إلى صديقي عزالدين الأصبحي
حبيب العزي
حبيب العزي
عزيزي وصديقي الرائع .. الإنسان .. عزالدين سعيد الاصبحي ..
لن أبدأ خطابي إليك بـ سعادة الوزير، كما لن أبدأه بتلك الديباجة التقليدية المتعارف عليها، في الخطابات الموجهة للمسئولين على اختلاف مناصبهم، والتي يبدوا التكلف فيها واضحاً، كما يغلب على ألفاظها طابع التبجيل والتعظيم، وذلك لإدراكي الجيد بأنك لم ولن تحب يوماً مثل تلك الألقاب، والسبب في ذلك بتقديري لأنك "إنسان".. لأنك هكذا تحب أن تكون أنت.. إنسان وحسب. 
أتذكر جيداً يوم التقيتك في مكتبك البسيط والمتواضع، قبل أربعة أيام فقط، من صدور قرار تعيينك وزيراً لحقوق الإنسان، كما وأتذكر جيداً أنك لم تكن يومها تدرك شيئاً عن مثل هكذا قرار، فقد تجاذبتُ معك أطراف الحديث لأكثر من ساعة، كنتَ مقهوراً وتحدثني بحرقة عن كل ما يحصل في البلد، وصفتَ لي هذه اللحظة التي نعيشها الآن واقعاً، وكأنك كنت تشاهدها ما ثلة أمام عينيك.
أدرك يا صديقي أنك قد تفاجأت بقرار تكليفك ذاك، لأنه كان قد وقع عليك كحمل ثقيل كالجبال، فأثقل كاهلك المثقل أصلاً، كما وأدرك أنك قد قبلت بذاك الحمل مكرهاً، حتى لا تبدوا وكأنك تخذُل وطنك المنهك وهو يناديك، في لحظة هو أحوج ما يكون إليك، كما إلى كل أبنائه الطيبين أمثالك، كنتَ تأمل أن تساهم في دفع سفينة الوطن نحو شاطئ الأمان، فأبى الحمقى والمعتوهون إلا أن يغرقوها في محيط من الظلمات رغماً عني وعنك، وعن كل محب لهذا الوطن.
واليوم ها أنت قد غالبت كل الأمواج، وتخطيت كل الصعاب، أملاً بإنقاذ ما تبقى من بقايا وطن مكلوم، ها أنت يا صديقي تحاول مرة أخرى مع رفاقك الطيبين، فسيروا تحرسكم عناية السماء، وتحيطكم دعوات الثكالى، ونحن إذ نؤازركم ونشد على أياديكم، فإننا وبذات الوقت، لم نكن لنأمل شيئاً من المتواجدين لديكم حالياً في الرياض، لولا وجودكم معهم.
دعني أبوح لك ببعض من معاناة الناس هنا، علك تنقلها إلى كل المسئولين حولك في الرياض، وبخاصة أولئك الذين قالوا لنا بأنهم ما هربوا من الوطن إلاَّ لأجل إنقاذه من تلك العصابات، التي لازالت تمارس هوايتها بقتل الأبرياء في البيوت والطرقات، وأولهم رئيس الجمهورية ونائبه ووزير خارجيته، الذين لم نر منهم حتى هذه اللحظة سوى الأقوال عبر وسائل الإعلام، أما الأفعال فلم تصل إلى البسطاء بعد.
شهر ونصف من الحصار للوطن .. من المعاناة، وأي معاناة..!، إنها يا صديقي كارثة حقيقية، لم يرها اليمنيون منذ ولدتهم أمهاتهم، شخصياً أدركت وللمرة الأولى في حياتي، معنى أن يُحاصَر شعب، وأعني بذلك المعنى العملي وليس النظري، وشتان بين المعنيين.
شهر ونصف.. انقطاع كلي للماء، للكهرباء، للمحروقات ومشتقاتها، للدقيق وإخوانه من صنوف الغذاء، وأعني بالانقطاع الكلي، ليس وصفاً على سبيل المجاز، وإنما قد يكون هذا الوصف أقل من الحقيقة، وحتى مياه الشرب اختفت، والغالبية العظمى من السكان نزحت إلى القرى.
شهر ونصف من الليالي المرعبة، الانفجارات المخيفة، الظلام الحالك، الخوف في عيون الأطفال، الحزن والألم في وجوه الكبار.
شهر ونصف.. ما أقصرها من مدة بتوقيت الرياض، لكنها تمر على البسطاء هنا كسنين طوال، بتوقيت عدن وتعز ومأرب والضالع وصنعاء وكل المدن المحاصرة.
لا تكفي سطور قليلة، ولا حتى مقالات طويلة، لأحكي لك بعض المأساة فكيف بكاملها، هل تذكر يا صديقي ذاك الشارع الممتد من جولة الإخوة، مروراً بمدرسة الشعب، ووصولاً إلى جولة حوض الأشراف في مدينتنا الجميلة، لقد أصبح اليوم مجرد خرابة أشباح متهالكة ومخيفة، وبات مجرد تفكيرك في المرور هناك، منتصف النهار وفي عز الشمس، هو نوعاً من المجازفة والمخاطرة، والأمر ذاته ينطبق تماماً على جولة المرور وشارع الحصب.
الحكاية طويلة طويلة .. لا تتسع سطور قليله لنقلها كاملة، ولكن خلاصتها هي رجاؤنا بأن تبذل كل الجهد في إيصال هذه المعاناة إلى كل المسئولين حولك نيابة عن الناس البسطاء هنا، أخبرهم بأن اليوم الواحد يمر عليهم وكأنه الدهر، قل لهم بأن الناس هنا تنظر إلى تاريخ 17 مايوا القادم على أنه بعيد جداً .. جداً، وكأنها تقول بأنها لا تستطيع الانتظار إلى هذا التاريخ، الذي تأمل منه الكثير.
 إنها تأمل أن يكون هو النهاية للكارثة، والبداية للأمل الحقيقي، لأن الأمل الذي وعدَ به العسيري لم يصل البسطاء حتى اللحظة، قل للعسيري ورفاقه بأن القصف الجوي لم يعد مُجدياً، وأنه ليس سوى إطالة لأمد المعاناة، قل لهم جميعاً بأن المطلوب الآن وبشكل عاجل وملح، هو البحث عن آلية ما لكسر هذا الحصار المفروض على الشعب، على الموانئ والمطارات، على كل شيء يمكن أن يشكل بصيص أمل للنجاة وللحياة معاً، التي باتت هي كل الحُلم للناس هنا، كما والبحث عن آليه لإيقاف القتل اليومي للمواطنين، الذي تمارسه المليشيات والعصابات المساندة لها، في عدن وتعز وغيرها من المدن المنكوبة.. نناشدك أن تقول لهم كل ذلك.
لك كل مودتي يا صديقي العزيز .. وأتمنى أن ألتقيك قريباً في أرض الوطن .. في مدينتك الجميلة التي لطالما أحببتها.


في الإثنين 11 مايو 2015 10:29:26 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=41458