صنم من تمر...تعليق على أحداث مصر
الشيخ.عبدالله بن فيصل الأهدل
الشيخ.عبدالله بن فيصل الأهدل

نحن أمام كارثة حقيقية في مصر، فإن الخيارات أمام مرسي وإخوانه محدودة، وأحلاها مر، فهي إما التنازل والمسارعة في انتخابات مبكرة، أو الاستمرار في الضغط الشعبي، وإلى متى ؟ ومتى يتفرغ للتنمية وإصلاح البلاد؟ أو الحالة الجزائرية - لا قدر الله - أعني اللجوء للعنف.

ونريد أن نقف وقفات من هذا الحدث، نستلهم منه الدروس والعبر:

1- ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ آل عمران : 139 ]، قالها جل وعلا حين هزم المسلمون في غزوة أحد، فالمؤمن بإيمانه هو ثابت على أرض صلبة، ومستعلٍ بإيمانه على الجاهلية في الأرض، وإن أصابه ما أصابه، فهو يعلم أن العاقبة للمؤمنين، وإن خسر جولة مع الباطل، لكنه يعلم أن النهاية لأهل الإيمان، خصوصًا إذا أخذ بأسباب النصر؛ من اجتماع الكلمة، وطاعة الله ورسوله، والتطلع إلى الآخرة... كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر : 51 ].

2- هناك سنن ربانية لا بد أن تتحقق حتى تستحق الأمة النصر، منها قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [ الرعد : 11 ] ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [ محمد : 7 ].

فحين هزم المسلمون في أحد وهم على الحق وقائدهم رسول الله، بيّن لهم أنه بسبب من أنفسهم كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [ آل عمران : 165 ]، وفصّل هذا السبب بقوله - عز وجل -: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ﴾ [ آل عمران : 152].

3- أن من تجاوز المراحل هَلَك وأهْلَك... فمما لا شك فيه أن هناك مؤامرة دولية على دعاة الإسلام عمومًا، وعلى دعاة مصر خصوصًا، والعدو قوي ومتربص، والظرف الدولي الذي نحن فيه الآن لا يسمح بقيام دولة إسلامية، لا عن طريق الجهاد ( كما في حالة طالبان في أفغانستان، أو المحاكم الإسلامية في الصومال )، ولا عن طريق الانتخابات ( كما رأينا في مصر، وفي الجزائر مع جبهة الإنقاذ ).

فالاستعجال في ذلك قبل الاستعداد الكافي له هلَكة، وإنما أمرنا الله بالمستطاع من التقوى كما قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [ التغابن : 16 ].

فربما لو كان مرشح الإخوان في مصر هو أبو الفتوح لاجتمعت عليه الكلمة - لا لأنه خير من مرسي، بل مرسي خير منه بكثير - ويكفي الإسلاميين في هذا الظرف أن يحصلوا على الحريات - كمرحلة - يمكنون من خلالها لدين الإسلام الحق حتى يأذن الله بظهوره.

4- العدو يعرف ماذا يريد الإسلاميون تمامًا، وهو لا يصدقهم في دعواهم أنهم يريدون دولة مدنية مهما فعلوا، ومهما تنازلوا ولذا من الأفضل لهم أن يكونوا واضحين في مشروعهم صريحين مع الناس كافة؛ لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فسيخسرون الجميع، والعدو لن يكف شره عنهم، كما أنهم لن يكسبوا ولاء إخوانهم بهذا الأسلوب.

5- التحدي العالمي اليوم أمام الإسلام الحق ودعاته كبير، ولن تستطيع جماعة واحدة أن تغير، بل لا بد من اجتماع الكلمة وجمع الجهود المخلصة، فأسلوب الإقصاء مضر، كما أن موقف حزب النور خطأ فادح؛ فالمعركة ليست بين الإخوان وحدهم والعلمانيين، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [ الأنفال : 73 ], وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [ الممتحنة : 1 ].

6- سقوط صنم الديمقراطية، فالديمقراطية - كما قال بعضهم - صنم من تمر إذا شبع أصحابه عبدوه، وإذا جاعوا أكلوه، فالغرب وعملاؤه بقيادة أمريكا يمجدون هذا الصنم، ويدعون لعبادته إذا كان في ذلك مصلحتهم، وأما إن أتى الإسلاميون إلى السلطة فإنهم ينقلبون عليه بذرائع كثيرة. وهذا لا يعني أن يترك الإسلاميون العمل السياسي برمته حين يحقق المصلحة، وينضبط بالضوابط الشرعية، فإنه من البرامج التي تحقق الحسبة السياسية، وتغيير منكرات التشريع بالفعل، وليس بالقول، من خلال سن القوانين الموافقة للإسلام، ودفع القوانين المخالفة له، والتي من شأنها أن تحافظ على ما يمكن من عرى الإسلام، وإبقاء المجتمع ينعم بظلالها قدر المستطاع، فالإسلاميون حين يقبلون بالديمقراطية لا يقبلون بها كفلسفة وعقيدة قائمة على الإشراك بالله في الحكم، فهذا لا شك كفر بالله، بل الاستفادة منها كآلية واقعية لتقليل الشر والفساد على المسلمين، فإفشال نتائجها من قبل العدو لا يعني فساد هذه الآلة بإطلاق، كما أن إفشال العدو لقيام دولة إسلامية في أفغانستان، أو في العراق، أوفي الصومال، أو في الشيشان، لا يعني فساد آلية الجاهد.

والذي نراه أن الأمور والصراع مع الجاهلية لن يحسم إلا بالجهاد، لكن حتى تصل الأمة إلى القدرة على ذلك تحتاج إلى عدد من البرامج والآليات التي توصلها للقدرة على الجهاد، منها الحسبة السياسية، أو العمل السياسي المنضبط بالشرع، القائم على فقه الموازنات، والمصلحة والمفسدة؛ إذ كثيرًا ما تقترن الحسنة بالسيئة، بحيث لا تنفك عنها، فارتكاب هذه يلزم منه فعل تلك...

وهنا يأتي فقه الموازنات، فحين خرق الخضر السفينة، وارتكب هذه المفسدة، كان ذلك لدفع مفسدة أعظم، وكذا حين قتل الغلام، وحين تسامح النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي أن يتبول في المسجد، وحين أظهر الكفر محمد بن مسلمة والحجاج بن عِلَاط، وهذا باب واسع، معروف في مظانّه، في كلام شيخ الإسلام وغيره، من العلماء المتقدمين والمتأخرين ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ يوسف : 21 ].


في الثلاثاء 09 يوليو-تموز 2013 04:22:12 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=21268