مارب... طارق والأنتقالي والأعفاء الجمركي
عبدالفتاح الحكيمي
عبدالفتاح الحكيمي
 

. كالعادة يندفع الأنقلابيون الحوثيون لالتقاط صور دعاية تذكارية في بعض المواقع والأماكن العسكرية وغيرها ليحولونها إلى انتصارات وإنجازات وهمية. ولكن سرعان ما تصحو فلولهم بعد نشوة السيلفي على وقع هزائم ومجازر مروعة لهم خارج إطار الصور التذكارية التي تتحول إلى مأساة. قالوا قبل ستة أشهر أنهم على بعد ٣ كيلو متر من مدينة مأرب..

وهذه فضيحة لمعارفهم العسكرية الهشة لأن هذه المسافة تعني أن مأرب في أيديهم حتى على بعد ٣٠ كيلو متر, لكنه إدمان الكذب على الرأي العام. وفي الجوبة التي قالوا أمس إنهم على بعد ٣ كيلو متر فقط من مركزها الإداري لم تَصحُ أدوات إيران إلا وجثث مليشياتها لقمة سائغة ممزقة بسكاكين وخناجر أبطال الجوبة ومأرب ..

فكل فخ عسكري تكتيكي ينصبه أبطال الجيش والمقاومة الشعبية يظنه عملاء طهران انتصاراً جاهزاً لا يصحون من كابوسه إلا على صرخات استغاثة المغرر بهم في المعركة. وحقيقة ما حدث في الجوبة مؤخراً هو دخول الحوثيين إلى أطراف قريتين ضمن مصيدة مدروسة وضعها الجيش والمقاومة بعد أكثر من عام على معارك في وديان وسهول المنطقة, ومنها قرية القائد الأسطوري الفذ مفرح بحيبح التي هب الحجر والشجر للذود عن الحِمى, فأطلق الحوثة بعدها صرخة استغاثة متحايلة لنجاة من تبقى بجلودهم.

وبحسب شهود عيان فإن مباغتة رجال الجوبة لمرتزقة أيرلو كانت من درجة الصفر لم تنفع جرذان الحوثي معها مدرعة ولا دبابة.. أِلتحام بالسلاح الأبيض وحتى الأحجار والفؤوس. ولأن معركة مأرب هي معركة إيران بمرتزقة محليين خرج قائد الحرس الثوري من وكره أمس كمن يداري هزيمة ماحقة منكرة ويرفع من معنويات عملائهم في مأرب ليقول: إن مأرب على وشك السقوط) كنوع من الحرب النفسية لتعويض الأنكسارات المتلاحقة وحث مرتزقته على عدم الفرار والتسليم بالهزيمة, رغم إن مأرب لن تكون آخر معركة لليمنيين ضد الظلم والاستبداد بل بداية معركة ليس لها آخر.

 

فإذا تمكن أذناب إيران منها لا سمح الله فسوف ينتقل اليمنيون ضد الكهنوت من معركة(يمن الداخل إلى معركة يمن الساحل) من ميدي والحديدة وباب المندب إلى بحر العرب والمهرة, وسيضع رويبضات إيران أنفسهم في مواجهات لن تنتهي في كل قرية ومدينة بأرجاء اليمن.. لكنها مأرب كما قال الشيخ سلطان العرادة سوف تغير المعادلة وتقلب الموازين. ولأنهم قصيروا النَفَس يعتقد الحوثيون إن مأرب نهاية المعركة وليس العكس رغم أن حقيقة معركة مأرب لا تقاس بما تبثه وسائل إعلام المليشيات من معلومات مضللة عن إنجازات وهمية ساحقة أعادت في الحقيقة جثامين جنودها المحظوظين في توابيت أو إعاقات مزمنة.

. * مؤامرة على المدنيين*

أما أخطر ما روجت له المليشيات الأنقلابية فكان على لسان المدعو أبو علي يحي عبدالله الحاكم رئيس مسمى جهاز الأمن والمخابرات الذي زعم في تقرير خاص قبيل هزيمتهم بوجود خلايا إرهابية وتكفيريين في الجوبة وكذلك معامل متفجرات, في توطئة خبيثة لاعتزام تنفيذ جرائم حرب ضد المدنيين وتبرير ذلك للمجتمع الدولي المندد بجرائمهم مقدماً بغطاء مكافحتهم للإرهاب. وعندما فشلوا في تنفيذ ذلك مباشرة أمطروا الجوبة بصواريخ باليستية.. فكيف يدمرون منطقة في الصباح قالوا في المساء أنها سقطت بأيديهم.

والآن بعد انتكاسة غزوة الحوثيين الوهمية يتراشق قادتهم العسكريين والسياسيين اتهامات التخوين والعمالة ضد بعضهم للتهرب من مسؤولية الأرواح والعتاد التي خسروها, ويتهمون أبناء الجوبة الأحرار بالخيانة والبيع كما لو أنهم كانوا إلى صف الأنقلابيين منذ البداية !!.

