إلى الدكتور صالح باصرّة...مع التحية
محمد جواد عبد الصمد أحمد
محمد جواد عبد الصمد أحمد

تعرفت على الدكتور صالح باصرة دون أن أقابله منذ أن كان رئيساً لجامعة عدن عن طريق عضو هيئة التدريس في نفس الجامعة (د.ح.ت) والذي كان أحد زملائه القدامى الدارسين معه في ألمانيا ، فكلما تقابلنا كان يحدثني عن ذلك الرجل الحكيم و الإنسان الصادق الذي يعد مثالاً للأخلاق والقيم ورمزاً للتواضع والإلتزام، وأباً حنونا لجميع الطلاب في الجامعة فكان داعماً لمبدعهم ومساعداً للمتعثر منهم، ومحاسباً حازماً للمقصر فيهم ولن أنسى تلك الكلمات التي كان يقولها ذلك الزميل عنه مراراً وتكراراً : "الدكتور باصرة ليس زميل دراسة أو مهنة فحسب..

بل هو أكثر من أخ"..كان حديثاً يشعرني بالتفاؤل والأمل الممزوجين بالسعادة الغامرة والإحترام العميق لذلك الرجل الذي عرفته دون ان ألتقي به قط، حتى أصبح أخيراً وزيرا للتعليم العالي ..تلقيت الخير وكلي ثقة بأنه سيصلح ما أفسده الدهر وتكالبت عليه الأكله من فساد عم تلك الوزارة الفتية الشامخة بإسمها الرنان الدال على عظمة الشعوب ومجدهم ليصبح مقترناً بمرادفات الرشوة و فيتامين "و"..

ومرت السنوات ويكاد يوم لا تخلو فيه الصحف والأخبار عن احتجاجات للطلاب المبتعثين هنا و إعتصامات هناك..إما بسبب قطع المستحقات المالية أو تأخرها لأسباب مجهولة أو لتقصير الوزارة في متابعة شؤون الطلاب الأكايمية والتعليمية في دول الإبتعاث،لا سيما بعد ان ألتقيت بأحد الطلاب (م.ب) المبتعثين بجامعة الملك خالد في المملكة العربية السعودية وهو يحكي لي بمرارة بالغة تقشعر لها الأبدان وتدمي القلب وأسى لا يدع للدموع مجالاً إلا أن تنهمر عن سوء المعاملة التي تلقاها في وزارة التعليم العالي أثناء معاملته فيها للإبتعاث.

وطالب آخر (م.ج) في نفس الجامعة الذي انهى دراسة البكالوريوس بتقدير عام "ممتاز" مع مرتبة الشرف وحاول جاهداً الحصول على منحة لمواصلة الماجستير لكن اليأس كان أسرع للوصل إلى قلبه من المنحة لما رآه في تلك الوزارة وهو يصفها قائلاً: "أرى أن يغيروا اسمها إلى وزارة النصب العالي"، حتى أنتهى به الأمر لأن يتلقفه أحد السماسرة الواقفين أمام بوابة الوزارة لينصب عليه بمبلغ 1500 دولار مقابل الحصول على المنحة وما كل ذاك إلا جزاءاً لذنب مشين أقترفه!! أراد أن يكمل دراساته العليا وتحقيق هدفه الكبير في خدمة الوطن بالعلم والمعرفة..ولم أجد أمامي طريقاً آخر أسلكه سوى الرضوخ إلى الواقع الملموس، والاستسلام للكره الذي بدأ يتغلغل في أحشائي لذلك الوزير الذي كان مثالاً للتفاني في تأدية الواجب تجاه وطنه وأبناءه الطلاب متسائلاً عما يمكن أن يغير مبادئ الإنسان وقيمه مع مرور الوقت وتعاقب الأزمنة ؟! وكانت الإجابة والوحيدة التي لا مفر منها ولا مهرب إلا إليها "المال والجاه طبعاً"، ولكن ما أن شاهدت برنامج "العدد الأخير" الذي أذاعته قناة السعيدة يوم الجمعة 12/فبراير..،والذي أستضاف الدكتور صالح باصرة للرد على التساؤلات المطروحة بشأن المشاكل التي يعاني منها الطلاب في ماليزيا وإيران وقطع المستحقات المالية لعدد كبير من طلابنا المبتعثين حول العالم.. تحدث الوزير بثقة عمياء تعلوها الصراحة الفذة والحكمة الرصينة والبعيدين تماما عن النفاق أو المجاملة أو حتى الدبلوماسية الحوارية الذي عهدناها لأصحاب المعالي الوزراء وهم يتحدثون أمام وسائل الإعلام..

