|
تعلمنا من ضمن ما تعلمناه من فخامة الأخ الرئيس أبي أحمد، الحكمة الذهبية القائلة: \"أن مشكلات الديمقراطية لا تعالج إلا بمزيد من الديمقراطية\" وهذا حق وصواب لا مرية فيه، فهي من الحِكم التي تكتب بماء الذهب الخالص، ولعلّ من أبرز مشكلات الديمقراطية اليمانية، هو هذا الوضع المتأزم والمتفجر في المحافظات الجنوبية والشرقية، أو ما أطلق عليه إعلامياً بالحراك الجنوبي، وفي تقديري لا علاج لهذه الأزمات إلا بمزيد من الديمقراطية والشفافية والوضوح والصراحة، وذلك بمناقشة مجمل قضايانا الوطنية وتشخيصها، والجدية التامة في إصلاحها ومعالجتها، ديمقراطياً، كما علمنا فخامة الأخ الرئيس.
أبا أحمد:
ليكن حديثنا صريحاً كما أردنا له، وكما التزمنا به، وإن كان في بعض جوانبه قد يكون قاسياً وصعباً، بعض الشيء، ولكن كما قيل: \"قد يَرْكبُ الصَّعب من لا ذَلول له\".
أو كما قيل:
ذريني أنل ما لا ينال من العلا ... فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين لقيان المعالي رخيصةً ... ولا بدّ دون الشّهد من إبر النحل.
أبا أحمد:
مرّت ثلاثة عقود منذ توليك السلطة في البلد، خلطت فيها عملا صالحا وآخر سيئا، عسى الله أن يغفر لنا ولك الزلات، ويتقبل الحسنات، إنه سميع قريب مجيب، والحسنات نحسبها عند الله كثيرة، إلا أنّ من العمل السيئ الذي يجب أن نتدارسه وإياك، هو ما وصلت إليه البلاد في عهدك من حالة لا تكاد تخفى على عين، من غلاء وبطالة وفساد وانهيار وتشرذم وغليان في أطراف البلاد ووسطها وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها، وأعلاها وأدناها، وحضرها وباديها، وبكيلها وحاشدها، وجبلها وتهاميّها، وسُنّيها وحوثيّها، ومؤتمرها ومشتركها، أضف إلى كل ذلك المهددات الخارجية الطامعة في باب المندب وما حوله، الطامعة في خيرات اليمن وثوراته عموما.
من أبرز الأسباب والعوامل لهذا الغليان الشعبي العارم، هي حالة الاستقطاب المنقطعة النظير، وحالة التشبث الشديد بالسلطة، والاستماتة – إلى درجة التقديس- في التعلق بقوائم الكرسي، الذي يكاد يقول لك أبا أحمد دعني، مغفوراً لك، ألا ربّ كرسي قال لصاحبه دعني.
أبا أحمد:
إنّ من أعظم الثورات وأقدسها وأعدلها وأنبلها أهدافاً ومضامين، هي الثورة اليمنية الظافرة، وإنّ من أعظم منجزات الشعب اليمني الحضارية في العصر الحديث، الوحدة اليمنية المباركة، التي أسهم الشعب اليمني كله في إرسائها وبنائها لبنة لبنة.
وإنّ من أهم أهداف الوحدة والثورة، بناء الدولة اليمنية الحديثة المتطورة، وبناء المجتمع اليمني المتآخي والمترابط، وفقا للشريعة الإسلامية السمحة.
بيد أنا نخشى أن يخر السقف على رؤوسنا، نتيجة بعض السياسات الطائشة وغير الحكيمة، التي ربما تشعر بها – فخامة الأخ الرئيس- وتعرفها جيداً، كالمحسوبيات والرشاوى والتمييز وغياب معايير العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وعدم العدالة في توزيع الثروة، والتراجع عن حكم الشعب نفسه بنفسه، كل هذه إنما قامت الوحدة والثورة والديمقراطية، لقلع جذورها الخبيثة من الأرض اليمنية المباركة، التي لطالما تحدثتَ وتحدث عنها الإعلام، إلا أنها وأصْدُقُكَ القول، غائبة في دنيا الناس وممارسة السلطة, لأن الذي يحكم في حقيقة الأمر، إنما هي الأجهزة الأمنية، وشبكات الفساد والنهب المقنن، أو اللهم الدويلات العتيدة للمشائخ والسلاطين، الذين أينما التفتّ وجدتهم هم الأغلبية الساحقة الماحقة عن يمينك وشمالك، في مجلس النواب والشورى ومجلس الوزراء...الخ فيما أُبعدت الكفاءات العلمية والخبرات الوطنية، وحل محلها ذوو الولاءات للسلطة وحزبها الحاكم الجاثم على صدور اليمنيين منذ قرابة الثلاثة عقود، فيما يتفرج الملايين من أبناء اليمن الميامين إلى الوضع المأساوي المتدهور يوماً عن يوم، داعين سائلين الله صباح مساء، {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}الدخان12.
أبا أحمد:
دعني أضرب لك مثلا يسيرا وسريعاً، بالوضع الذي تعيشه اليمن، سلطة وحكومة، وبصراحة متناهية، وليس على النحو الذي عهدته من حاشيتك ومقربيك ومستشاريك غير الأمناء، إلا ما رحم منهم ربي.
