|
بحسب الرأي القانوني، من أطراف عديدة مختلفة التوجهات، فإن الإجراءات التي مر بها عبدالاله حيدر غير سليمة، لمحاكمته عن طريق الأمن السياسي ناهيك عن كونها متعسفة، وأن التهم الموجهة إليه لا تقنع عاقل ولامجنون، وكان من المفترض أن يحصل على البراءة، فكل ما يقال من مؤسسات وناشطين ونقابات ومنظمات، فإن الأمر قد بلغ حدوداً محرجة لليمن وجارحة لسمعتها، وبحسب ما رأيناه بأعيننا فإن التعاطف الشعبي مع عبدالاله حيدر في تزايد مستمر، وبالأمس، وفي تظاهرة ‘أمام منزل رئيس الجمهورية وقفوا كل المساندين معه، وهناك في الحبس حيث يوجد عبدالاله حيدر تصل الأخبار تباعاً بأنه صامد، يتزايد عزمه وهو يتابع هذا الدعم وهذه الأحداث المقبلة نحوه والجارية لمصلحته.
إن كانت هناك محاسبة قانونية مستحقة لعبدالاله حيدر، فإن طريقها الموضوعي الذي نفهمه ولا نعترض عليه هو عن طريق قانون الصحافة ، وأما قوانين الأمن السياسي، فيعرف العقلاء الواعون أنها جاءت لحماية الدولة بشعبها ودستورها ونظامها، من الخونة والمخربين والجواسيس وما شابه لا من كتاب الرأي، خصوصاً من اليمنيين أبناء هذا الوطن، كائناً من كانوا، ومن الخطير جداً أن يسمح أحد لهذه القوانين بأن تصبح اليوم أداة من أدوات الصراع السياسي، ومن الأخطر السكوت على ذلك، لأنها سكين خطيرة، فإن جرحت الدستور والديمقراطية اليوم وأدمتهما فليس بعيدا أن تصيبهما في مقتل غداً!
موقفي هذا يا عبدالاله حيدر، ليس موافقة على ما تقول أو تكتب، فلي الكثير من الملاحظات والمؤاخذات عليهما، لكنني بالرغم من ذلك أقف في صف الواقفين معك اليوم رافضاً لهذا التعسف في محاكمتك، ودعماً لحقك في الافراج عنك دون شرط أو قيد.
أختلف مع ماتكتبه قليلاً، وأحياناً أخرى، وفي مقالات بعينها، اختلفت معه كثيراً جداً، وغالباً ما رفضت أسلوبه في الكتابة ، إلا أن هذا كله لم يكن ليمنعني من كتابة هذا المقال تضامناً مع عبدالاله حيدر، لأن أمام عيني في هذه الحكاية، وبكل وضوح، أمرين أستطيع التمييز بينهما بكل سهولة
هناك فرق كبير بين أن أختلف مع ما يطرحه كاتب أو صحفي، قليلاً كان ذلك أو كثيراً، بل حتى لو وصل الأمر إلى حد أن أراه قد وقع في أخطاء أو مخالفات يستحق عليها المحاسبة القانونية، وأن أقبل أن يؤخذ هكذا فيتم تعريضه لهذا التعسف الإجرائي في المحاسبة من جراء ذلك!
منذ البدء ووصولاً إلى نهاية المطاف، فعبدالاله ما هو إلا كاتب رأي، مهما بلغت حدة ما يطرحه ومهما كان مخطئاً، هذا إن ثبت ذلك فعلاً، وبالتالي فإن محاكمته عبر جهاز الأمن السياسي والمحكمة المتخصصة على إثر مقالات كتبها ، هو أمر خارج عن كل ما هو مقبول ومعقول، وشرخ بليغ لأسس وأركان الدستور والديمقراطية، بل تقويض لكل ما يُقال ويُفتخر به من حرية التعبير ورحابة الآفاق السياسية عندنا
وهذه دعوة أوجهها لرئيس الجمهورية لأن بيده الأمر، بمعالجة ما يحصل وتصحيح هذا الوضع المشين، فالأمر في تفاعل متزايد، والمنظمات الحقوقية الدولية بدأت تصدر بياناتها المنددة لما يجري، وليس هذا في مصلحة سمعة اليمن، المكلومة أصلاً
إذن، فحسابات من راهنوا على كسر قلم عبدالاله حيدر بهذه الطريقة، وعبر هذا الأسلوب قد أثبتت فشلها وبالدليل القاطع والبرهان الناصع، بل أكثر من ذلك، لعلها قد هبت الرياح عكس ما كانت تهوى أنفسهم وتبتغي خططهم تماماً، فبالأمس أمام منزل الرئيس هادي اجتمعت الأطياف السياسية المختلفة، ووقف الجميع، جنباً إلى جنب في خندق واحد وقوفاً مع حق حيدر في التعبير عن آرائه، بل رأينا بعض من كانوا على خصومة مع عبدالاله حيدر يتسامون فوق خصوماتهم التاريخية، ويحضرون لمناصرته في محنته.
كما أن الأمر الأهم من هذا، هو أن تظاهرة الأمس قد تحولت من الاقتصار على مناصرة عبدالاله، إلى ما هو أبعد، حيث وصلت إلى التأكيد وبهدير غاضب وبصوت عال رفض هذا الشعب لأي محاولة للنيل من كرامته التي يستقيها من الدستور الذي كفل الحريات، والتأكيد على أن الأمة هي مصدر السلطات، وأنها الرقيب الأساس على عمل كل السلطات التي تعمل جميعا لخدمتها، لا العكس، وأن أي تعسف أو خروج لهذه السلطات عن دورها المحدد دستورياً وقانونياً سيواجه وبشدة، سواء من خلال التظاهرات والاعتصامات والفعاليات الشعبية.
تظاهرة الأمس قد أعادت توحيد الناس ولملمة صفوفهم، كما فعلت بالضبط تظاهرات الساحات التي أجبرت الحاكم على الانصياع لما يريده الناس، وقبل ذلك كله جعلت من عبدالاله حيدر، وهو الحبيس في الأغلال في سجون الامن السياسي، بطلاً ورمزاً في عيون كثير من الناس، كان كثير منهم يختلفون معه.
لا أعرف كيف يمكن أن يكون قد خطط جهاز الامن السياسي دون أن يحسب حساباً ولا أن يضعوا احتمالاً، ولو بسيطاً، لأي شيء من هذا الغليان الذي يجري الآن وهذا الجريان في الاتجاه المعاكس تماماً،!
أكتب هذا المقال لمبدأ راسخ لا يتزحزح في داخلي، وهو أني أراني وأرى كل محامي أو ناشط حقوقي أو كاتب من حملة الأقلام في مكان عبدالاله حيدر في يوم من الأيام، وإن سكتُّ، وسكت غيري عن هذا التعسف اليوم، فلن نأمن على أنفسنا في القادم من الأيام أن تدور الدائرة علينا لأي سبب كان فنكون نحن الذين في الحبس، كما أنه، وقبل ذلك، من شرف الخصومة ونبلها أن ما لا أرضاه لنفسي، لا يصح أبداً أن أرضاه لخصمي
أملي أن يتم إصلاح الأمر والإفراج عنه فوراً، وأن يطلق سراح عبدالاله حيدر اليوم قبل الغد، فلا داعي للمكابرة والإصرار على الخطأ، وفي الأخير، أقول لك ياعبدالاله أن غرامك وتوقك للحرية سينقذك ويخفف عذابك.
في الجمعة 27 يوليو-تموز 2012 09:36:03 م