المؤتمر وخيارات المرحلة المقبلة
عبدالرحمن البيل
عبدالرحمن البيل

أرتبط حزب المؤتمر الشعبي العام منذ إنشائه مطلع الثمانينيات بالرئيس السابق علي عبدالله صالح – الرئيس الحالي للحزب ارتباطا وثيقا يقوى بقوة هذا الرجل ويضعف بضعفه ، فإن تعرض صالح لهزات سياسية كالتي حصلت بعد قيام الثورة الشبابية التي اندلعت في اليمن تزامنا مع اندلاع ثورات الربيع العربي في كلا من تونس ومصر وليبيا وسوريا إهتز معه كيان هذا الحزب الذي اعتمد كليا على توجهات صالح وافتقد كثيرا للعمل المؤسسي والقيادات القادرة على أخذ زمام إدارته وفقا للمنهج المتعارف عليه للأحزاب التي تعتمد على برامجها ونخبها وقواعدها في الاستمرار بالعمل السياسي.

ففي الوقت الذي تنحى فيه صالح عن رئاسة الجمهورية مطلع هذا العام لصالح نائبه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام ، تراجع حزب المؤتمر من حزب حاكم متفرد بكل السلطة إلى حزب مشارك في نصف سلطة تبعا لمقتضيات المبادرة الخليجية المدعومة عربيا ودوليا في مسعى لحل الأزمة اليمنية والخروج من مأزق الدخول في حرب بين الفرقاء السياسيين وكنتيجة للثورة الشبابية السلمية .

الرئيس السابق على عبدالله صالح لا زال حتى هذه اللحظة رغم تنحية عن رئاسة الجمهورية يمتلك قوة وسلطة لم تستطع حتى الآن لا المبادرة الخليجية ولا أحزاب اللقاء المشترك ولا الرئيس الحالي هادي من انتزاعها منه و وتنحيته من العمل السياسي و تجريده من القوة العسكرية التي يتحكم فيها عن طريق نجله أحمد علي قائد الحرس الجمهوري الجناح الأقوى في الجيش اليمني والأكثر تسليحا رغم تخليه عن بعض المراكز العسكرية بعد إقالة اثنين من أهم معاونيه قائد المنطقة الجنوبية السابق مهدي مقوله وقائد القوات الجوية على صالح الأحمر أخيه غير الشقيق وبعض القوى الأمنية , وبتلك القوى التي لا تزال في يد صالح فإن المؤتمر الشعبي لا يزال يمتلك أيضا قوة في السلطة يستمدها من قوة صالح ألا أن مثل هذه القوة قد تأول إلى السقوط وهو ما يعني سقوط هذا الحزب وانهياره كليا لسقوط الأعمدة التي يقوم عليها لكنه في الوقت ذاته قد يمتلك في المرحلة الحالية خيارات يمكن ان تبقيه كحزب فاعل ونشط في الساحة السياسية اليمنية مستقبلا أو أن يستمر في خيار صالح الذي يعتبره احد أركان سلطته الحالية والتي قد تؤدي بالنتيجة إلى الانهيار الكلي والى نهاية مأساويه للمؤتمر الشعبي قد تكون أكبر بكثير من تلك التي تعرض لها الحزب الاشتراكي اليمني بعيد حرب صيف 94 م .

وهنا نضع عناوين صغيره لنشوء هذا الحزب والمراحل التي مر بها خلال الفترة الماضية منذ إنشائه في العام 1982م وحتى اليوم ونضع بعض الخيارات التي يمكن أن يقوم بها للبقاء والاستمرار في الحياة السياسية والذي انشأ نتيجة لمقتضيات الظروف التي كانت قائمه حينها والصراع الحزبي الكبير وكذالك الصراع بين شمال اليمن وجنوبه ذو التوجه الاشتراكي والتي كانت السبب في حروب وصراعات كثيرة ومحاولات انقلابيه ضد الرئيس صالح منذ تولية السلطة في العام 1978م حتى بدأ التوافق بين تلك الأحزاب والرئيس صالح والانفراج السياسي بين الشمال والجنوب والتي أفضت إلى التوافق على قيام هذا الكيان الذي أطلق عليه المؤتمر الشعبي العام تحت رئاسة الرئيس السابق او المخلوع كما يطلق عليه البعض علي عبدالله صالح وبتوافق كل القوى السياسية والحزبية في اليمن والانضواء تحت مظلته وتجريم الحزبية فكان كيان انشأ على توافق لكنه لم يكن القائد أو المساهم في بناء اليمن وتوجيه سياساته ، بل استطاع صالح أن يجعل منه مؤسسه اعتبارية غير نافذة تحت توجهاته وليست هي التي تضع خيارات العمل السياسي في اليمن .

