ادارة السياسة بالأزمات.. سباق خارج الحلبة
أحمد الزرقة
أحمد الزرقة

لايبدو أن هناك انفراجا قريبا سيحصل على الصعيد السياسي أو الاقتصادي في اليمن بسبب إصرار جميع الاطراف السياسية على التمترس وراء مواقفها التي تفتقد في احيان كثيرة للمرونة السياسية الكفيلة باحداث إنفراج يعيد للناس جزءً بسيطا من إيمانهم الكبير المفقود بجدوى التغيير والانتقال لمستقبل أفضل طالما تغنت به السلطة والمعارضة عن طريق الديمقراطية ذات الخصوصية اليمنية التي تنجح في إختلاق الازمات لكنها تفشل في معالجتها. 

الجديد في الموضوع هو تسابق المعارضة والسلطة لافتعال أزمات لتغطية المشاكل التي يعاني منها كلا الطرفين ، فقصة الانتخابات التي بدأت منذ العام 1993م تسير بخطوات عرجاء وتدار عن تطريق الصفقات التي تتم في اللحظات الاخيرة ،والتي يحاول كل طرف أن يحقق فيها نجاح يضمن له الوصول الآمن للبرلمان ، هناك أحزاب جربت معنى المقاطعة منفردة وهي بالتأكيد تدرك خطورة تكرار التجربة مالم تكن متكئة على حلفاء يستطيعون العمل بعيدا عن سياسة التسويات والمقايضة،وهنا يبدو الحزب الاشتراكي حذرا جدا في الاستمرار بخيار المقاطعة منفردا ونظره دوما مصوب نحو الاخ الاكبر في اللقاء المشترك التجمع اليمني للاصلاح ،الذي مازال اقرب اطراف اللقاء المشترك بالنسبة للحزب الحاكم والرئيس صالح ،الذي مازالت لديه الكثير من الاوراق التي يستخدمها داخل تجمع الاصلاح ، وهي أوراق أثبتت في كثير من الاوقات مدى قدرتها على إحداث فارق في أداء الاصلاح ووقفت كحائط صد ورافعة في آن واحد الى جانب الرئيس صالح وغير بعيد مواقف تلك القوى في انتخابات 2006م.

الاصلاح من جانبه ليس مستعدا جيدا لخوض الانتخابات بتوقيتها الحالي والحديث عن سجل مزور ويحتوى على اسماء موتى واطفال ..الخ من الشوائب التي تعتري السجل الاسود باعتبارة جريمة مؤتمرية بحته فيه هروب من تحمل جزء من مسئوليته تجاه الخلل الذي يعتري ذلك السجل فاصلاح السجل الانتخابي مطلب متكرر للاصلاح منذ ماقبل انتخابات 1997م وتكررت قبل الانتخابات المحلية في 2001م واستمرت المطالبة بتصحيحة قبل انتخابات 2003م وقبل انتخابات 2006م الرئاسية كان للاصلاح نفس المطلب ،واستخدم هذا المطلب لتحقيق بعض المكاسب ولكنه في الاخير شارك في جميع تلك الانتخابات ولم يكن غائبا عن اللجنة العليا للانتخابات وكانت عناصرة تعمل في اللجان الانتخابية بل وشارك في تكرار ما كان ينتقد ممارستة من قبل الحزب الحاكم واثبتت حالات كثيرة قام فيها الاصلاح باضافة اسماء وهمية في كشوفات الناخبين .

والاصلاح أكثر حزب يدرك خطورة مقاطعة الانتخابات في حال قرر الحزب الحاكم المضي في إجراء الانتخابات في وقتها المحدد في 27ابريل ،لذلك يلجأ لتكثيف العمل الدعائي الموجه ضد اللجنة العليا للانتخابات "احادية الجانب" بسبب منع اللقاء المشترك ممثليه من الاشتراك في ادارة اللجنة ،ويحاول تصوير الموضوع وكأنه قرار رفض شعبي عام ،ووصل الامر لحد استخدام خطاب تحريضي لجماهيرة في المحافظات التي فيها هيمنة واضحة للعناصر المسلحة لطرد اللجان الانتخابية والاشتباك معها ،ولايكاد يمر يوم دون ان يوجه الاصلاح كحزب قائد لللقاء المشترك كتحالف دون توجيه بيان يدعو الناس لمقاطعة اللجان الانتخابية ويدعو لتنظيم فعاليات في الاطراف للاحتجاج ضد نشاط اللجان الانتخابية ،وذلك الشكل الاحتجاجي يغيب عن العاصمة التي تتواجد فيها غالبية قيادات العمل الحزبي المعارض ،وهو عصي على الفهم إذ من المعروف ان القيادات السياسية يجب ان تتصدر العمل في الشارع لكن تلك القيادات تكتفي بالفعل التحريضي وتخشى النزول الى الشارع بل وتضع حسابات معقدة لهذه القضية ،وهو أمر يندرج ضمن مفهوم نخبوية تلك القيادات التي تجيد الخطاب السياسي وتترك الجماهير لتواجه بدلا عنها،وهي قصة متكررة في حالات كثيرة ابرزها الخطاب التحريضي ضد ارتفاع الاسعار التي ادت لخروج الناس العشوائي في احتجاجات غير منظمة وواجهتها السلطة بقوة واسفرت تلك المواجهات عن مقتل عشرات المواطنين واعتقال المئات منهم ولم تكترث القيادات الحزبية التي قادت الخطاب الحزبي لمئالات الضحايا ومعانات اسرهم .

