|
شهد اليمن عام2011م ثورة شبابية شعبية أهدافها كانت واضحة بإسقاط الفساد برموزه الظاهرة والباطنة ، ومن ثم بناء الدولة المدنية العادلة التي يتساوى فيها جميع أفراد الشعب وفق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، وتلك مطالب مشروعة لشعب عانى لعقود من الاضطهاد والاستبداد على الرغم من قيام ثورات عديدة منذ منتصف القرن العشرين في اليمن شماله وجنوبه ، وأمام ذلك الطموح العادل بدأت القوى المتضررة من نجاح ثورة2011م في داخل اليمن وخارجها الإعداد لخلطة سحرية يوهم الشعب فيها بنجاح الثورة الشعبية وتقوم بتدوير الفساد من خلال شراكة جديدة في الحكم لمراكز القوى المتخاصمة التي كانت إلى وقت قريب جزءً فاعلاً في حكومات الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، ومن ثم إيهام الشعب اليمني بأحلام قدوم الدولة المدنية التي يقودها الحكام القدماء الجدد ، إن غرض تلك المتاهة السحرية هدفها إيصال رسالة لشعوب الدول المجاورة أن لا فائدة من الثورات الشعبية ورسالة أخرى للثائرين الحقيقين في الداخل ليقال لهم ماذا فعلتم دفعتم مئات الشهداء وألاف الجرحى والمعتقلين ومع ذلك ماذا حل بعائلات الشهداء ،وماهي أوضاع الجرحى والمعتقلين؟؟؟أن كل التساؤلات هدفها إيصال رسالة للشعب حذاري من أن تثوروا مرة أخرى .
إن الأوضاع الراهنة جعلتنا حائرين نبحث عن إجابات لسؤال يتردد بعد ثورة2011م : من هو الفاسد وماهي معايير الفساد لأن الفساد يسجل دائماً ضد مجهول ويصبح فاعله لا لون له ولا رائحة ، حتى هيئة مكافحة الفساد متهمة بالفساد وتشكوا من الفساد ، وحتى حكومة الوفاق الوطني تشكو من الفساد وكأنها حكومة ظل وسنورد بعض الأمثلة التي تدل على حالة الالتباس تلك:
1- يحكمون وماهم يحكمون ويعارضون وماهم بمعارضين: هذا اللغز العجيب تجد طرفه الأيسر في قناة اليمن اليوم وغالبية الصحف والمواقع الإلكترونية المحسوبة على الرئيس السابق وعائلته والمؤتمر الشعبي العام وحلفاؤهم الجدد!!!وجميعهم يهاجمون حكومة الوفاق الوطني التي يسمونها حكومة باسندوة وكأنه مالكها الحصري ،وبالتالي فهؤلاء لديهم نصف الحكومة ويعارضون كل عمل تمارسه الحكومة نكاية في النصف الآخر ، على الرغم من أن غالبية شركاء الحكومة اليوم كانوا في نطاق المؤتمر الشعبي وكانت نفس الوسائل تطبل لهم وتمجدهم وتشيد بنزاهتهم المفرطة - باستثناء قناة اليمن اليوم التي فتحت حديثاً- ، أما الجانب الثاني من هذا اللغز فيعود للمحسوبين على اللقاء المشترك(المجلس الوطني في إحدى المراحل)وهؤلاء يشكون ليل نهار من بقايا النظام والثورة المضادة ، هؤلاء يقولون إننا شركاء لكننا لا نحكم بسبب بقايا النظام والثورة المضادة وو..إلخ، والحقيقة أن تلك حكاية عجيبة قد نعذرهم في بعض القضايا التي تحسب على لوبي السلطة السابقة كردات فعل لفقدان مصالح البعض ، ولكن مالا نعذرهم فيه تلك القائمة الطويلة من الفساد المالي والإداري غير المبرر التي يمكنهم على الأقل إيقافها ، ومن ذلك مثلاً يدعون أن علي عبدالله صالح أفسد الجامعات بالتعيينات المخالفة!!!