|
يستطيع أي باحث في السياسة الداخلية اليمنية أن يقوم بتعميم الخلاصات والنتائج التي يتوصل إليها ويستبدل العنوان بالسياسة الخارجية اليمنية، لن يلحظ الآخرون أي ارتباك أو تغيير لذات الأهداف والوسائل فإدارة التناقضات في الداخل وإبقاؤها حية وإمدادها بوسائل البقاء هي ذات السياسة التي تتحول إلى كروت مخيفه على المستوى الإقليمي والدولي وبقدر انكشاف هذه السياسة في الداخل فإنها أيضا باتت أكثر وضوحا لدى الأشقاء والأصدقاء، وكل يوم والأحداث تكشف المزيد وتسربت التيارات الباردة لكل الغرف الدافئة التي جمعت اليمن بشركائها فلم تعد اليمن شريكا مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب إلا ضرورات التصريحات المقتضبة كمجاملات بروتوكولية أثناء اللقاءات الرسمية، وعلى النقيض انهارت الهدنة غير المعلنة مع القاعدة في الداخل وتبخرت تجربة الحوار والاحتواء الذي اختطتها اليمن وحاولت التباهي بها، وأحيانا أخرى توظيفها للاستعلاء والشماتة بالأشقاء في المملكة العربية السعودية.
ولا فرق في النتائج في ملف حركة الحوثي إلا في التفاصيل فالبداية كانت برعاية رسمية تمويلا وتسهيلات ودفء علاقاتنا بإيران وانتهى بنا المشوار إلى خمسة حروب مدمرة للمواطن والموازنة وانتعش تجار الحروب والمقامرون، استدعينا ليبيا الشقيقة للوساطة والمملكة العربية السعودية لدرء الخطر المشترك تحت عنوان أمن المملكة هو أمن اليمن ثم اتهمنا ليبيا بدعم التمرد وتخلينا عن المملكة العربية السعودية بعد أن أعلنت رسميا الوقوف بجانب الحكومة اليمنية ضد حركة الحوثي واكتشفت السياسة اليمنية خطورة التوغل السعودي وتداولت الأوساط الرسمية مقولة الاستعمار السعودي بأذرعة المشايخ والجيش الشعبي وتم توجيه السياسة الإعلامية الرسمية بالكف عن إثارة الخطر والتوسع الشيعي والذي كدنا نشعر معه من قبل بأجواء النجف وكربلاء في اليمن.
المنطقة الرمادية ودائرة المشتبهات
تقع اليمن وسط الدائرة الرمادية في علاقاتها الخارجية فمراكز الأبحاث والصحافة الأمريكية تشككك في جدية التعاون الرسمي في مكافحة الإرهاب وتتهم اليمن بعقد الصفقات مع قيادات في تنظيم القاعدة وردت اليمن بأن الجميع بما فيها الولايات المتحدة تعقد الصفقات مع المتعاونين لكن الشكوك لم تتوقف.وجاءت حادثة تفجير النفط في مأرب قبيل الانتخابات الرئاسية لتعمق الشكوك بالاستخدام السياسي لورقة مكافحة الإرهاب وتفتح الباب لأسئلة يتصبب الجبين عرقا قبل الإجابة عنها.
وهكذا في ملفات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية ومع بروز الدور الروسي الجديد سارعت اليمن لاستعادة علاقات متميزة والتلويح بالاتجاه شرقا وكانت إجابات الرئيس الأخيرة للقناة المصرية كافية للتعبير عن الضيق والتبرم من تعامل الأمريكان مع اليمن ويتفق معه معظم اليمنيون في أن الأمريكان لا يقدمون شيئا ويكتفون بالغطرسة والإملاء ويأكلون المساعدات الشحيحة عن طريق خبرائهم!!
وليست روسيا البعبع الوحيد، فإن إيران أيضا -وبحسب السلوك الرسمي اليمني المتوقع- ستكون بعبعاً مقابل السعودية التي اتجهت مؤخرا إلى البحث عن قنوات غير رسمية في تتبع الفارين من قيادات القاعدة إلى اليمن وأيضا في التعامل مع ملف الحوثي الذي بات مؤرقا لاستراتيجية أمنها القومي حسب المعلومات الأمنية اليمنية التي أقنعت السعودية سابقا بضرورة التحالف لاستدرار التمويل وهو ما حصل بالفعل ولكن الخطر ازداد قوة بدعم رسمي وانفض التحالف بتبادل اتهامات صامتة ليس آخرها الاستقبال البارد للعمرة السياسية الأخيرة للرئيس.
وهذه الأيام تخوض وسائل الإعلام الموالية للسياسة الرسمية حملة شرسة ضد الرئيس الحصيف علي ناصر محمد وضد رجل الدولة حيدر العطاس وتبدو الحملة مجرد تسخين كما يقول صديقي المؤتمري للإساءة لدول شقيقة سوف يتم اتهامها بدعم الحراك الجنوبي بعد عودة الروح الأخيرة للحراك بمناسبة احتفالات ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر.
ولن تكون مفاجأة تنشيط الزيارات الدبلوماسية والعلاقات الثنائية مع روسيا وإيران وليبيا وقطر غريبة في المحيط الإقليمي فاستخدام النقائض للحصول على مكاسب مالية أصبحت من الكروت القديمة وعلى السياسة اليمنية الخارجية أن تبحث عن توافق المصالح اليمنية العليا وتكتفي بما تجنيه على حساب الداخل لأن الطبخات الفاسدة تخلف روائح عفنة لدى الجيران..
aligradee@hotmail.com :
في الثلاثاء 28 أكتوبر-تشرين الأول 2008 06:14:58 ص