والآن بعد أن تم دحرهم من الجوبة منكسرين يروجون للأسطوانة الإعلامية المشروخة نفسها أن قبائل مأرب والجوبة وقعوا على مبادرة مأرب التي تقدم بها كبير العصابة عبدالملك الحوثي, ويرجفون بهذيان إضافي إن شيوخ الجوبة اعترضوا على وجود الشرعية في مناطقهم بينما من يتصدى للأنقلابيين هم رجال الله الجوبيين.. وعندما بدأ طارق صالح يرسل التعزيزات من الساحل الغربي مؤخراً باتجاه مأرب فَقَد حسين العزي صوابه بتغريدات هابطة يقصد بها التشكيك بنوايا المناهضين للأنقلاب والرهان على تفكيكهم أو أقل شيء صرف الأنظار عن ما أحدثته وثيقة إعفاء حسين العزي من كافة الضرائب والرسوم الجمركية على استثماراته وشركاته التجارية من شرخ وصدمة عميقة داخل قيادة عصابة صنعاء وأزمة ثقة لها ما بعدها. وفيما يبدأ التلاحم بين القوى الوطنية المناهضة للحوثيين وتناسي الخلافات في اللحظة المناسبة, يعتقد المجلس ألأنتقالي الجنوبي أنه بمنأى عن أخطار التداعيات وأنه قد يحصل على إعفاء جمركي من ضرائب الأنقلاب أسوة بحسين العزي, وبإمكان ألأنتقاليين الإعتراف بسيادة ألحوثي على الشمال والعكس بحسب تغريدة شهيرة لقيادي بارز.

*أِعترافات ألأنتقاليب

باختصار شديد يقول الدكتور عبدالرحمن الوالي القيادي بمجلس ألأنتقالي لماذا لا يحصل أِعتراف متبادل بوجود الآخر وسيطرته على الأرض, فيعترف الانتقالي بالحوثي والعكس. ويأتي اقتراح الدكتور الوالي كمن يستبق فاجعة أو طامة كبرى..

. واعتراف بمأزق ما إذا تمكن الحوثيون من مأرب لا سمح الله .. فأين موقع ألأنتقالي بعدها والطريق أسهل نحو الجنوب ؟؟. فما كان من تنسيق إيراني بين بعض فصائل حراك الجنوب والحوثيين قبل ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ م في حكم المنتهي, وكل تسهيلات غير مباشرة قدمها ألأنتقالي للأنقلابيين في صنعاء لاحقاً ينظر لها الحوثيون وفق عقليتهم الأستعلائية ليست أكثر من واجب خدمة العبد لسَيِّده .

. وأي حسن ظن ونوايا تجاه هؤلاء لا تعدو أكثر من سذاجة الحسابات وغباء سياسي. يؤكد طرح الوالي بشأن الإعتراف المتبادل بين ألأنتقالي والحوثيين على عدم قدرة الأول في خوض مواجهة عسكرية لمنع الثاني من اجتياح الجنوب, ولكن ليس على طريقة الملكة بلقيس التي قال لها جندها(( نحن أولو بأس شديد)) ولكن على طريقة(لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وعلى طريقة شيخ القبيلة الخائف على سلطته في قومه فقط. وقد سمع الدكتور العزيز عبدالرحمن الوالي الكثير من غزَل وهمسات وكلام الحوثيين المعسول تجاه ألأنتقالي, آخرها استماتة محمد البخيتي محافظ ذمار في الدفاع عن مجلس ألأنتقالي ضد حزب الإصلاح وكأنه ناطق ألأنتقالي الرسمي.

وما قاله عيدروس الزبيدي قبل فترة بعد زيارة موسكو عن سيطرة الحوثيين على الشمال والأنتقالي على الجنوب وكأنه تقاسم سلطة وترسيم حدود لم يصمد لاحقاً أمام خطابات تحشيد عبدالملك الحوثي لتحرير الجنوب من مسمى الإحتلال ووصف ألأنتقالي الدائم بالأنفصاليين والمرتزقة, ما يعني على أحسن تقدير حكم أي فصيل للجنوب في إطار واحدية الجغرافيا اليمنية ورعاية الحوثة.

. * استعلاء الحوثيين *

لا يحتاج الحوثيون لمجلس ألأنتقالي ولا لمليشياته إلا كونها عامل أذى وتعطيل للشرعية وقواتها كما حصل في آل حميقان البيضاء من قطع إمدادات المقاومة ضد الحوثيين بنتائجه الأنعكاسية بتهديد حاضنة ألأنتقالي في يافع نفسها!!.

