ترسيخ أركان الفساد في مصر
احمد منصور
احمد منصور

تبوأت مصر موقعا متدنيا في تقارير منظمة الشفافية الدولية فيما يتعلق بزيادة معدلات الفساد حيث وصلت في التقرير الاخير إلى المركز 118 من بين 176 دولة يتضمنها المؤشر ولا تتفوق عليها عربيا في تفشي الفساد سوى سوريا في المركز 144 وليبيا في المركز 160 والعراق في المركز 169 والسودان في المركز 173 بينما تحتل قطر والامارات المركز 27 عالميا ، والحرب على الفساد تبدأ بالمراجعة ثم المحاسبة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب بشفافية، ووضع القوانين والضوابط التي تضيق الخناق على الفاسدين، واذا كانت تقارير كثيرة تشير إلى ان ميزانية بعض الدول ومنها مصر يضيع منها ما بين 40 و70% في ابواب الفساد من ثم فان سد ابواب الفساد قد يعود بهذه الاموال الطائلة إلى مصالح الشعب بدلا من صبها في جيوب حفنة من الفاسدين، ولان مبارك كان فاسدا فقد افسد جهاز الدولة بكامله بل ووضع التشريعات والقوانين التي تقنن الفساد وتحمي الفاسدين مما جعل معظمهم او كلهم تقريبا يحصلون على احكام بالبراءة خلال محاكماتهم التي اجريت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لذلك جاء دستور 2012 وعشرات التشريعات التي وضعت ولم يقر معظمها بسبب حل مجلسي الشعب والشوري المنتخبين وإلغاء الدستور وعزل كثير من الوزراء الذين كانوا قد بدأوا تطهير وزارتهم من الفساد ليساعد في ترسيخ اركان الفساد في مصر ، ومن أبرز أوجه ترسيخ الفساد في مصر الآن هو صناعة دويلات مستقلة ومنحها الحصانة من الرقابة والمحاسبة والعزل، فمعظم مؤسسات الدولة الرئيسية اصبحت شبه جمهوريات مستقلة وعلى سبيل المثال لا الحصر اصبحت مؤسسة الازهر مستقلة ولا يجوز عزل شيخ الازهر او محاسبته الا من داخل المؤسسة من موظفين او علماء معينين من قبل شيخ الازهر نفسه وهذا يرسخ اركان الفساد داخل هذه المؤسسة التي ينبغي ان تكون اكثر مؤسسات الدولة شفافية والا تترك المحاسبة لمن يوظفهم شيخ الازهر او يضعهم في المناصب، كذلك ليس معنى استقلال القضاء ان تصبح مؤسسة القضاء وكأنها دولة داخل الدولة إذ يجب وضع الضوابط وقواعد الرقابة والشفافية والمحاسبة بشكل يضمن التفريق بين استقلال القضاء في عمله وما يصدره من احكام واستقلال مؤسسة القضاء عن باقي مؤسسات الدولة وعدم خضوعها للمؤسسات التشريعية والرقابية، وكذلك المؤسسة العسكرية والامنية، فلا يجب ان يكون الجيش او جهاز الشرطة مستقلا عن الاجهزة المحاسبية والرقابية، وكما ذكر امين هويدي رئيس المخابرات الاسبق في مذكراته ان غياب الرقابة والمحاسبة عن مؤسسة الجيش في ستينيات القرن الماضي كان سببا رئيسيا في هزيمة العام 1967، ان ما نراه الآن من سعي كل مؤسسة للاستقلال لاسيما في مجال التشريعات والمحاسبة والرقابة وان كل جهة تريد ان تشرع لنفسها وتحاسب نفسها هو تقنين ومأسسة للفساد وتغييب لدولة القانون وسلطة الدولة، لاسيما وان هناك غيابا للمجالس التشريعية وإلغاء لدستور العام 2012 وضبابية لا ندري متى تنتهي للاوضاع في مصر، وهذا ما جعل كثيرا من الفاسدين يتخذون الوضع الحالي فرصة لإزالة كل القوانين والتشريعات والضوابط التي وضعت خلال العام الماضي لمحاربة الفساد واعادة الاوضاع إلى ما كانت عليه في عهد مبارك وربما أسوأ، ان عملية تفكيك الدولة المصرية كما يجرى الآن هي ترسيخ ومأسسة للفساد وخيانة كبيرة لمصر وشعبها، ولن يحارب هذا الفساد ويعصف به الا الدستور الذي صوت عليه الشعب، والمجالس التشريعية التي انتخبها.


في الإثنين 12 أغسطس-آب 2013 06:57:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=21652