مَثَل السلطة الحالية كمثل مدير مدرسة، وضع المدير لمدرسته أهدافاً سامية ورائعة وعظيمة، إلا أنّ الرجل لم يعتمد المعايير العلمية في الإدارة والحكم، وراح يقرب هذا ويبعد هذا، وفق معايير الولاء الشخصي له، وأدنى في المقدمة والريادة أهله وأبناءه وعشيرته وذويه وخاصته وأحبابه وأعوانه وعسكره، وأقصى كل من خالفه مهما بلغ من المؤهل والدرجة العلمية، وأنشأ ديكوراً سماه، مجلس المدرسة يعبر عن شخصه وعن هواه، وكلما عنّ للمدير شيء جمع هذا المجلس المغلوب على أمره، ليصدر القرار، فيظن الظان أنه قرار المجلس، وإنما هو قرار المدير!!.
وجد الطلاب أنفسهم أمام معايير لا تحترم العلم ولا التخصص ولا العدالة ولا المساواة، ولا المؤهلات العلمية، ولا الكفاءة، وإنما المعيار هو الولاء لرئيس الجامعة أو المدرسة، إلا أنه مضت السفينة سنين متتالية، من الدراسة والتحصيل، وكلما مرّ الوقت ازدادت الهوة والفجوة بين مدير المدرسة وطلابه، وتعمق وتجذّر الاستبداد والقمع، وشعر الطلاب بالمحنة والظلم والتمييز والتفرقة وغياب العدالة والحرية، ومع مرور الوقت أحكم فريق المدير قبضتهم على المدير، فلا يكاد يرى إلا بأعينهم ولا يسمع إلا بآذانهم، وباتت مصالحهم تفرض عليهم إحاطة مدير المدرسة بلوبي من الرجال غير الأمناء، إذا المطلوب هو حماية مصالحهم، فلذلك أحاطوه إحاطة السوار بالمعصم.
استفاق مدير المدرسة، لكن في وقت متأخر، بعد بضع سنين ليسأل نفسه، أين تلك الأهداف الكبيرة والعملاقة التي رسمتُها للمدرسة؟؟.
لم يجدها للأسف، وإنما وجد بدلا من المؤسسة التعليمية المفترضَة، وجد مجالس للقبائل، ووجد الشلاليات والعصبيات والقرويات والضغائن والأحقاد والتمزقات، تملأ أركان وزوايا مدرسته، ولم يجد بين يديه إلا مجتمع الكراهية والمؤامرات والعداوات تملأ ناظريه.
أبا أحمد:
تلك هي الصورة التي وجد الشعب اليمني نفسه أمامها وجها لوجه، بعد نحو عشرين سنة من الوحدة والديمقراطية المزعومة، التي للأسف وقع فيها نحواً مما وقع في حديثنا الآنف الذكر عن المدرسة التي أدارها شخص بفكر وعقل المستبد...وللعلم أن ملة الاستبداد واحدة.
أبا أحمد:
إنّ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
أبا أحمد:
لعلّ في عمرك بقية، سواء عمرك الرئاسي القانوني، أو عمرك من حيث السنين والبقاء على هذه الدنيا الزائلة، ويظهر لي أن المراد هو الأخيرة، الذي تؤيده الحقائق والمشاهدات، فلتجعل خير عمرك آخره، واحرص على حسن الختام، وأعد المظالم إلى أهلها، وأصلح البلد بالعدل، ولا تغمض لك عين حتى ترى شعبك وقد أقمت فيه الحق، فلا ينام مظلوم ولا مقهور ولا منهوب يدعوا عليك، وتذكر ما قاله هارون الرشيد، قبل موته، حين وضع خده على التراب، وقال: \"يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه\". {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{28}.
أبا أحمد:
يجب إعادة النظر في جهازك الأمني وجهاز استخباراتك ومستشاريك ووزرائك وأعوانك وحاشيتك وقراباتك، ويجب أن تعيد بناء البلد بالحرية والشورى والانتخاب الحر المباشر الأصيل، المعبر حقيقة عن الأمة اليمنية وتطلعاتها، وأن توفر الأموال الطائلة التي تنفقها قبيل كل انتخابات لمشاريع التنمية والبناء في البلد.
وأن تبذل جهدك ومساعيك نحو إنشاء يمن متطور وحديث، ومجتمع متحاب متآخ مترابط.
وأن تحرص على الوئام والسلام والشراكة، لكل أبناء البلد في البناء والتنمية، وألا يُقصَ أحد من أهل الكفاءات والخبرات، وأن تكرّم العلم والعلماء، في شتى التخصصات والعلوم والمعارف، وأن تأخذ على أيدي المفسدين والظالمين والمستبدين، الذين تعرفهم جيداً أكثر من أي شخص آخر، وأن تعيد النظر في كل مدراء العموم ووكلاء الوزارات والوزراء، سيما في محافظات الصفيح الساخن، ما لم فإنه الطوفان، لا سمح الله.
أبا أحمد:
تلك نصائح غالية، لا تجدها إلا من محب مشفق، لا يبتغ منصباً ولا وظيفة ولا وزارة ولا كرسياً، إنما يبتغ بها وجه الله والدار الآخرة، وفقك الله أبا أحمد، لكل خير وصلاح، وأخذ بيدك إلى ما فيه خير اليمن والأمة، والحمد لله رب العالمين،.
Moafa12@hotmail.com
في الأحد 03 مايو 2009 06:33:45 م