الحرب على غزة بين الخيارات المطروحة واللاعبين الجدد
مبخوت عبود
مبخوت عبود

غزة التي تحتضن مليون ونصف المليون إنسان بالطبع ليس كلهم مقاتلين وليس كلهم حماس , وحماس الحركة الجهادية تعتبر امتداد لجماعة الأخوان المسلمين التي أسسها الإمام الشهيد/ حسن البناء , قدراتها محدودة لكن أرادتها قوية جعلت من نفسها رأس للعزة والكرامة في زمن أصبح العرب فيه يفتقدون وجود هذه العزة وهذه الشهامة خاصة الأنظمة الحاكمة ,الحرب على غزه تستهدف بالأساس القضاء على حماس وإنهائها من الوجود .

وهذا الهدف لم تعلنه إسرائيل بوضوح حتى لا تنصب لقاداتها محاكمات من قبل الشعب الإسرائيلي , لماذا لم تحققوا الهدف الذي من أجله قامت الحرب لكن بالطبع هذا الهدف واضح ومدروس مع النظام المصري وبموافقة ضمنية مع أطراف عربية عديدة وهذا ماكشفت عنه المصادر الإسرائيلية (القناة العاشرة ,تصريحات المسئولين ,الصحف المستقلة والمعارضة ) لأن شفافية المعلومات في إسرائيل مكفولة في القانون باعتبار أنها دولة ديمقراطية . والمتتبع للموقف المصري وبعض الدول العربية يلحض هذا الأمر بوضوح ويخرج بنتيجة لا لبس فيها إن الأمرأعد ودبر بليل وان كل طرف عليه القيام بالمهمة الموكولة إليه وألا تأخذه في تنفيذها لومة لائم .

ما الذي يجعل مصر والسعودية والأردن وغيرهم يتخوفون من حماس طبعا مصر لها حساباتها الداخلية لأن حماس امتداد لجماعة الإخوان المسلمين الذين يرفضون توريث الحكم في مصر ولها مع النظام صراع طويل والسعودية مسايرة للسياسة المصرية من جهة ولديها تخوف كبير من اتساع المحور الإيراني حتى يصل غزه بعد أن أصبح ثابت القدم في لبنان ويبحث له عن وجود في اليمن ودول الخليج .

لكن دعونا نناقش هذه الحسابات وتلك التخوفات من زوايا عده لعلنا أن نقرها ونلتمس العذر لأصحابها أو نبين خطأها الاستراتيجي .

أولا الحسابات المصرية على ضوء المقاييس والمعادلات الآتية .

‌أ- توريث = يقابله رفض شعبي يتزعمه التيار الإسلامي .

‌ب- دولة معادية تمتلك تهديد عسكري اقتصادي سياسي ثقافي يقابله التزام لا محدود باتفاقية أهانت مصر وأخرجتها من الفاعلية العربية .

المعادلة الأولى:

 رغم أنها شان داخلي يخص النظام والشعب المصري إلا أن النظام أدخل إسرائيل على الخط الداخلي ( وهو النظام العربي الوحيد الذي لديه حساسية مفرطة تجاه تدخل أشقائه في شئونه الداخلية ) وأصبح يتعامل مع إسرائيل للقضاء على حماس باعتبار انتصارها انتصار للتيار الرافض للتوريث , فهل يحق للنظام المصري اختزال قضية إستراتيجية مصيرية تاريخية ويجعلها معادلة لقضية شخصية أنية .

المعادلة الثانية : حماس – إسرائيل . 

حماس وإسرائيل , حماس تمثل عمق استراتيجي ودرع واقي لمصر وشعب مصر وهي أخ شقيق وتحترم أخاها الأكبر ورفضت الوساطات الإقليمية والدولية بشان الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط إلا عبر مصر ومصر في الحقيقة هي التي تقف حجر عثرة أمام إطلاق سراح الآلاف من الفلسطينيين مقابل الجندي الإسرائيلي , ولولا احترام حماس لمصر واعترافها بدورها في المنطقة لعملت مثل حزب الله الذي سلم ملف الأسرى بينه وبين إسرائيل لوسطاء دوليين واستفاد من هذه الورقة بينما حماس لم تستفد حتى ألآن .

في مقابل ذلك إسرائيل تمثل العدو التاريخي المهدد لوجود مصر والأمة العربية ولها مع مصر ثارات قديمة من الصراع لا يمكن نسيانها ليس أقلها دفن الجنود المصريين وهم أحياء بالآلاف في صحراء سيناء في حرب 67م .

وبناء على تلك المعطيات والمعادلات لا نجد للنظام المصري أي مبرر لموقفه من الحرب على غزة وحماس بل أن موقفه هذا لو انتصرت إسرائيل على حماس لا سمح الله سيدفع ثمنه باهظا باهظا في المستقبل القريب .

