|
انتهت الحلقة الرابعة من مقابلة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بالحديث عن وثيقة العهد والاتفاق، التي جاءت من أجل الحيلولة دون اندلاع حرب أهلية والتي بسبب عدم التقيد بما ورد فيها اندلعت الحرب فعلا في خطاب دشنه الرئيس في 27/ أبريل/ 1994م في ميدان السبعين بإعلانه شعار "الوحدة او الموت" وجرى بعد ذلك ما جرى مما يعرفه الجميع، . . . في الرد على أسئلة مذيع العربية حول مضامين وثيقة العهد والاتفاق قال علي عبد الله صالح أنها كانت كلها شروط تعجيزية، وأنه قبل بها كنوع من التنازل حفاظا على الوحدة، وعند ما سأله المذيع ما هي تلك الشروط التعجيزية قال أنه لم يعد يتذكرها. وفي هذا الأمر قولان:
·أولا إن الشروط التي احتوتها تلك الوثيقة ليس فيها من التعجيز شيئا لأن ما هو مطلوب تطبيقه هو مطلوب من الجميع فإذا ما احتوى على أي تعجيز (وهو ما لا يوجد) فإنه سينطبق على الجميع الأطراف الموقعة على الوثيقة، لكن ما يعتبره الرئيس السابق تعجيزا هو تلك الشروط المتصلة بتطبيق القانون على الجميع وتلك التي تتعلق بنظام الحكم اللامركزي والاستقلالية المالية والإدارية للوحدات المحلية، والتوقف عن الصرف المالي خارج الموازنة العامة وخارج القانون عموما، وبتحريم بناء المؤسسة العسكرية والأمنية تحت التأثيرات الحزبية أو العائلية أو المذهبية أو المناطقية أو الأسرية، ومن الشروط التعجيزية التي يرى الرئيس عدم القدرة على تنفيذها تلك المتصلة بملاحقة القتلة والمجرمين وتحريم إيوائهم أو التستر عليهم وتنظيم وتقنين حمل السلاح، وغيرها وهي كلها شروط موجودة في كل دول العالم.
·وثانيا تلك الشروط بالنسبة لفخامته هي تعجيزية لأنه لا يستطيع أن يدير دولة يحكمها القانون الذي ينطبق على الصغير والكبير على السواء، وهو كذلك لا يقبل بأن يدير دولة لا مركزية، دولة لا يسيطر فيها على كل صغيرة وكبيرة من تعيين الموظفين الصغار والكبار حتى توزيع الهبات والمعونات وتوزيع المشاريع والمخصصات كما إنه لا يستطيع القبول بمبدأ عدم تولية الأقارب حيث كان قد مكن العشرات من أقاربه وأهله وأصحابه، ناهيك عن إنه كان يهيئ للجيل الثاني من الأبناء الذين فعلا تم توليتهم خلال أقل من عشر سنوات لأهم المواقع العسكرية والأمنية (الحرس الجمهوري، الأمن القومي، الأمن المركزي، القوات الخاصة، الفرقة الأولى مدرع، سلاح الطيران، المناطق العسكرية المختلفة) تلك هي الشروط التعجيزية التي لا يستطيع فخامته القبول بها، وهو يتذكرها جيدا ولم ينسها، لكنه يتهرب من تذكرها لأن تذكرها سيكشف أنها ليست تعجيزية أبدا إلا لزعيم يسعى لإرساء حكم ديكتاتوري فردي عائلي وهذا بالضبط ما كشفت عنه السنوات اللاحقة.
·كان الحديث عن حرب صعدة أكثر من واضح في فك الكثير من الشفرات التي ظلت سرا غامضا على المتابعين لها لكن أهم ما يمكن تسجيله هنا هو:
1. يقول الرئيس السابق أن الحوثيين كانوا على خلاف مع السلطة المحلية، وإنهم كانوا يفرضون الضرائب على المواطنين، ولم ينس الإشارة إلى أن التقارير المخابراتية وتجار الحروب والسلطات العسكرية المستفيدة من الحروب والعسكريين الفاشلين كل تلك هي أسباب نشوب الحرب في صعدة ولست جولات متتالية، . . . إن ما يفهم من هذا الكلام هو أن الرئيس يتصرف وكأنه طرف ثالث بين الحوثيين والسلطة المحلية والعسكرية والأمنية، وهو ما يعني أنه لم يكن طرفا في النزاع، وبالتالي فإن ما أراد أن يقوله للحوثيين هو: لست غريمكم، فغريمكم طرف آخر أما أنا فلم أكن إلا مجرد رئيس ضللته المخابرات والقيادات العسكرية الفاشلة.
