد السبت 23 ديسمبر ما يشير بأصابع ضوئية إلي هذا المنحني " علاقتنا بالمؤتمر تاريخية ومتينة وعلاقاتنا بالمشترك استدعتها الظروف وقد وقف الشيخان : الأحمر والزنداني في منطقة أعراف في الانتخابات .

إن الصعوبات وتزايد الفساد والفقر. والعجز عن حل معضلات التنمية. واشتداد الغضب الشعبي يضاعف هو الآخر أو يستدعي الإيغال في القمع والكبت ومصادرة الحريات والواقع أن المحيط العربي يغري بالارتداد عن النهج الديمقراطي والإصلاح من أي نوع، فما يجري في العراق ولبنان وفلسطين والسودان ومصر. والصومال يبعث الخوف في نفوس المواطنين. ويجيد الحكم اللعب والتلويح بفزاعة الفتنة لإسكات أي صوت معارض أو داع للإصلاح. وقد لعبت ورقة الفتنة دورا مشهودا في انتصار المؤتمر. ويدفع الوضع الدولي المتفلت والخطر خصوصا الفشل الأمريكي في العراق إلي تقوية عضلات الدكتاتورية والشمولية باسوء معانيها سواء في المركز أو في الأطراف.فاليمن حليفة أمريكا في مكافحة الإرهاب من حقها إلغاء الهامش المعلول أصلاً.

 


في الخميس 04 يناير-كانون الثاني 2007 06:58:57 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=921