معترفا بالتقصير والفساد المالي و الإداري الذي عم وزارته من سرقة ونهب ووساطة والتي سلبت الوزارة مصداقيتها وشلتها عن أداء مهامها بكل حرية وحياد..وواصفاً بكل جأش الفساد بالسلسلة المتعاقبة التي لايمكن لمسمار رفيع أن يقف أمامها أو أن يعرقل دورتها.وواضعاً المسؤولية أمام المشاهد اليمني بصورة واضحة جلية ومحدداً أطرافها ومصدرها دون خوف أو رهبة...وقد تكلم عن الأوامر التي يتلقاها من الجهات العليا من الرئاسة أو مجلس الوزراء أو حتى مجلس النواب والمشايخ لإبتعاث أبناء المسؤولين والأعيان.. ويقولها بكل صراحة :"لابد لي أن أنفذ هذه الأوامر كوني أعتبر موظفاً تابعاً للدولة وإن كنت وزيرا".كما تحدث عن الملحقيات الثقافية التي تقوم بالدور الأكبر والأفضع في إبتزاز الطلاب و نهب مستحقاتهم المالية بدون رحمة أو رأفة متجاهلين الدور الذي يجب أن تقوم به الملحقيات الثقافية من متابعة الطلاب أكاديمياً وعلمياً وتيسير أمورهم و تنسيق شؤونهم التعليمية والمعيشة في دول الإبتعاث.

وبحسب ماقال أن بعض الملحقيات لا ترسل حتى تقاريردورية عن مستويات الطلاب أو معدلاتهم التحصيلية ،وأنه أمهل الملحقيات الثقافية في بعض الدول لفترة زمنية قصيرة لتسوية أمور الطلاب وحل مشاكلهم التعليمية والمالية وإلا أعادهم إلى اليمن.ولم يخلو حديثة أيظاً عن المبتعثين في الخارج أبناء المسؤولين أصحاب المعدلات الضعيفة والتحصيل العلمي الركيك الذين أخذوا مقاعد الإبتعاث من غيرهم بدون حق أو حياء، والذين اتخذوا من الإبتعاث رحلة صيد أو نزهة إستجمام يجتازون فيها إختبار اللغة "التوفل" بثلاث سنوات في الوقت الذي لايحتاج الطالب المتوسط الذكاء لأكثر من سنة واحدة لإجتيازه مسيئين بذلك للطلاب اليمنيين عامة في الخارج ومشوهين نظرة الجامعات العربية والأجنبية للطالب اليمني المبتعث. فلا فائدة ترجى لليمن من هؤلاء لا من أباءهم في داخل الوطن

كمسؤولين ولا من أبنائهم خارجه كطلاب مبتعثين.. فمن شابه أباه فما ظلم. وأنا لاأدافع هنا عن وزارة التعليم العالي فإن شأنها شأن أي وزارة يمنية لا تخلوا من الفساد أو فيتامين "و" ، لكننا لابد أن نكون منصفين..

نصدر الأحكام بعقلانية منطلقة من العدل والحكمة لاالعشوائية والتخبط..ففي نظري أن الدكتور صالح باصرة لايملك عصا سحرية أو مصباح علاء الدين ليغير بها واقع المأساة التي تعيشها الوزارة والمتراكمة منذ نشأتها..ويكفي أنه الوزير الوحيد الذي يعترف بأخطاء وزارته وعيوبها أمام شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام بدون تحفظ أو مداراة ويسعى لحلها بكل قدراته المتاحة و صلاحياته المحدودة دون أن يخاف في الله لومة لائم.

* كاتب يمني مقيم في جدة


في الثلاثاء 16 فبراير-شباط 2010 06:44:35 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=6529