|
لا أدري السر وراء هذه الغفلة ويعز عليَ القول "اللامبالاة " تجاه المعتقلين من شباب الثورة في سجون نظام صالح ، نعم نظام صالح على الأرض لا كما قيل لنا بقايا النظام .
ومفهوم " النظام " لدى الوعي العام المحلي والعربي ينصرف للأمني الصرف ومن هذه الدائرة تتجه المسارات .
فهل بدى نظام صالح على ضوئها أنه تآكل فصار بقايا طلل ، أم تآكل غيره ،وهل صار فعلا مخلوعا أم شُبِّه علينا ؟
تغلبني الحقيقة كما هي ، وتستحي عيناي عندما تلتقي بعيني بُرعم ثائر من هذا الربيع ، والدهشة تكسي صفحات وجهه الندي ، وتتساءل عيناه بصمت ، أين نحن الآن مذ إنطلقنا وقد كلّ الخطو ، وهل حقا كما قيل اقتربنا ، أم حالنا نراوح في المحل ؟ وفي أي سجن لصالح يُعذب علي المطاع ، أو يُكوى جلده العرامي ، وعلى اي جنب طُرح السلامي ، وبأي آلة نزعت أظافر محمد الباشا ، وما حال علي قناف ، ولهف نفسي على حسن الهجري، وهل بُترت طرفه فلان ، ....وفلان وفلان ...
****************
كأننا عشنا وهما أسميناه المخلوع ، وما هو بمخلوع ، بل المخلوع هو كتف هذا وذك من معتقلي الشباب ، وهذا البرُج وذك من أبراج الكهرباء ، والمحصلة كتف الشعب كله لا كتف صالح من خُلع ..
بقايا النظام ، الرئيس المخلوع .... نكتة سمجة تداولناها ، وخديعة كبرى التفّت علينا على حين نشوة .
كان يُفترض أن يُطلق سراح المعتقلين منذ اليوم الأول للمبادرة ، وأن يُعاد لهم الاعتبار ، وأن يُحال للتحقيق والجزاء كل من سامهم العنت وتجاوز في حقهم القانون ، ومتاح أمامنا أوراق فاعلة في هذا السبيل .
الحق أن نظام صالح ما زال هو ، والذي حدث قليل من الرتوش للتتويه والتمويه ، والمقياس عندي وفي مقابلة من يعارضني هو شباب الثورة المعتقل ، والذي لا زال أمره مجهول ....جريرته الساحات ، والصيحة ، والاعتصام ..هذا واحد من المقاييس الهامة ، ومن خلاله يتم تشخيص الحالة الصحية لما نسميه نظام المخلوع .
استمرار اعتقال الثوار على هذا النحو وهذا المدى يمس شرف الثورة ، ويعكس حالها من القوة على الارض والواقع ، وهو من جهة أخرى يمس النسق الأخلاقي إن كان الوسع متاح ....بيد أن فاعليته أخذتها مسارب أخرى بعضها ليس على هذا النحو من الأهمية .
في تونس أطلقت الثورة السياسيين والمعتقلين منذ أشرقت ، وفي مصر وليبيا فُكت الاغلال عن الشباب في البُكور .
ولدى الثورة الحكيمة التي نتغنى بها ونفاخر ، ونكابر ، لا علم لأحد عنهم ، وأينهم ؟
وهل تحت سياط أحمد يرفلون ، أم عند ابتكارات جيفارا من فنون الـتعذيب غارقون ؟
يؤسفني القول أن المواطن اليمني مازال غائبا ، وتائها ، وقيمته ما زالت في خانة " لا يُؤبه له " .
طباع سقاناها صالح ، ثم إرثا ....نعوذ بالله أن نتوارثه .
كل أسير أو معتقل في الدنيا يجن له قومه ، ويسهد له كرامهم ، وما أعظم الموقف الكويتي حكومة وشعبا الذي لم يكل أو يمل وقد ملأ أسماع الدنيا وأصقاعها بشأن معتقليه لدى صدام .
وأعظم منه شعب فلسطين .....
إلا نحن في اليمن ، كأن مشاعرنا ثلج ، وقلوبنا حجر .
أليسوا كما الآخرين أسرى ...؟
إن لم ترقك هذه فسمهم إن شئت معتقلين ، أو مختطفين ..المهم في الأمر إهتز قليلا ، واتق الله في براعم الربيع ، وفجرنا الندي .
أليست الآلام والمعاناة واحدة لدى المعتقل في تل أبيب وصاحبه هنا ..؟.
