إلى الكاتب جمال أنعم
كاتب/رداد السلامي
كاتب/رداد السلامي

" مأرب برس - خاص "

" مأرب برس - خاص "

 

هكذا تهامست الحروف ألقاً وتوسد ميعاد الصحو لدى حدس التوقع المرتقب فخرجت أنت من بين حنايا الإنتظار واللهفة زورقاً يبحر في صحراء التكوين والدهشة.. عندما التقيتك للمرة الأولى توسدني الغيب على أعتاب الفرح الشاحب.. وصوتك يسكن في كل زوايا الأفق ويلوح في ذاكرة القلب طموحاً وفي معراج الشفق جموحاً.. وبين ضباب عشعش في أجراس الوعي وفوق الميعادين صروحاً لم تسترق النظر الأعشى ولم تتبلل بالنيران. الكتابة عنك أيها الكاتب الغالي جمال أنعم رحلة طويلة وسفر مضني عبر كل الأفئدة وأصداء الحنين..

أنت رجل والرجال قليل في هذا الزمن المجوسي الجبان.

أنت رجل بقامة الوطن ووطن بحجم التوبة وأنت كل الأشياء اليانعة الندية في وطن مزقته حراب الفساد وصحاري التبخيس وشق الأنفس بخنجر الهزيمة. أيها الغالي العزيز: أنت رجل بإحساسك الصادق وبشهامتك التي يتكئ عليها الغيم حين يسقط مطر الإحباط ووجع الأماسي الحافي .. عزيزي جمال: يستعيرني الليل أحياناً كثيرة ليستضئ بظلمة الشجن حين يختنق الضوء في مرافيء العتمة والليل حبيب.. لا يرد له طلب حتى عند الصباح. كم هي نقية أحزاننا ونحن نعبر أزمنة تتآكل بظلم الآخرين ووتتقاذفنا أمواج الأسى في سكون الصمت المهين.. والوطن مابين سكاكين الموت ينزف بالأنين. قد يتساءل البعض لماذا أكتب في جمال أنعم ذاك الكاتب الذي لا أثر للنعيم في حياته سوى اسم ملحق في آخره .. جمال ذلك العازف الفذ على أوتار الوجدان وأشواق الحنين يتألق في سنان قلمه الحرف وتتلألآ كلماته على صدر الصحف كنجوم الغسق الداجي يهتدي بها السائرون في دروب النضال الوطني.

