|
لقد أثبتت الأيام بما لا يدع مجالاً للشك أنّ السلطة الحاكمة في اليمن غير مكترثة إلا بمصالحها فقط، سلطة لسان حالها وفعالها (نبقى ويشقى الشعب).. سلطة لا يهمها سوى ذاتها المتضخمة وإضفاء المزيد من التقديس على حركاتها وسكناتها.. سلطة أباحت لنفسها مقدرات الشعب في السلطة والثروة وبدون حدود، وتمكن وبامتياز قل نظيره من إنتاج وطن يماني يئن تحت ضربات فسادها المالي والإداري والسياسي والعجز في كل مجال بالرغم من ثرواته المادية والبشرية والمعنوية التي لا يُستهان بها بل تحسده عليها أوطان أخر.. وهي تتمنع بكل السُبل عن كل ما من شانه إبعادها عن مواقعها واستبدالها بمن يُسخّر إمكانيات الوطن لصالح الأغلبية الساحقة من بنيه عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة.. سلطة وصل خيار حوار المعارضة الوطنية، وهي تعمل لإنقاذ الوطن واستخلاصه من براثنها، إلى طريق مسدود، ولكن مع هذا لا تزال هناك مسالك بوسع المعارضة سلوكها وهي تعمل لاستنقاذ الوطن ومقدراته وتاريخه من أوضاعه المتردية على كل الصُعد ومن قبضة معسكر الفساد والاستبداد الذي فشل فشلاً ذريعاً في إدارة مقدرات الأمة لصالح الشعب والشعب فقط، ونحاول هنا أن نبرز خيارات تكتل اللقاء المشترك للمرحلة القادمة للتعامل مع السلطة المستبدة ممثلة في حزبها الحاكم المؤتمر الشعبي.
سر المأزق
مثلت قرارات الحزب الحاكم الانفرادية في مجلس النواب مطلع ديسمبر 2010م بإقرار ـ ومن طرفه فقط ـ تعديلات قانون الانتخابات العامة والاستفتاء وإقرار لجنة عليا للانتخابات من القضاة, ونحن على مرمى حجر من انتخابات نيابية مؤجلة لعامين، قمة مأسوية وسوداوية المشهد السياسي اليمني، وعلينا ونحن نتبصر ما حدث أن نتساءل: لماذا تلك القرارات السلطوية؟ لماذا هذا العزف النشاز المنفرد؟
1 ـ ليقين الحزب الحاكم بأن إجراء أي انتخابات حرة ونزيهة معناه إقصائه عن السلطة وذلك بفعل النقمة الشعبية الواسعة ضده نتاجا لسياساته الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية والرياضية,..الخ, الفاشلة إلا من خلق المزيد من المتاعب والآلام للغالبية المطحونة وفي كل الاتجاهات.
2 ـ لخلق صدام مع المشترك يعتقد أنه الأقدر على حسمه لصالحه وبالتالي ضرب تكتل اللقاء المشترك والتجمع اليمني للإصلاح خصوصاً بما يعيده سنوات أو عقود إلى الوراء من حيث البنية والقوة.
3 ـ اعتقاده أن قرارات كهذه ستدفع اللقاء المشترك والتجمع اليمني للإصلاح خصوصاً إلى مقاطعة الانتخابات وبالتالي ذهابه إلى انتخابات (حرة ونزيهة) تعطيه وتقدم له تمثيلا ومشروعية زائفين ومقاعد وأموالا عامة يرتع فيها دون تنكيد ولا رقيب في مجلس النواب, ثم انتخابات رئاسية نزيهة ودون مرشح من المشترك يفضح أوراقه وفسادها وينتصر عليه أو يصعب عليه الفوز وبتزوير وتلاعب صارخ.
لهذا ينبغي للتجمع اليمني للإصلاح وكافة أحزاب اللقاء المشترك التريث والتبصر والخروج بموقف موحد، ولعل من رهانات السلطة وحزبها حدوث انقسام داخل المشترك، هناك تعديلات طفيفة جيدة دخلت على قانون الانتخابات، و لننظر إلى القضاة المختارين ومدى جديتهم وبُعدهم أو قربهم من السلطة أو حيادهم..
التغيير المؤجل
أولاً: الموقف المطلوب والمطروح حالياً:
أ- الخروج العارم الذي لا يعرف هوادة ولا أنصاف الحلول حتى يتراجع المؤتمر عن قراراته.