 

ثانيا السعودية :

مع الفارق الكبير بين توجهات الأسرة والشعب السعودي من جهة . والنظام والحزب الوطني في مصر من جهة أخرى فالأولى توجهاتها دينه محافظة والثانية علمانية لبرالية , إلا أن السعودية وللأسف أصبحت تجامل النظام المصري والدافع ليس تخليا عن توجهاتها المحافظة ولا إقرارا للسياسات المصرية الخاطئة ولكن كما يقول المثل ( مكره أخاك لابطل ) فخوفها من التوسع الإيراني والتمدد الشيعي في المنطقة جعلها تلجا كما تظن إلى ركن شديد وتنظر إن مصر هي الدولة التي باستطاعتها الوقوف في وجه إيران ومخططاتها ؟

ودعونا نناقش هذا التخوف وهل إيران اخطر على المنطقة من إسرائيل ؟

أولا إيران تهدد المنطقة لا أحد يشك بذلك لأنها دولة ترى من مصلحتها إن تكون القوة الوحيدة أو الكبرى في المنطقة لتحمي نفسها من التهديد الأمريكي والإسرائيلي وتفرض مذهبها ؟

لكنها ليست العدو التاريخي رقم واحد .

مما يعني أمكانية التعايش معها وبدلاً أن تكون مهددا للسلم والاستقرار في المنطقة بالإمكان . أن تكون إحدى ركائز هذا السلم التي تسعى إليه دول المنطقة . بل ربما يتم تطوير أمكانية التعايش مع إيران حتى يصبح حلف استراتيجي لإزالة الاحتلال من الأرض المقدسة فلسطين وهذه فرضية أولى .

أما الفرضية الثانية .

في حالة عدم تحقيق الفرضية الأولى فالفرضية الثانية تقول أن إيران قادمة على تغييرات سياسية واجتماعية وفكرية .قد تطيح بالتيار المحافظ وتأتي بالتيار الإصلاحي وهذا التيار رغم انه لن يكون مهددا لدول المنطقة ولن يكون من أولوياته تصدير المذهب بل قد يسعى إلى تقليصه إلا انه قد يصبح يمثل قلقا كبيراً على المنطقة وشعوبها عندما تصبح له سفارة في تل أبيب وسفارة لإسرائيل في طهران ؟

وبالتأكيد لن يدخل في تحالف استراتيجي مع دول المنطقة وجماعاتها الدينية لإزالة الاحتلال من فلسطين ؟

وعلى هاتين الفرضيتين , فإيران إن تم التفاهم مع حكامها الحاليين وبقوا في الحكم أو سقطوا وجاء غيرهم , فليس هي بالعدو رقم واحد وليس بالعدو التاريخي وإنما العدو رقم واحد بالتأكيد هي إسرائيل التي تؤمن بدولة كبرى من الفرات إلى النيل وتسعى أن تصل المدينة المنورة ؟

بل أن هناك أحزاب في إسرائيل متطرفة لووصلت للحكم فأسهل شئ عندها لإخضاع المنطقة هو استخدام السلاح النووي فاكرر وأقول العدو التاريخي والوحيد الذي لو حكمته الصقور أو الحمائم أو العمل أو الليكود أو حتى يهودي من مصر أو اليمن أو السعودية هو إسرائيل !!؟

- ما الذي جعل السعودية تقف موقف اللامبالاة مما تتعرض له غزة وحماس .وهي الدولة التي ينظر لها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أنها حامية حمى الإسلام بحكم وجود المقدسات وبحكم توجهها الديني .

هل يمكن إرضاء مصر على حساب العقيدة ومصالح الأمة نقول لإخواننا في الحكومة السعودية إن مصر ضررها عليكم اكبر من حماس بالرغم أن حماس ليس فيها عليكم ضرر لماذا نسيتم مواقف النظام المصري الذي استشاط غضباً من خطواتكم النبيلة لإصلاح الخلاف بين فتح وحماس وهددكم بعدم الدخول للمصالحة بين الفرقاء في السودان أليس هذا إملاء عليكم وتحجيما لدوركم النبيل الذي تنظر له الشعوب العربية والإسلامية بإكبار واحترام ؟

- النظام المصري يريد توريط السعودية حتى تصبح في محور الاستسلام انظروا كيف استطاع حسني مبارك إقناع السعودية لتأييد مبادرته وكيف أعلنت السعودية مع مصر معارضتها للقمة العربية في الدوحة .

إنني بصدق أخشى على الأسرة الكريمة الحاكمة في السعودية أن يحكم التياران الليبراليان في مصر والسعودية القبضة ويخرجان الأسرة الكريمة المحافظة من الدور الفاعل والنبيل نقول للأخوة في السعودية دوركم كبير ومسئوليتكم عظيمة وسوف تسألون عنها يوم القيامة .

