في ذكرى أربعينية زميل المهنة وصديق العمر وجدي الشعبي
ماجد الداعري
ماجد الداعري

أخيراً.. قتلوك يا صديقي.. بعد أن قتلوك مرات ومرات.. قتلوك حينما تركوك عاطشاً في صحاري الحياة، وفريسة للضيم ولعنة القهر ومرارة الحاجة، وقتلوك حينما تركوك وحيدا في شتاء الهم تقاسي الأمرين وراحوا يحيكون عنك الأباطيل بحثا عن مبرر لجرم قتلك يا صديقي.. وقتلوك حينما أودعوك ظلماً وعدواناً عتمة سجون غيهم، وألقوا بك مرات ومرات في غياهب طغيانهم إكراما لإنسانيتك الحية فينا جميعاً. وقتلوك أخيرا حينما تجرأت أيادي غدرهم على إطلاق رصاصة الموت إلى قلبك البريء، ليعلنوا نهاية شعلة الإنسانية العامرة التي كانت تضيئ عتمة الدروب التي تحيط بكل من حولك يا صديقي..وقتلوك حينما ارتدوا عتمة الظلام "كخفافيش مرعوبة" قيض لها أن تهجم خفية على عرين أسد لم يحترس لغدرها يوما.. وقتلوك حينما لم يتجرأوا على الانتظار لحظة ليروا طهر دماءك المسفوكة قهرا وبغياً على أريكة مرقد لم تنتهي من تجهيزه بعد، وحينما فروا دون أن يروا كم سفكوا بعدهم من دماء طاهرة ودموع نقية غسلت ما كان من قيم للطهر والبراءة في عالم لا يستحق أن تحيا له يا صديقي الراحل في دروب كل القلوب، بل وقتلوك حينما لم يكتفوا بمرأى دماءك الطاهرة وهي ، وإنما راحوا ليقتلوك مرات ومرات، أخر، حينما راحوا ليحتفوا ببطولة خزيهم بقتلك يا صديقي، ويتخذوا من دماءك الزكية، منجز لبغيهم ورخص عمالتهم.. وقتلوك حينما سعوا لتقديمك قربانا لإرضاء أسيادهم، بعد أن ضنوا أنهم قد أحسنوا صنعاً بإطفاء روحك يا صديقي، وكيل تهم الأباطيل التي أراد الله ان يفضحهم من خلالها كقتلة لإنسانيتك أيها الصديق الراحل في دروب الخالدين. قتلوك حينما اتهموك زورا وما لبث بقايا ضمائر بعضهم ان تدعم يستمروا في احتفاءهم المخزي ببطولة قتلك يا صديقي، في تلك اللحظات التي كانت فيها روحك الطاهرة قد سبقت جسدك المسجى بدماء حقدهم وغدرهم إلى بارئها، فراحوا يبحثون عن وسيلة للتخفيف من وطأة  غيهم ووخز خزيهم وهول إحساسهم بكبر الجرم الذي ارتكبوها بحق روحك الطاهرة في تلك الليلة الملعونة بلعنة الغدر وسواد تلك اللحظات الحالكة بظلمة تلك الهموم العاتية التي كانت تسكنك وأنت تواصل دروب البحث عن فرصة عيش كريم، لا أضنك ستجدها إلا حيث أنت الآن في دار خلدك يا صديقي الراحل عن دنيانا الرخيصة بعدك.

قتلوك حينما اتهموك بحثا عن مبرر لجرم ارتكبته أيديهم القاتلة، وبعد ساعات من انقشاع حقيقة قتلك المرة وأنت في بيتك أمنا تلوك أغصان قات، أبى إلا ان يكون خير شاهد على بهتان التهم الموجة إليك، ودليل على ما أنت فيه من حال، يعكس شرودك في دهاليز أيامك الخوالي و ثنايا همومك تارة، وهموم غيرك من المقهورين تارات وتارات أخرى.