مزاياه:
1. احتمالية تراجع الحاكم عن خطواته الانفرادية
2. فضح الحزب الحاكم
3. كسب الرأي العام الغاضب والناقم على النظام
4. إثبات جديد لعدم تماهي المشترك والإصلاح منه خصوصاً مع السلطة
5. إفشال نوايا الجناح المتطرف في المؤتمر للاستفراد بكل شي
مخاطره:
1. لجوء الحزب الحاكم إلى العنف السلطوي ضد المشترك غير المستعد لمواجهة من هذا النوع ولو كان بإلباس العسكريين غير لباسهم وإخراجهم على هيئة مظاهرات غوغائية مع الحاكم وضد المشترك.
2. سعي الحزب الحاكم للإيقاع بين المشترك وتنظيم القاعدة وبالتالي إنجاز المطلوب على يد القاعدة وهو يتفرج ويندد ويستنكر. (وثائق ويكيليكس أشارت إلى عرض أمريكي للسلطة بإخراج بعض عناصر من تنظيم القاعدة في اليمن إلى الخارج من أجل أهداف أمريكية).
3. لجوء الحاكم إلى إلغاء الأحزاب بمبررات إفسادها للحياة العامة, وقد لمح إلى هذا في خطابه في عدن بمناسبة ذكرى الاستقلال 30 نوفمبر 2010م، أو فرض حالة الطوارئ وبالتالي إضاعة فرصة التغيير أمام القوى الوطنية والشعب لمدة قد تطول.
فرص نجاح هذا الخيار:
1. وجود نقمة شعبية مُقدرة ضد السلطة
2. تعدد خصوم النظام
3. وجود شبه إجماع وطني ضد النظام
4. إمكانية المشترك للجوء إلى أساليب تشبه أساليب السلطة لرد الكيد
تحديات هذا الخيار:
1. عدم ضمان الوقفة الشعبية القوية المؤثرة المستمرة
2. استعداد الحاكم للبطش
3. التربية الخاطئة وسط أبناء القوات المسلحة والأمن
ب ـ الاحتجاج الخفيف على ما حدث وتأجيل التغيير المنشود ست سنوات أخرى:
مزاياه:
1. إعطاء فرصة للمعارضة الوطنية لتمتين صفها وتعزيز كفاءتها النضالية.
2. فضح للنظام الحاكم بما لا زيادة عليه.
3. زيادة النقمة الشعبية ضد السلطة التي لن تتوقف عن اقتراف مساوئها.
4. إعطاء فرصة لخلق المزيد من الالتفاف الشعبي الواعي والبناء والمستعد للتضحية من أجل التغيير
5. تحاشي نوايا الحاكم وبطشه
6. استكمال شروط التغيير المنشود وإنضاجها على نار هادئة
مخاطره:
1 ـ عدم وجود ضمانات لجدية السلطة في الحوار ولو بعد ست سنوات تقل قليل
2 ـ حدوث نوع من هز الثقة في المشترك واستعداداته للمضي نحو التغيير
3 ـ استمرار المؤتمر في عنجهيته وعبثه
4 ـ استمرار وزيادة معاناة الشعب
5 ـ استمرار مسلسل النهب والإفقار والاستنزاف
ثانياً: الموقف من انتخابات ابريل 2011 م:
أ: المشاركة:
الخيار الأول: المشاركة الكاملة المعتادة في الانتخابات وبتنسيق تام بين أحزاب المشترك من حيث المرشحين والمصوتين والمراقبين والمشاركة في اللجان الانتخابية والمراقبة, وتكون للمشترك لجنة انتخابية مشتركة تتولى التنسيق والمتابعة واتخاذ المواقف الانتخابية وسيكون جديد وجميل هذا الموسم، ويتم دفع بمستقلين للمشاركة ودعمهم مثل صخر الوجيه.
ايجابياتها:
1. عدم السماح للسلطة الفاسدة المفسدة بشرعية تتبجح بها وقد كان هذا دافع إخوان مصر للمشاركة في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وقد حقق غرضه بصورة لم تكن متوقعة.
2. عدم ترك المجال مفتوحاً لمرشحي السلطة وصنائعها ومرتزقتها.
3. تحسين شروط مرشحي السلطة، فوجود مرشحين أقوياء وذوي كفاءة ونزاهة يجبر السلطة على محاولة مجاراة المعارضة في توفير هذه الصفات وبالتالي مجلس نواب اقل شروراً.
4. الحصول على وجود قوي في مجلس النواب.
5. ضمان إمكانية المشاركة في انتخابات الرئاسة سبتمبر 2013م خصوصاً أن الرئيس لا يمكنه الترشح فيها دستورياً، وبالتالي إمكانية أوسع للنجاح وقطع الطريق على التوريث.