وبعد قيام الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م وإعلان الدستور الجديد للجمهورية الناشئة والتي قامت على التعددية الحزبية أعلن عن قيام الأحزاب والتنظيمات السياسية وأدى ذلك إلى عودة الأحزاب وافتراق الكثير من قيادتها عن المؤتمر الشعبي العام وعودتها إلى أحزابها الأصلية وأعلن الرئيس صالح حينها عن حزب المؤتمر الشعبي الذي تقاسم السلطة مع الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب ليقودا معا الفترة الانتقالية التي امتدت لعامين ونصف والتي أعقبها في العام 1993م أول انتخابات تعددية في اليمن لاختيار أول برلمان يمني منتخب بعد قيام الوحدة وأسفرت نتائجها عن بروز حزب الإصلاح ذو التوجه الإسلامي الذي حصل على المركز الثاني في عدد مقاعد البرلمان بعد حزب الرئيس صالح وتراجع الحزب الاشتراكي اليمني إلى المركز الثالث والدخول مع حزب المؤتمر والإصلاح في حكومة ائتلافية ثلاثيه لم تلبث أن استمرت وقتا طويلا من الزمن مع تصاعد الخلافات بين الرئيس صالح ونائبه حينها الأمين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض وتوتر الحياة السياسية في اليمن والتي كان نتاجها حرب أهلية في صيف 1994م كان نتيجتها انتصار صالح وحليفه الإصلاح والقضاء على القوة العسكرية التي كان يمتلكها الحزب الاشتراكي اليمني وإضعافه وهروب قياداته خارج البلاد وكنتيجة للتحالف بين الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي تقاسما السلطة التي أصبح صالح يتحكم في كل مفاصلها وعمل على تلويث الحياة السياسية في اليمن من خلال التعديلات الدستورية المتكررة التي أدت إلى استمراره في الحكم فترات أطول وتمكنه من حصد مقاعد مجلس النواب في الانتخابات بحكم سلطته التي جرت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وكذالك الانتخابات الرئاسية التي كان الفائز فيها الرئيس صالح وتولية أقربائه أهم المراكز العسكرية في الجيش وتزايد الخلاف بينه وبين الإصلاح الذي خرج من السلطة تاركا السلطة كليا لصالح وحزب المؤتمر الشعبي العام .

لكن الخلافات التي أزكاها صالح بتفرده بالسلطة والتحايل على كثير من القوانين والتلاعب ببنود الدستور والتي أدت إلى تحالف حزب الإصلاح مع الحزب الاشتراكي اليمني والأحزاب الأخرى الموجودة في الساحة وتشكيل ما يعرف حاليا بأحزاب اللقاء المشترك ، والدخول في صراعات سياسية وحوارات مع حزب المؤتمر الشعبي العام متكررة للوصول إلى حل يقود إلى إجراء انتخابات برلمانيه جديدة والتي كانت تصل إلى طريق مسدود تقف حائلا بين إجراء انتخابات جديدة مما أسفر عن تمديد فترة مجلس النواب الحالي الذي يسيطر عليه حزب المؤتمر لأكثر من مره إلى أن قامت الثورة الشبابية السلمية التي طالبت بتنحي الرئيس صالح وجميع أفراد آسرته المسيطرين على الجيش وأتباعه من الحياة السياسية وترك السلطة والتي أنظم لها أحزاب اللقاء المشترك وتصدرتها وأفضت بعد تدخل دولي إلى التوقيع على المبادرة الخليجية التي تفضي بتسليم صالح رئاسة الجمهورية إلى نائبه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي .

وتعرض صالح لهزات كبيره ومدوية من خلال تلك الثورة وبعد الاعتداءات التي تعرض لها شباب الثورة التي قامت في جميع المدن اليمنية الرئيسية تقريبا على ايدي السلطات الأمنية وبعض الوحدات العسكرية الموالية لصالح وأدى إلى استشهاد عدد كبير من أبنائها وانضمام الكثير من القيادات القبلية وبعض قادة الجيش إليها وأدى ذلك إلى أضعاف الرئيس صالح الذي تعرض أيضا لعملية تفجير كبيره في مسجد جامع دار الرئاسة والتي أدت إلى إصابته أصابه بالغة وخروجه للعلاج خارج اليمن لفترة زادت عن شهرين تمكن خلالها من الحفاظ على بقائه في السلطة من خلال القيادات العسكرية الموالية له وعلى رأسها نجله قائد الحرس الجمهوري وكذلك ضعف أحزاب اللقاء المشترك وتمكنها من السيطرة على السلطة .

لم يكن صالح قادر على الاستمرار في قيادة البلاد بعد عودته فتره أكثر من الزمن بعد انقسام الجيش بين موالي له وموالي للثورة وفي ظل الضغوط الدولية المتزايدة عليه ليخرج من السلطة بعد توقيعه على المبادرة الخليجية وصعود نائبه عبدربه منصور هادي للسلطة خلفا له .