قتلوك حينما سمعت طفلك "يحيى" ذو الخمسة الأعوام، وهو يصرخ مرعوبا من بحيرة دمائك المسفوكة تحت جسدك، وحينما فجعت (غدير) ذو الثالثة من العمر، وهي تقف مرعوبة بحضن أمها أمام مشهد دمائك وهي تغطي مجلس كنت فيه تضحكهم وتؤنس وحدتهم.. وقتلوك حينما صرخت في وجوههم آخر أطفالك وهي تود أن تصفع وجوههم المقنعة بحقارة فعلتهم، ولا وصف او عزاء لحال أمهم وهي ترى قتلتك يوغلون في جرمهم وانتهاكهم لحرمة "مرقدك المقدس" ويعبثون بكل شيء، بحثا عن "سراب لغز أجاج" عله يشفي غليك من وراءهم ويتخذون منه "صك غفران" على أمل مستحيل بأن يقيهم من الجزاء العادل لجرمهم ، وباعتباره الهدف الكاذب الذي قتلوك لأجله، وعلى اعتقاد منهم بأنه سيكشف لهم ألغاز عجزهم الإنساني وفشل وطنيتهم المغتصبة.

قتلوك يا صديقي حين رأت أمك صورة جسدك النحيل مسجاً بقطرات دمك، وهي متجمدة على صدرك الذي طالما حميت به كم ضعيف استنصر فيك، وأعنت به كم محتاج استعان فيك. قتلوك حينما استغلوا أمنك وبراءة روحك وهي تحتفي بكل امن جوار أطفالك، وراحوا يخططون ليلا لاغتيالك سرا وخفية في عتمة ذلك الليل اللعين، كلعنة قلب أراد ان يطفئ روحك يا صديقي..وقتلوك وهم يغادرن منزلك يجرون ورائهم خيبة أملهم ويصارعون لعنات أقدراهم ومرارة إحساسهم بخديعة أسيادهم.

قتلوك حينما لم ينتظروا لحظة لتشرح لهم كم في قلبك من إنسانية يفتقرون إليها وحينما لم يمهلوك ليعرفوا حقيقة من أنت في عالمهم المخزي، او ليستشعروا كم تطاولت أيدهم على روحك التي ضنوا عبثا انهم بقتلها سيريحون قلوب أسيادهم المفعمة بالغدر والخيانة.

قتلوك حينما لم يرحموا أطفالك وهم يصرخون من جوارك ريعا لهول ما يسمعون من أصوات موت مفجعة وهي تحيط بمرقدهم، وحينما لم يأبهوا بفجيعة أمهم وانهيارها منذ لحظة إطفائهم لروحك ظلما وبغيا وعدوانا أمام عينيها. وقتلونا معك يا صديقي حينما أبلغونا بفجيعة رحيلك عنا، في تلك اللحظات المشؤومة في سفر حياتنا.

قتلوك أخيرا.. ولكنهم لم يقتلوا نبض إنسانيتك في قلوبنا،، فالويل لهم والخلود لإنسانيتك العامرة بالخير ، والبقاء لسمو أهداف المهنة الشريفة التي انتصرت بها لمئات المظلومين ممن جار عليهم قاتليك ، وعز عليهم اليوم أن يجدوا وسيلة لرد الجميل إليك، او لغة وحروف ومعان، تعينهم على قول ما يخفونه من حب اخوي لك ومن شعور مرير بصدمة قهرهم على رحيلك، ولم يجدوا سوى الإقرار بالعجز وترديد كلمات الرحمة عليك،،ولكم حيرتنا يا صديقي وأشعرتنا بالعجز حتى عن قول ما يشفي صدورنا في رحيلك المفاجئ عنا، بل حبستنا في إحساس عجز قاتل يعبث ببقائنا بعدك، ويجعلنا نشعر وكأننا جميعا شركاء في جريمة قتلك يا صديق عمر لا ينسى ورفيق درب كفاح مهني لا يمحى.. فلك الرحمة والمغفرة والخلود ولنا لعنات البقاء والإحساس بالعجز بعدك.


في الإثنين 08 إبريل-نيسان 2013 10:45:33 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=19889