6. تقديم المشترك نفسه للناس مرة أخرى: برامجه، هويته، أهدافه، مواقفه، وهناك أحزاب وتنظيمات سياسية تحرص على المشاركة الانتخابية لمجرد ذلك مثلما فعل الحزب الاشتراكي اليمني وهو يسعى للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الأولى عام 1999م بالرغم التحالف الوثيق والمرشح الوحيد للإصلاح والمؤتمر حينها وبالتالي استحالة نجاح مرشح الاشتراكي والذي لم يتمكن حتى من الحصول على التزكية اللازمة داخل مجلس النواب.
7 ـ جني ثمرات التواجد في المجلس النيابي: معلومات، فرز رموز سياسية، المبالغ المالية المقررة للأحزاب (وفقاً لعدد الأصوات التي حاز عليها مرشحوها في الدورة الانتخابية لمجلس النواب) طبقا لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية, بموجب المواد 17 و18 و19 و20 و21 من قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية لعام 2004 والمواد من 33 إلى 38 من لائحته الداخلية، وقد يكون بوسع بعض أحزاب اللقاء المشترك أو جميعها الاستغناء عن هذا المخصص.
8 ـ تحريك أكبر للتنظيم الداخلي للأحزاب ودورة جديدة من النشاط العارم.
9 ـ إرغام السلطة على إنجاز مشاريع عامة للناس تقدم عليها من باب الدعاية الانتخابية ليقينها بأهمية ذلك لكسب الرهان أمام منافسين أقوياء.
10 ـ محاولة التصدي للفساد المالي والإداري من داخل سلطة التشريع والرقابة
11 ـ مشاركة إسقاط العتب بتوفير البديل للجماهير وضمان نسبة تزكية مرشح الانتخابات الرئاسية.
12 ـ الدفع بالمستقلين للمشاركة ودعمهم أو المشاركة بمرشحين مستقلين وزيادة عدد كتلة المستقلين.
سلبياتها:
1. تجربة تتواضع ثمراتها بالمقارنة مع الطموحات.
2. استنزاف أموال وجهود في تعبئة الجماهير لقضايا يميلون لها.
3. صرف الحزب الحاكم أموال هائلة وطائلة من الميزانية العامة، والمال العام بطرق ملتوية خارج نطاق الموازنة المعلومة؛ لكسب الرموز الاجتماعية والسياسية والإنفاق على حملته الدعائية الطويلة العريضة وهذه الحملة عموماً لا مفر منها ليبرر للعالم ويزعم أن نجاحه ـ في جانب منه ـ يعود إليها.
ونحن في العالم العربي لا يستطيع نظام حاكم أن يزعم أنه فاز بنزاهة ما عدا حماس الفلسطينية، وزائف أي ادعاء لحاكم عربي جمهوري بالديمقراطية سوى أن تكون منقوصة مشوهة منتقاة وبالتالي ليس عيباً أن تخسر المعارضة جولة انتخابية جديدة, وليس شرفا أن يفوز الحاكم هذا أمر معتاد في عالمنا العربي.
ب: المقاطعة:
أ- المقاطعة الهادئة:
عبر تحميل المؤتمر مسؤولية ما يحدث وعواقبه وأن يقال له بلغة الحال: اذهبوا واعملوا ما بدا لكم.
ب- المقاطعة الصاخبة:
عبر تحميل المؤتمر مسؤولية ما يحدث وعواقبه ودعوة الجماهير للمقاطعة عبر الصحافة والقنوات الفضائية ومهرجانات المقاطعة لفضح السلطة الحاكمة وإثبات فشل موسم انتخابي يقاطعه اللقاء المشترك.
ثالثاً: خيارات ما بعد الانتخابات في حال المقاطعة:
أ ـ إعلان عدم شرعية المجلس وما ينبني عليه ومقاطعة تامة للسلطة؛ كون التجربة أثبتت عدم جدوى التعاطي مع السلطة ما عدا إبراء الذمة، و يتوازى مع ذلك الانكفاء إلى الداخل الحزبي نرممه ونقويه ونهتم أكثر ما يكون بالبناء الداخلي لأحزابنا والتوسع الكمي والنوعي والتركيز على التوعية السياسية للأعضاء والأنصار والجمهور نظريا وبتجاربنا وتجارب الآخرين وبأخطاء السلطة التي لن تتوقف ومتاعبها التي ستلحق بالشعب كما عودتنا ولا تغرنا التصريحات على سهيل وغيرها من المنابر الإعلامية والوقت جزء من العلاج.