- حماس اليوم إن بحثت عن نصير غيركم فلا تلام بل من حقها أن تبحث عن داعم على المستوى الإقليمي ولتكن إيران الشيعية بعد أن تخلت عنها السعودية السنية ومن حقها أن تبحث عن داعم على المستوى الدولي ولو كانت الصين الديكتاتورية بعد أن وقفت في وجهها أمريكا الديمقراطية .

 

 السعودية يجب عليها أن تحافظ على الجماعات ذات التوجهات السنية كما تفعل إيران في محافظتها على حلفائها من أصحاب التوجهات الشيعية ؟!

 تغيير الخارطة السياسية واللاعبون الجدد .

لاشك أن حماس لوخرجت بخير من حرب غزه فإن هناك سيكون لاعبون جدد وسوف يتقلص دور اللاعبين الحاليين وذلك على النحو الأتي .

الدور الإسرائيلي في المنطقة سيعيش أسوأ مراحله ولسنوات عده قادمة .

الدور الإيراني سوف يتقلص إلى حدٍ كبير .

الدور المصري والسعودي سوف يضعف كثير في أحسن الاحتمالات .

الدور السوري سيبقى محافظا على مكانته الإقليمية والدولية وسوف يستعيد الجولان حربا أو سلما والراجح سلما في غضون خمس سنوات على الأقل .

أمام هؤلاء اللاعبين القدامى سوف يبرز لاعبون جدد على النحو التالي :

تركيا وقطر وحماس( تركيا) سوف تملأ الفراغ الإيراني وتحافظ على دور السعودية ومصر حتى لاتكون هي الوحيدة وبصورة مزعجة لإيران ؟

(قطر ) رغم صغر حجمها لكنها سوف يصبح دورها دولي بامتياز ففي الوقت الذي ستكون فيه بمثابة المستشار الأمين لتركيا في المنطقة وفي نفس الوقت ستبقى على علاقات متميزة مع ايران وعلاقتها مع مصر والسعودية ستكون عاديه . ولن يكون لها علاقات مع إسرائيل سوف تتعزز علاقاتها مع الجماعات الإسلامية أكثر وستكون علاقتها مع أمريكا شبه باردة إن لم تكن سيئة .

أما حماس فقد تحتاج إلى بعض الوقت حتى تعيد بنيتها التحتية وحتى يضعف خصومها تدريجيا وتلقائيا وبعد أن يصبح اللاعبون الجدد هم أصحاب الكلمة في المنطقة سوف تنطلق بسرعة الصاروخ لتأخذ مكانها على المستوى الإقليمي والدولي .

 في حالة الهزيمة .

في حالة هزيمة حماس لأسمح الله يكون أمام دول المنطقة العربية ثلاثة خيارات .

الخيار الأول :

بقاؤهم مرتهنين ومتربعين عند أمريكا ومن وراء أمريكا إسرائيل وهذا الخيار يبقي المنطقة على فوهة انفجار ولن يحقق لدول المنطقة الأمن والاستقرار حيث سيصطدم مع كراهية الشعوب لأمريكا وإسرائيل ؟

الخيار الثاني :

الاعتراف بإيران كقوة إقليمية والدخول معها في اتفاقيات عدم اعتداء . وهذا الخيار سوف يشجع إيران على مطالبة دول المنطقة بإعطائها امتيازات كانت تعطيها دول المنطقة لأمريكا والغرب ؟

الخيار الثالث :

العمل على وحدة الصف وإيجاد قوة ذاتية إقليمية توصل العرب للاستغناء عن الحماية الأمريكية والغربية وتحجم الدور الإيراني في المنطقة وتحرر الأراضي الفلسطينية وهذا الخيار سيكون متحقق التنفيذ في وجود عاملين اثنين .

العامل الأول / التحام الأنظمة الحاكمة مع شعوبها .

العامل الثاني / التعاون الاستراتيجي مع تركيا .

أخيرا

هناك تساؤلات تحتاج إلى إجابات .

السؤل الأول .

لماذا أفتى مرشد الثورة الإيرانية أية الله علي خامنئي بمنع الشباب الإيراني من المشاركة في الجهاد إلى جانب إخوانهم في غزة . 

السؤال الثاني .

لماذا حزب الله نفى أن يكون احد إتباعه قد أطلق صواريخ الكاتيوشا على إسرائيل؟

السؤال الأول يأحبذاء لو أن مفتي الملكة السعودية يجيب عليه !!؟

السؤال الثاني مطلوب الإجابة عليه من مدير المخابرات المصرية عمر سليمان .


في الإثنين 19 يناير-كانون الثاني 2009 06:13:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=4752