ليت يحيى علاو كان مُطرباً شهيراَ
فؤاد علي غامس
فؤاد علي غامس

في بعض الأحيان نؤثر الصمت ليس لشيء إلا لعدم استطاعتنا البوح عما بداخلنا ، وكما قال الشاعر

والصمتُ يُعرِبُ مالا يُعرِبُ الكَلِمُ ***** والصمتُ عَدلٌ وبعضُ القولِ مُتَهَمُ

ولكن في أوقات معينة وحوادث محددة لانستطيع كبح النفس أو القلم عن البوح ولو ببعض الشيء مما يكتنفهما،

ومن تلك الأوقات والحوادث رحيل فارس الإعلام وفقيد المبدأ والصحافة وأستاذ الكلمة الإعلامية الحرة ، الإعلامي المتألق المرحوم يحيى علاو ، فمن منا لا يعرف من هو علاو ؟ لنسأل جبال اليمن و وديانها و سهولها و رمالها ، نسأل الأرامل والأيتام والفقراء والمساكين والأطفال والشيوخ ، عندها يتضح لنا مالم يكن في بالنا عن هذا الشخص العظيم ، باختصار إنه صاحب برنامجه الشهير والذي ظل مُتربعاً ثلاثة عشر عاماً على البرامج الرمضانية وبلا منافس ( فرسان الميدان ) .

كم تألمنا على رحيل هذا الإمبراطور الإعلامي العظيم ، وصبرُنا في ذلك أن الحياة والموت سنة الله في خلقه وعلينا الحمد والشكر ، ولكن الأشد ألماً كان ما لاقاه يحيى علاو أثناء مرضه من قِبَل أصحاب القرار بحكومتنا الرشيدة بدءاً من وزير الإعلام الذي أصدر قراراً بإيقاف راتب المرحوم لأكثر من سنة وحتى وفاته وذلك من بعد انتقاله مع برنامجه ( فرسان الميدان ) إلى قناة السعيدة ، وأيضاً فقد تُرك الفقيد يُصارع المرض من فترة لأخرى دون التفات يُذكر من جهة الحكومة بإصدار قرار علاجي حكومي له بالخارج كما حصل ذلك مع الفنان أيوب طارش حيث أصدر الرئيس قراراً بعلاجه على حسابه الشخصي في ألمانيا ، وقُوبل ذلك بالرفض لعلاو ليس لشيءٍ إلا لأنه لم يمتلك عوداً ذهبياً يُطرب الناس به ولكنه ( للأسف ) امتلك فكراً وعقلاً ذهبياً يُرشد الناس بهما .

ليأتي بعد ذلك قرار علاجه بالمملكة العربية السعودية وعلى نفقة ولي العهد السعودي الأمير سلطان ، فكيف يحصل ذلك ونحن لم نشاهد يوم من الأيام يحيى علاو يظهر بالقناة السعودية حاملاً معه المايك ويتوجه بأسئلته إلى الجمهور أو نشاهده يُعرف بأحد المدن السعودية أو المناطق الأثرية بها، فكيف انقلبت الموازين ؟؟!! وكيف تم نُكران الجميل لأكثر من عشرين عاماً في خدمة المُشاهد والإعلام اليمني ؟؟!! ولكنه الجحود والضمير الميت !! .

هذا ما جعلني أقول ( ليت يحيى علاو كان مُطرباً شهيراَ ) أو عميلاً إعلامياً أو بُوقاً لغيره يصرُخ فيه متى ما شاء وكيف ما يشاء ، وذلك ليحضا بقرار علاجي حكومي بالخارج !! ولكن الذنب الوحيد للمرحوم أنه كان إعلامياً محايداً صادقاً محبوباً ، كان محترماً لمهنته الإعلامية وأخلاقها ، والتي أساسها الصدق ونقل الواقع للمشاهدين ، ذنبه أنه كان يجوب القفار والصحاري من أجل التعريف بوطنه ومعالمه التاريخية والسياحية ، ذنبه أنه كان يساعد الفقراء والمحتاجين ويتعاون معهم ، ذنبه أنه استطاع قول كلمة لا في عدة مواقف ولعدة أشخاص ، ذنبه أنه لم يملأ جيبه بالمال الحرام ولم يلوث لسانه بالنفاق ، ذنبه وذنبه ..... حدث ولا حرج !! .

ولكن فطرتنا السليمة وعقلنا الراجح وإنسانيتنا لا ترى هذه ذنوباً وإنما هي التي جعلته في أعيننا كبيراً ، لنرى ذلك جلياً أثناء تشييع جثمانه الطاهر ، والألوف من الناس بكافة شرائحها وانتماءاتها وأجناسها والتي حضرت لدفنه بأعينٍ مُنهمرة وقلوبٌ مَكلومةٌ يملؤها الحزن والأسى ، راضية بقضاء الله وقدره

فكما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ( بيننا وبينهم يوم الجنائز ) ، فقد كانت جنازة علاو علامة فارقة في تاريخ الإعلام اليمني عن بكرة أبيه ، فلم يحصل ذلك الموكب الجنائزي المهيب لأحدٍ من الإعلاميين السابقين أو المعاصرين ولا حتى لكثيرٍ من المشاهير السياسيين أو الاجتماعيين ، فيا تُرى من أخرج ذلك الشيخ الطاعن في السن والمرأة العجوز والطفل الصغير ليتكبدوا المشقة ويعانوا من أشعة الشمس الحارقة بوقت الظهيرة ليشاركوا في مراسيم الدفن ، ومن ثم يذرفون تلك الدموع البريئة والصادقة المحبة والمودعة ، حقيقة والله لم استطع أن أتمالك نفسي وأحبس عبراتي وأنا أشاهد تشييع جثمانه وتلك الدموع أثناء مقابلاتهم مع قناة السعيدة ، وأنا أشاهد دموع تلك المرأة العجوز والإعلامي الشاب تنهال على خدودهم والنشيج يؤجج صدورهم وعدم استطاعتهم إكمال تلك المقابلات ألماً وحزناً ، فلا يُستبعد أن يكون المرحوم في يوم من الأيام قد أحسن لتلك المرأة إما من خلال برنامجه وأسئلته الهادفة وذلك بعد إعطائها إجابة السؤال إن لم تكن تعرفه لتحصل على الجائزة أو من خلال مروره عليها مرور الكرام ، وكم هي من غيرها الكثير والكثير .

وأخيراً كما يُقال ( بان العظماء تبدأ حياتهم بعد مماتهم ) فقد رحلت ياعلاو لتبقى في أذهاننا ، ومُت لتحيى في الدار الآخرة بإذن الله ، وأسال الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته وأن يُلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان ، ومن ثم أدعو الإعلاميين بأن يحذو حَذو يحيى علاو في مهنتهم الإعلامية وأن ينهلوا من مناهله الصافية ويشربوا من ماء نهره العذب ، فهو بمثابة الجبل الأشم والطَود الشامخ الأصم ، علماً بأنه لم تكن تربطني بالفقيد أية علاقة شخصية أو مصلحة وإنما حباً في الله لإخلاصه وإبداعه في عمله ، وكانت علاقتي به من خلال تلك الشاشة الصغير وفقط وخاصة في شهر رمضان المبارك ، وكفــى بهــا من علاقــة .

*طالب دراسات عليا بجامعة الملك سعود


في الأحد 20 يونيو-حزيران 2010 04:21:01 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=7375