فماذا يمنعهم الآن من أن يلزموا الجامعات اليمنية بتنفيذ القانون ، بل على العكس أقرت وزارة المالية على لسان وزيرها خلال لقائه في برنامج بصراحة على قناة سهيل باعتماد مئات الدرجات المالية لأوائل الجامعات على الرغم من المخالفة القانونية الصريحة لتلك التعيينات ، حيث ينص قانون الجامعات بالحرف الواحد(ويحضر التعيين مطلقاً خارج نطاق الإعلان والمفاضلة)فهل يجهل وزير المالية تلك المادة القانونية التي تناولتها عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية خلال وقبل وبعد2011م ، بل من المؤسف إذا ذهبت إلى أي من إدارات الشئون القانونية في الجامعات وفُهم أنك محسوب على ثورة2011م يقال لك بغمز ولمز لا دخل لنا هذه مسؤولية وزارة المالية التي اعتمدت في الموازنة هذه المخالفة!!!والعجيب أن وزير المالية في ذلك اللقاء بقناة سهيل أكد بأنه لا توظيف جديد في 2013م ، فهل مئات الدرجات الأكاديمية ليست توظيف ...وهل تمويلها لا علاقة له بوزارة المالية ، وقس على ذلك كثير من القضايا في مختلف أجهزة الدولة بإمكان الوزراء والمدراء المحسوبين على اللقاء المشترك تفاديها لكنهم لا يفعلون بل يسيرون على منوال الحكومة التي كان يرأسها مجور...إذن فماذا تغير...والعجيب أنك إن عارضت أي مخالفة وفي أي من أجهزة الدولة سيقال لك من كلا الطرفين نحن في مرحلة وفاق وتوافق!!!
2- وزير آخر في حكومة الوفاق وفي برنامج بصراحة أيضاً في قناة سهيل هو وزير الخدمة المدنية الذي أشار إلى وجود تضخم كبير في الكادر التدريسي بالجامعات الحكومية وتكلم عن ضرورة ربط التعيينات بالاحتياج ..إلخ من الكلام المنطقي...ولكن الأفعال كانت غير ذلك تماماً فالدرجات المعتمدة بصورة عشوائية مرت عبر الوزارة التي يرأسها ، فلماذا تبدد مئات الدرجات الوظيفية دون احتياج...مع علم وزير الخدمة المسبق بتلك المخالفة الجسيمة؟؟؟أليس هو المسئول الأول؟؟ طبعاً إدارات الجامعات ومنذ سنوات تحمل وزارة الخدمة اعتماد مئات الدرجات الاكاديمية دون الرجوع إليهم وأنها تفرض عليهم كأمر واقع لا يجوز التفريط به.
3-إذا ذهبت إلى وزارة التعليم العالي سترى عجباً تجتاح عدد من السفارات الاحتجاجات والتي نجمت عن سؤ التخطيط والمحسوبية ، ومع ذلك تقر الإدارات المختصة هذه الأيام الموافقة على المزيد من منح التخصصات الأدبية التي يمكن دراستها في الداخل ، وكأن لا علاقة لهم بتلك الاحتجاجات ولا بمشكلات الطلاب الدارسين في الخارج ، فبدلاً من إعادة النظر في سياسية الابتعاث نرى تلك العشوائية تسير على قدم وساق ، وكأن احتجاجات الطلاب في الأرض والوزارة في المريخ!!!
ما سبق يمثل نماذج محدودة للإشكاليات التي تعانيها حكومة الوفاق الوطني ودون شك أن لدى المتابع عشرات الأمثلة على مستوى الوزارات والإدارات التي تشرِّع للفساد استناداً إلى مصطلح التوافق السياسي والمبادرة الخليجية والتسوية السياسية...إلخ ، إن تلك الخلطة من المبررات لا يقدمها سوى المستفيدون من بقاء حالة الفساد السياسي والمالي والإداري.. أما عامة الشعب اليمني فما يعنيهم هو زوال الفساد بأشخاصه وأدواته وإن لبست رداء ثورة الشباب الشعبية السلمية...المواطن اليمني لا تستهويه الخلطات التي تعيد إنتاج الاستبداد والفساد بشخوص وأدوات جديدة.
في السبت 02 فبراير-شباط 2013 10:01:44 ص