لكن نفس تلك القوة التي حافظت على استمراره رئيسا للبلاد خلال خروجه للعلاج وبعد عودته لأشهر لا زالت هي التي تعطي لصالح الذي يقود حزب المؤتمر الشعبي العام أياد طويلة في السلطة والتأثير على مجريات الأمور في اليمن والتي تساعدها أيضا ضعف الرئيس هادي وتأنيه في اتخاذ قرارات حاسمة تنهي أي قوة للرئيس صالح والتي حتما لن تدوم طويلا فخيارات صالح محدودة وعودته للسلطة الكلية أصبحت شبه مستحيلة أو تولي نجله للرئاسة .

لكن حزبه حزب المؤتمر الشعبي العام يمتلك خيارات قد تمكنه من البقاء كحزب سياسي فاعل في اليمن وحلحلة الجمود السياسي فيها والمساهمة في التغيير الذي قامت من اجله الثورة الشبابية السلمية في اليمن من خلال إعادة تشكيل قيادته وتبنيه وقيادته لمبادرة تفضي إلى حل البرلمان وتشكيل حكومة كفاءات وإصلاح النظام الانتخابي وهو الأقدر على القيام بها في المرحلة الحالية من خلال سيطرته على أغلبية مقاعد البرلمان ونصف السلطة والطرف المفاوض مع أحزاب اللقاء المشترك ويتولى أمينه العام منصب رئيس الجمهورية قبل أن يجد نفسه فاقدا لكل تلك الامتيازات إذا ما قامت قياداته بالتخلي الفعلي عن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وإعادة ترتيب أوراقه وقياداته والدخول في حوار بناء يعيد لليمن أمنه واستقراره وتمكن الرئيس هادي من اتخاذ قرارات مهمة وأساسية لتحييد الجيش اليمني عن الصراعات السياسية ونزع سلطة صالح من تلك المؤسسة الهامة والفاعلة في الواقع اليمني والاعتماد على تلك المبادرة مبادرة حزب المؤتمر الشعبي العام التي إن قام بها فستخرج اليمن من مشكلاته الكبيرة ومن التوتر السياسي والعسكري ومن المشاكل الاقتصادية وتعيد له أمنه واستقراره على يد هذا الحزب الذي ان فقد مع هذه المبادرة بعض امتيازاته لكنه لن يسخرها كلها بالتأكيد وبالتأكيد سيستطيع الحصول على مكافئه مجزيه من الشعب اليمني تتمثل في دعم هذا الحزب الذي يمتلك وثيقة الميثاق الوطني التي تحالفت القوى السياسية على وضعها أثناء قيامه وانضوت تحتها ليكون هو في ذلك الوقت المكان الذي أنهى الكثير من مشاكل اليمن فهل يستطيع ان ينهيها الآن ؟.

وفيما لو استمر المؤتمر الشعبي معتمدا على سياسات رئيسه على عبدالله صالح فإنه إن سقط لن يضعف كما كان الحال مع الحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب صيف عام 1994م لكنه سينهار كليا ولن يكون له وجود يذكر أو تأثير في الساحة السياسية اليمنية بعد انهيار سلطة صالح التي يعتمد الاثنان حاليا على وجودهما من خلالها في السلطة .

ورغم ان معظم المؤشرات تشير إلى تمسك هذا الحزب بخيار الرئيس صالح إلا إن دعوة قيادات هذا الحزب إلى التفكير وعلى رأسهم الرئيس عبدربه منصور هادي المطالب بالقيام بأدوار كبرى هو أحوج ما يكون لها تفضي إلى التفاف قيادات المؤتمر حوله للخروج بهذا الحزب من هاوية السقوط إلى بر الأمان لا زالت قائمه لكنه خيار لا يحتمل التأجيل لفترة أطول وللمراوغة أكثر وأمام هذا الحزب خيارات إما اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وإما انتظار المجهول والذي بالتأكيد لن يكون لا في صالح المؤتمر ولا في صالح اليمن ... لكن السؤال الأهم والأكثر إلحاحا هو هل تمتلك قيادات المؤتمر الشعبي المعتدلة والقليلة أيضا القوة والإرادة لفعل الصواب في المرحلة الراهنة هل يمكن ان يفضي تحالف بين الرئيس هادي وبعض قيادات المؤتمر كالدكتور عبدالكريم الإرياني الذي يشغل منصب رئيس المؤتمر الشعبي العام وغيرهم إلى إنقاذ المؤتمر وقيادة عملية التغيير في اليمن لضمان ترتيب البيت اليمني وفقا لقواعد الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة سؤال يبقى جوابه مخفيا لكن ظهوره ومعرفته لن يدوم طويلا.


في الخميس 26 يوليو-تموز 2012 10:17:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=16656