السلطة والمعارضة وجهان للازمة الحاصلة غير واضحة المعالم في اليمن والتي تشير لتخبط جميع الاطراف السياسية دون أن يكون هناك بصيص ضوء في الافق القريب على أقل تقدير،وانعكست ظلال أزمة الحكم والحكم سلباُ على أداء المعارضة التي تدور في حلقة من الفراغ من الصراع السياسي واكتفت به ولم تحاول فتح نوافذ جديدة لمعنى الصراع من أجل التغير والتحول ،بحيث يبدو واضحا انهماك تلك القوى في الصراع باتجاه رأس الهرم الضيق تاركة القاعدة الضخمة دونما رؤية واضحة تستغل القدرات والمكاسب الكبيرة التي قد تجنيها من وراء العمل في وسط تلك الكتلة البشرية الهائلة الساخطة والتواقة للتغيير والخروج من سطوة الاقلية الحاكمة والمتصارعة،وإدارة الصراع عبر الازمات كانت الى وقت قريب امتياز سلطوي بحت ،لكنه اليوم أصبح أسلوب حياة وتفكير للمعارضة أيضاً.

هناك ملفات كثيرة يمكن العمل من خلالها في أوساط الجماهير لكنها في الاخير تفضي لنفس الطريق الذي تنشده أي اطراف سياسية ترغب في الوصول للسلطة كحق مشروع لجميع القوى وهدف لاي عمل جماعي يتسم بالانضباط والتنظيم ،ويراهن على تحقيق مكاسب جماعية لجميع اليمنيين دونما المراهنة على وعيهم باعتباره ما زال قاصراً وبحاجة للتوجيه المباشر.

الظروف التي تمر بها اليمن كجزء حي من المحيط الاقليمي والدولي المتبدل مواتية تماما لبروز قيادات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني تستطيع احداث فارق في حياة الناس خصوصا بعد أن برهنت الاحداث التي مرت بها البلاد خلال العامين الاخيرين أن هناك انحسارا للفعل الحزبي في الاوساط الشعبية ،بسبب الاولويات والحسابات التي تضعها الاحزاب السياسية نصب عينيها ،وهي في مرات عديدة لم تكن قريبة من طموحات الناس أو اهتماماتهم ويتجلى الاخفاق الحزبي بوضوح في مواقف الاحزاب من قضيتة الحرب في صعدة والتعامل مع ملف الاحتجاجات والاختناقات التي حدثت في بعض المحافظات الجنوبية ،وهي مواقف اتسمت بالارتباك وعدم وضوح الرؤية لما يجب أن تكون طريقة التعامل مع تلك الاحداث ، التي طالت عدد كبير من الناس وكان لها تداعياتها السلبية على جميع الاطراف الفاعلة وغير والفاعلة في اليمن.

وشاب التعامل مع هاتين القضيتين الكثير من الانتهازية وتصفية الحسابات مع الاطراف المختلفة ،قد يكون الدافع الذي يسهل فهمه هنا هو جعل النظام يدخل في صراعات جانبية تضعفه وتنتزفة وفي نفس الوقت تزيح منافسين محتملين ،والقاء اللوم فيما بعد على طريقة النظام بمختلف فصائلة واظهارة بمظهر الفاشل والعاجز وغير الديمقراطي ،الذي يلجأ للعنف والسلاح لحل المشاكل التي تعترضه ،وذلك بالضرورة سيضع النظام في موقف محرج أمام العالم الخارجي ،وبالتالي سيلجأ الحزب الحاكم وقيادته للاستنجاد بأحزاب المعارضة لاخراجه من ذلك المأزق ،لكن ماحدث كان عكسياً تماما حيث استطاع الرئيس صالح وحزبه حشر تلك الاحزاب في زاوية ضيقة ، أفقدتها فاعليتها السياسية ،بسبب الضغط عليها لاتخاذ مواقف أما حيادية أو غير معارضة ،مستخدما ورقة الوحدة الوطنية ،والمصلحة العامة ،والارهاب وغيرها من الملفات التي يبرع الرئيس صالح في استخدامها وتركها معلقة حتى يعيد استخدامها لمرات أخرى أو كما وصفها الرئيس بنفسة بكونها كروت تستخدم عند الحاجة وترمى .

على السياسيين في الحكم والمعارضة إذا ارادوا ان يكونوا فاعلين الاقتراب من الشارع وليس تهييجة واستخدامة كورقة ضغط ،تبني حاجات الناس وتلمس همومهم سيعني في الاخير كسب الناس وجعلهم يدافعون عن خياراتهم التي لن تتحقق الا من خلال اشراك اكبر قدر منهم في صنع القرار السياسي بمختلف درجاته،والاهتمام بما يعنيهم وما يطمحون لان يكونوا عليه.

Alzorqa11@hotmail.com


في الأحد 04 يناير-كانون الثاني 2009 07:16:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=4664