عندما يكتب .. يكتب عن ذاتك.. يعبر عن إحساسك، عن صمتك.. يفصح عن ما في دواخلك.. قلمه فظاء متسع تتنفس من خلاله أوكسجين البقاء والنقاء الضروري للعيش في وطن مصادر الأحلام مقتول الحلم.. الكُتاب فئتان.. فئة تكتب، وما تكتبه غثاء كغثاء السيل أو كالزبد الذي يذهب جفاء ويتمنى محبو القراءة لو توقفت هذا الفئة عن الكتابة لأنها نفسها عبء على عالم الكلمة وما تكتبه سرعان ما يذوب كذوبان الجليد إذا تعرض لتأثير الحرارة المجردة. وفئة أخرى تكتب وإذا كتبت تجدها تأخذ بناصية القلم وزمام الحرف وتشد إليها محبين القراءة ومتذوقي معاني الكلمات وجمال أنعم من الفئة الثانية كاتب عرفته من ذو أن شببت عن طوق الفهم البسيط إلى آفاق المعرفة ويتميز هذا الكاتب أنه. ذو حيوية شبابية .. وفكر نير.. ودراية واسعة.. صافي الذهن.. لمَّاح.. ذو عطاء متدفق. إذا كتب.. كتب وكفى.. وإذا كتب فهو يعرف كيف يكتب ولمن يكتب ولماذا يكتب ومتى يكتب. تجد ما يفيد فيما يكتبه.. بل ويروي غليل الصادي. تجد فيما يكتبه مصداقية متناهية؛ لأنه كان وعلى الدوام صادقاً مع نفسه قبل أن ينقل للغير فكره وبسبب هذه المصداقية كسب ثقة قراءه منذُ أن عرفوه.. حيث وجدو فيما يكتبه دفئ الكلمة التي تنساب إلى الوجدان قبل العقل، وقد قال عنه أحد قراءه أنه (منبر من لا منبر له). تتفاعل في نفسه بل وفي وجدانه حرفة الأدب، قارئ مطلع، واسع الثقافة، لا يقف عند تخوم معينة من الفكر والتفكير ولكنه يشرب من موارد المعرفة أنقاها وأصفاها والحكمة ضالته المنشودة يأخذها من أي وعاء خرجت. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تمكن هذا الكاتب أن يفرض نفسه على عالم الكلمة متألقاً متميزاً خلال فترة وجيزة؟ الجواب سهل ويسير، إنها رحلة القلم والألم معاً، رحلة الكلمة، رحلة تزويد النفس بما لا تعلم، ومن ثم تزويد الغير بما تعلم. هذا هو شأن كاتبنا، وجد في الصحافة المكتوبة هدفه المنشود في حياته وكانت هذه الرحلة مليئة بالصعاب والمشاق والعوائق والمتاعب كانت الصحافة جزء من لحمه ودمه ومجرى حياته وكما يقال (كل يغني على ليلاه) فقد كانت الصحافة ليلى كاتبنا، كانت الصحافة عنده هوايه وكان مع هوايته كأنه يتمثل ويردد قول ابن الوردي (وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل). أحب الصحافة إلى درجة العشق والعشق إذا تمكن زواله محال! لازم الصحافة والتصق بها. كهواية وكهوية. الصحافة في عرفه هوايه وهوية وليست حرفة للتكسب ولكنها إبراز لمعاناة وطنه كواجب من واجباته الوطنية.. هي بالنسبة له دم الحياة.. عشق دائم لهواية واحدة يرى كاتبنا أن حياته فيها في تجدد مستمر ولله في خلقه شئون. أعرف الكثير من زملائه اليوم رؤساء تحرير صحف ومواقع التكترونية ممن أحبوا تغيير نمط الحياة في سبيل الحصول على لقمة العيش أو تحقيق مطمح ما، أما كاتبنا جمال أنعم فقد التزم نمط حياة معينة وجد فيها مطمحه وفي حقيقة الأمر فقد حقق مجداً تفوق فيه على ما حققه أترابه من أمجاد في الحياة . خدمة الحرف شرف.. والكلمة الصادقة والشجاعة مسئولية وأمانة.. وكانت هذه الخدمة مربط الفرس عند كاتبنا، حارب ممتطياً صهوة الحرف فانتصر في أكثر من معركة وخير انتصار ومجد أحرزه كاتبنا الفذ كسب القلوب والأفئدة والضمائر التي تحبه وترى في حرفه التعبير القوي والأمين عن همومها وآلامها وآمالها وتطلعاتها. كاتبنا رقيق الجانب، هادئ الطبع، دمث الأخلاق، صوفي الروح، زاهداً بالأمجاد والألقاب حد الانغماس في النسيان ولولا روحه التي تتبدى من خلال ما يكتبه لما عرفناه. يعيش دون أن يبغض أحد ويرتفع دون أن يترفع على أحد. ويتقدم دون أن يطأ على أحد أو يحسد أحد. رجل تعيش القضية في كل خلية من خلايا جسده يتنفس الهم ويحيا الرسالة واضح هو كالشمس ونقي كماء المزن تجد في حرفه صلابة الموقف ورقة الاحساس. حينما تكون بجانبه تشعر أنك عظيم وهذا يذكرني بـ (مارك توين) الذي قال ابتعد عن الذين يحقرون طموحك الصغار دائماً يفعلون ذلك، لكن العظيم هو الذي يجعلك تشعر بجانبه أنك فعلاً عظيم.


في الإثنين 04 سبتمبر-أيلول 2006 09:29:19 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=486