2.القول بـ"المستفيدين من الحروب" أو "تجار الحروب" أو "التقارير المخابراتية" يوحي بأن الأجهزة الأمنية والمخابراتية تشتغل بعيدا عن تأثير الرئيس أو بدون علمه، والكل يعلم أنه كان يشرف مباشرة على كل تلك الأجهزة بل وكان يتابع بنفسه بعض الأفراد المستهدفين من تقارير المخابرات، ويحدد صيغة التقرير ومضمونه، وحتى لو سلمنا جدلا بأن هناك تقارير مزيفة أعدت للرئيس، ألم يكن بإمكانه محاسبة معديها بعد اكتشاف زيفها، وبعد كل هذه النتائج الكارثية المترتبة عليها، وما ينطبق على التقارير المخابراتية ينطبق على حكاية "تجار الحروب" و"المستفيدين من نهب الأموال والذخائر والمخصصات"، أو من أسماهم الرئيس "القيادات الفاشلة": لأن وجود قيادات فاشلة في المؤسسة العسكرية والأمنية، وهو احتمال وارد يقتضي محاسبة تلك القيادات على وجه السرعة واستبدالها بالأكفأ والأنقى والأقدر، فما الذي فعل فخامته لهؤلاء؟ لماذا لم يغير "تجار الحروب" و"القيادات العسكرية الفاشلة" بعد الحرب الأولى ويكف عن الحرب نهائيا بعد أن اتضح له أن هذه الحروب لم تكن سوى نتيجة "تقارير مزيفة" ويقف ورائها بعض "المستفيدين من الحروب"؟،. . . إن وجود تجار حروب في اليمن ووجود مستفيدين من نهب موازنة ومخصصات القوات المسلحة ووجود تقارير مزيفة، ونهب أموال ومخصصات القوات المسلحة والاستيلاء على حقوق الجنوب وصف الضباط وبعض الضباط، هو أمر وارد بل ومؤكد، لكن السؤال هو ماذا فعل الرئيس للحيلولة دون تنامي هذا السرطان القاتل، الذي دمر كل معنى للانتماء للمؤسسة العسكرية والأمنية؟ وكم عدد الذين عاقبهم بموجب القانون وأحالهم إلى السجون واستعاد منهم ما نهبوه من أموال؟ . . . . إن الفاسدين في المؤسسة العسكرية وتجار الحروب والمستفيدين من نهب مخصصات القوات المسلحة والأمن ليسوا فقط خصوم الرئيس علي عبد الله صالح، وإلا لكان قد أطاح بهم منذ زمن مبكر، بل على العكس إن خصومه من هؤلاء لم يعملوا سوى محاكاة النافذين الكبار من أنصاره الذين أطلق أيديهم لينهبوا المليارات من موازنة المؤسسة العسكرية والأمنية، وصار مجرد توليك مهمة عسكرية أو أمنية يعني أن تتحول إلى ملياردير في سنوات إن لم يكن في أشهر.
3.ليس من المفيد الحديث بالتفاصيل عن خبايا حر ب صعدة ، لكن من المضحك المبكي أن يكون رئيس البلد الذي قال مدير مكتبه ورئيس جهاز أمنه القومي أمام مجلس النواب أن الحوثيين عبارة عن "شجرة شيطانية" و"نبته جهنمية" سيتم اقتلاعها خلال أسابيع إذا لم يكن خلال أيام، وعندما سأله النواب من الذي زرع وروى هذه الشجرة لم يرد مدير مكتبه على السؤال وما يزال السؤال بدون إجابة حتى اليوم، لكن البرلمان الكريم منح العسكر صكا على بياض لشن الحرب وإحداث ذلك الدمار المادي والنفسي والإقتصادي الذي شهدته صعدة وانعكس بآثاره على كل البلد، وخرجت صعدة عن سيطرة السلطة، واتضح أن الشجرة والنبتة هما أكبر مما صورهما السيد علي الآنسي في مجلس النواب لنيل التفويض بالحرب.
من المؤلم أن يتسلى رئيس البلد بدماء وأرواح أبناء شعبه لمجرد أنه يرغب في تسويق الأسلحة التي يخزنها في مخازن قواته أو لمجرد أنه يرغب في التخلص من بعض منافسيه العسكريين، والأغرب من هذا أن طرفي الحرب يعلمان هذه الحقيقة ولم يعملا على كشفها أو الحيلولة دون وقوع ما يترتب عليها من دمار.
وللحديث بقية
برقيات:
* لم يحمل خطاب الرئيس المصري محمد مرسي جديدا، في حين كان الكثيرون يتوقعون إجراء عمليا يهدئ الشارع، كإقالة الحكومة والدعوة لحكومة تكنوقراط، والدعوة لانتخابات برلمانية، أو تشكيل لجنة حوار يرأسها أحد زعماء المعارضة وغيرها.
*ومع ذلك فإن المطالبة بإقالة الرئيس المصري محمد مرسي قد تهدئ الشارع المصري مؤقتا إذا ما تحققت لكنها تمثل بداية لتقليد سيء قد يتكرر مرارا وهو المطالبة بإقالة رئيس منتخب لم يمض سنة في منصبه، وليس الإخوان المسلمين بأقل قدرة على الحشد للمطالبة بإقالة الرئيس القادم .
* ظهور بعض أنصار الرئيس علي عبد الله صالح في ميدان التحرير بالقاهرة منحازين إلى مطالب المعارضة المصرية يمثل خصما من رصيد هذه المعارضة ويقدمها بسمعة هؤلاء في اليمن التي هي ليست على ما يرام.
* قال الشاعر العباسي أبو الطيب المتنبي:
هَوّنْ عَلى بَصَرٍ ما شَقّ مَنظَرُهُ فإنّمَا يَقَظَاتُ العَينِ كالـــــــــــحُلُمِ
وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للــــنّاسِ تَسْتُرُهُ وَلا يَغـــــــُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها فيما النّفُوسُ تَــــــراهُ غايَةَ الألَمِ
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ
أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيـــبَتِهِ فَــسَرّهُمْ وَأتَــيـنَاهُ عَـــلى الهـَرَمِ
في الأربعاء 03 يوليو-تموز 2013 03:58:44 م