ب ـ إعلان عدم شرعية المجلس وما ينبني عليه ومقاطعة شبه تامة للسلطة وعدم الممانعة في صرف جزء ضئيل من جهد المشترك السياسي في الحوار معها بدون صخب ولا ضجيج ولا حرق أعصاب مع التركيز على الداخل الحزبي نرممه ونقويه ونهتم أكثر ما يكون بالبناء الداخلي لأحزابنا والتوسع الكمي والنوعي والتركيز على التوعية السياسية للأعضاء والأنصار والجمهور نظريا وبتجاربنا وبتجارب الآخرين وبأخطاء السلطة التي لن تتوقف ومتاعبها التي ستلحق بالشعب كما عودتنا, مع الانكفاء إلى الداخل لتقويته وتمتينه وتطويره، وترك نار المؤتمر تأكل بعضها.
وقبل الختام..
إنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة سقوط خطاب السلطة عن الديمقراطية والشعب والثورة والوحدة ومعه غدا حديثها عن تلك المعاني والقيم، وأكثر من أي وقت مضى، زيفا ودجلا وتطبيلا لا يليق الاستماع له ولا قراءته ولا الرد عليه. ومع توجه أرعن كهذا لابد من أن تزيد المعارضة الوطنية، وبحصافة، ضريبة السلطة وحزبها الحاكم على القرار الخاطئ. ويبدو أننا في نهاية زمن صراع سياسي خاضه المشترك وبكفاءة من أجل الوطن ضد سلطة فاسدة مستبدة, وأحزاب اللقاء المشترك مدعوة، في ظل انسداد الأفق السياسي العام في ظل سلطة مستهترة، إلى العودة إلى زمن البناء الأيدلوجي الحزبي التنظيمي, كل وفق توجهه الفكري والعملي مع تعزيز بُنى هذا التكتل الذي تقع عليه تبعات إخراج اليمن من النفق المظلم مهما ادلهمت الليالي واحلولكت الظلمات وتتابعت الخطوب وبعدت الشُقة، متسلحاً بالصبر والمصابرة, وثابتاً على منهج الحكمة ومنهجية الرشد.
ختاماً.. حلم جمعة شاتية
(رأيت في ما يرى النائم أني كنت في مزرعة كبيرة لرجل أعرفه ـ وهو في الواقع لديه مزرعة ـ من منطقتي اسمه جمال قاسم سالم, ويخرج هذا الرجل منها بسيارته ومعه بعض الأشخاص ولديه شيء مثل الجوهرة الثمينة, بعدها مباشرة فطنت إلى أنه ترك لدي ضبة (قرصة)، وحين استشرت أحد العاملين في المزرعة عنها وكيف أتصرف بها, قال إنها لأهم الأماكن في المزرعة ولابد أن أوصلها إليه شخصياً ومباشرة, فخرجت مسرعا لأوصلها له, وحين شاهدته مع ذلك الركب مباشرة لمحت وسمعت رجلا أعرفه يدعى محمد كرامه، وبدا في المشهد أبوه الذي قد توفي، وإذ بمحمد كرامه ينادي منبهاً ليتوقف مسار جمال قاسم سالم ـ وهو ابن عمه ـ ومن معه ويتنحوا عن الطريق ذات المسار الواحد, وبدا في الجهة المعاكسة فوج من الناس يشبه السياح فيه من التهتك والتبرج والسفور الشيء الكثير ويسير عكس مسار أصحابنا فابتعد جمال عن مسارهم لئلا يصطدم بهم ولا يختلط بهم، وحين أردت أن أرى موقف محمد كرامة لم أشهده).
هذا ما رايته صبيحة الجمعة, 17 ديسمبر 2010, وقد ذهبت لأنام ليلتها بعد أن كتبت رؤوس أقلام هذا المقال, وأنا مهموم بالموقف الأصوب الذي على التجمع اليمني للإصلاح واللقاء المشترك عموماً اتخاذه إزاء القرارات والمسار المستفز الذي يسلكه الحزب الحاكم. وقد أولت الحلم مباشرة أنه إجابة عما أنا مهموم به ومهموم به الآلاف من الحريصين على مستقبل هذا الوطن وبنيه, فجمال ومزرعته هو التجمع اليمني للإصلاح وهو (سالم) من كل مطبات السلطة وأفخاخها التي نصبتها له في ما سبق، وأما من معه هم باقي المشترك ومحمد أولته بداعي خير، وكرامة للإصلاح ومن معه هذا الركب، والمتهتكون هم رموز السلطة من الجناح المتطرف في الحزب الحاكم، وملّخص الحلم أن يتجنب الإصلاح والمشترك الصدام مع السلطة.
mraham70@gmail.com
في الثلاثاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2010 08:01:37 م