ولأن رهان ألأنتقالي والحوثي المشترك ظل دائماً على تفكك قوى حلفاء الشرعية في الداخل والخارج فإن مكونات ألأنتقالي المسلحة تعاني حالياً ذات المعضلة والمأزق من التفكك حال تفكير قادتها بمواجهة ما أو التماسك في مواجهة تمدد الحوثي العسكري لاحقاً, فيما الأكثر صواباً هو التحشيد الجنوبي-الجنوبي من الآن والأنخراط في دعم معارك الشرعية في مأرب ضد الحوثي وليس انتظار استنزاف مؤخرة الجيش الوطني في معسكرات حضرموت وشبوة في معركة مأرب وانقضاض مليشيات ألأنتقالي والفوز بالتركة لاحقاً كما يتمنون!!.

. لا تفرق قيادات ألأنتقالي السياسية بين الواقع وبين الأمنيات فالمشروع الحوثي السلالي في الحكم تاريخياً مشروع إخضاع واستعباد للجغرافيا والبشر, ومن يعتقد أن عاصمته مكة المكرمة لن يتخلى عن فردوس عدن وساحل حضرموت والمندب ليغلق على نفسه بالرتاج والملازم وينام..

ولأعتبارات وجودية استراتيجية إذا سيطر الحوثيون على( يمن الداخل) فلن يتركوا لغيرهم حكم(يمن الساحل) وهي المعركة الأشرس التي لم تبدأ بعد ولن تحسم بسهولة. كما لا تعتقد قيادة مجلس ألأنتقالي إن تراجع موازين القوى النهائي إذا حدث لغير صالح الشرعية اليمنية سوف يؤهل غيرها(ألأنتقالي بالذات) كبديل, كما أن ذلك لن يؤهل الأنقلابيين الحوثيين للتحكم باليمن بشروطهم. لعل المناسب للأنتقالي الأنخراط في أسناد المجهود العسكري لجيش الشرعية وربط مصيره السياسي بها لا بالحوثيين الذين لايعترفون بأي وجود او حقوق لغيرهم من القوى والمكونات, ولا بحقوق الفئات الإجتماعية غير المنتمية لسلالتها. أما ما يعتبره البعض رهاناً على علاقة قديمة برعاية إيرانية بين الحوثيين وفصيل في مجلس ألأنتقالي فلا يعدو كونه تكتيكاً من الماضي نشأ لتقوية وجود إيران الضعيف حينها في المنطقة, لم تعد بحاجة إليه ولا الحوثيون أيضاً, وتجاوزته المقذوفات الباليستية والطائرات المسيرة المتفجرة التي زعم ألأنتقالي ليلة أمس إن إحداها حلقت فوق مقر قيادته في التواهي بعدن !!

 

. وفي حدود دائرة المحادثات الإيرانية السعودية الحالية المغلقة بشأن أزمة وحرب اليمن سوف تكتفي طهران بجس نبض الرياض وتتنصل من أي التزامات قبل أن يحسم حلفاؤها معركة مأرب المصيرية لصالحهم كما يتوهمون.

ولا يبدو باستطاعة الأنتقاليين وضع مطالبهم السياسية ضمن اهتمامات مباحثات طرفي طهران-الرياض أو اعتبارها أولوية إلا في إطار الشأن اليمني الداخلي ككل في أحسن الأحوال.. وسينظر إليها الحوثيون بأدنى اكتراث لجهة أن التعاطي مع فك ارتباط الجنوب يضعف مصداقيتهم عند جماهير الشمال ويتعارض مع نزعة وطموحات الهيمنة على

الثروات والمقدرات وأخضاع البشر والحجر. ولم يحقق مجلس ألأنتقالي أي تقاربات مع السعودية في تطبيق الشق العسكري والأمني من اتفاقية الرياض لاحتمالات ما بعد لعبة المباحثات السعودية الإيرانية إلا غرابة تمسكه بمنطق(حبتي وإلا الديك) وبالرهان على وهم احتمال تلاشي قوات الشرعية بين عشية وضحاها هنا أو هناك واحتفاظ تشكيلاته بعنفوانها. وعندما يذبح الجميع بما فيهم ديك ألأنتقالي سوف نكتشف إلى أي مدى أضاع البعض أنفسهم على قارعة المستحيل حين جاءتهم بعض الحلول الواقعية جاهزة مجاناً وبأكثر مما لهم.

ولا يزال البعض يصدق حكاية صاحب الفيديو المسكين الذي قال قبل عامين: على أخوتنا الشماليين أن يتمسكوا بسيدهم ومولاهم عبدالملك الحوثي, ونحن في الجنوب سوف نقف خلف مولانا وقائدنا عيدروس الزبيدي حفظه الله).


في الخميس 14 أكتوبر-تشرين الأول 2021 06:47:00 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=45667