لا اقبل غير هذه ...إلا إذا أثبتَّ لي أن الجدران غير الجدران ، والألم غير الألم، والحزن غير الحزن ، وأدوات التعذيب تختلف ..
بل لعل التعذيب هنا أشد ، والمعاناة أبلغ ، فهناك الصليب الأحمر ، والحقائق مكشوفة ، ولدى سلطات التعذيب عندهم شيء من قيم الإنسان .
***************
ألوم الثورة وأتهمها بالتقصير ، وقد كان باستطاعة شباب الساحات أن يُجيشوا المليونيات ، ويشغلوا الشوارع والمؤسسات ، فلا هدوء ولا أن يستريح أحد ، حتى يُطلق الشباب المعتقل ..وهذا مطلب إنساني يتعزز بقيم الإنسانية ، وتوافقه تقاليد وتشريعات المجتمع الدولي .
وألوم وأوبخ الأغلبية الفاعلة اليوم في مجلس النواب ...ما لها تائهة عن هذا الأمر ، وهل لو كان لأحدهم معتقل ..أكان حاله هكذا في الاريحية ؟
لماذا لم تتشكل لجنة وتتحرك أخرى..؟
واللوم على حكومة التوافق ...أليست هذه قضية تُعد حيوية ، وتستحق ان تكون في قائمة العاجل ؟
وكم أتمنى على الحرة النجيبة والمنتصبة كالهرم السيدة / حورية مشهور أن تسجل موقفا ستظل تذكر عليه إن قدمت استقالتها لأجل هذا .
وعيب على غالب القمش الذي يُذكر دائما لفضله ووطنيته أن يكون قد فتح جهازه معتقلات لهذا الشباب المتفتح النقي .
أما الرئيس هادي حفظه الله ومده بالتوفيق فنعفيه من اللوم حتى يصله عجز أولئك وغفلتهم حيث اختصاصهم والمدى يقترب من وسعهم ، فإن بلغه فهو المعني ، والامر في رقبته عند الله يوم القيامة ، ثم عند الشهود من الخلق اليوم .
الظلم الف جزء وجزء ، وأعظمه وأشده جزء آخر كأنه كله عندما يقع على كريم بريء يُجبر على ان ينحني عند غياهيب معتقل ، يعد الدقائق والساعات والأيام ، يرسمها خطوطا على جسده ، وينقشها على الجدر ..تنزف كرامته كل يوم على يدي مُعتل سليط لا تعدل قيمته شراك نعله ، وتُشوى روحه بالنقيصة منهم قبل أن يشوي السوط والكهرباء جسده ...
ومن ورائه هناك أمُهُ (والدته ) تفوقه هما ً وعذاب وتزيد بجسد يتهاوى ومفاصل تشعر كل يوم بها تتفكك ..
وإلى قربها زوجة شابة شاردة كالغزال ما زالت في المقتبل ثاويه عند قدمي عجوز ، واجمة تنظر الى هناك ، إلى حيث لا ترى ، يُنادى عليها ويُنادى فلا تحس الا بوكزة قدم ، تُحرق كبدها الآه تتلو الآه ، ودموعا ساخنة ، قد ذبل معها كل شيء ، واستحال الى صفرة .
أجزم وفي قلبي احتراق .....أن السبب وراء هذا الركود الثوري ، وانتعاشة صالح ونظامه في أكثر من معطى وحيله مرده فتية أطهار كرام المعشر أيقظونا وحركونا وبعثوا فينا قيم الحياة ومعاني العزة ، استبقونا بصدورهم ، وأبقوا على حياتنا بدمائهم ...ثم نسيناهم ..
ليس الوجع على من ارتفع منهم شهيدا ،فالقلب منشرح لمقامه هناك ، إنما الوجع والهم والغم تجاه من وقع في القهر معتقلا ، رغم أن له عند الله الحسنى والمثوبة ..لكن ثمة كتمة شديدة عنده وعند صحبه وذويه ولدينا جميعا..
لن ينجلي الغبار ، ويصفو الفضاء ، وتنقشع الغمة بانتصار أبدا مادام وراء الغياهب مظلوم ولدينا مقدار ما من الوسع لم نصل به إليه .
الواقع أنه ما زال الجهاز الأمني في مجمله يمسك بخيوطه من ننعته بالمخلوع ، وما زالت معظم المفاصل والمتكآت يجمعها صالح .
في الثلاثاء 26 يونيو-حزيران 2012 04:16:47 م