جعار وزنجبار !
وليد جحزر
وليد جحزر

في المكان الذي يغيب فيه شكل الدولة أكثر ، تتهيأ ظروف الخراب ، على نحو غير مسبوق ، وفي عديد مدن يمنية غابت الخدمات عن الناس فوجدت عصابات الموت والفراغ بيئة خصبة لبث السموم والعبث بمصائر الأبرياء .

وفي مدينتا جعار وزنجبار حاضرتا محافظة ابين اختفت الدولة بشكلها المنطقي وهيبة تأثيرها منذ زمن اي قبل الثورة السلمية بسنوات ، فتحولت المدينتين الى مرتع للفشل ، لمست ذلك قبل 12 عاما ، حين قضيت في العام 2000م مدة عام متنقلا بين هاتين المدينتين في تجربة إحياء مشروع تجاري صغير لأحد أقربائي كان مصيره الفشل والموت المبكر ايضا .

كانت مدينة زنجبار مليئة بالصمت والهدوء وكأنها تخبيء في بواطنها شيء غامض يستحق الترقب وزنجبار هي العاصمة لأبين حد تعبير أبنائها ، كونها تحوي مركز المحافظة ولم يكن يوجد بها سوى شارعان مسفلتان فقط ، على شكل زاوية حادة ، ينتهي ركن الزاوية بالمسجد الكبير الذي بنته الأيادي البيضاء لمجموعة شركات المرحوم هائل سعيد انعم يقابله جامع المدينة القديم ، وهما اللذان تعرضا للهدم في المواجهات الأخيرة قبل احكام جماعة المجاهدين السيطرة الرسمية على المدينة خلال عام الثورات العربية ، في المقابل يأخذك طريق فرعي ترابي الى محكمة المدينة ، وينتهي الشارع التالي نحو اليسار بالسوق الشعبي المفتوح على جانبي الطريق والمليء بالعربات والباعة الذين لايحبذون الصراخ في مناداة الزبائن ، ويمتد هذا الطريق باتجاه مديرية شقرة نحو البحر ، وعلى الطرف الايسر منه ترتص حافلات نقل الأجرة الاكثر ازدحاما بالركاب الباحثين عن مقعد فارغ يقلهم الى مدينة عدن ، وبالمناسبة فان عدن هي ملاذ سكان زنجبار لجلب الحاجيات والنواقص بالنسبة للأثاث والتمويلات الكبيرة وهي خيار اول للاسعافات الصحية نظرا لغياب الرعاية الطبية اللازمة .

وفي المدينة يوجد ملعب وحيد كان مشبع بالإهمال ، وهو استاد كروي قديم فاخر به الرفاق خلال حقبة بنائه في عهد الرئيس طيب الذكر علي ناصر العام 86م ، ثم أكل الدهر عليه وشرب لكنه كان حفيا بكل الفرق الكروية التي تأتي اليه لملاقاة نادي حسان ايام مجده ، كما ان مشجعي حسان وبقية اندية ابين عاشوا في هذا الملعب ذكريات كروية لايمكن محوها من الذاكرة وقد تعرض الملعب للقصف في غارة جوية استهدفت ارهابيين وفق تقارير صحافية أواخر العام الفائت .

وسكان مدينة زنجبار يعشقون كرة القدم حد الجنون الشبان والاطفال على وجه التحديد ، وهم يلعبونها في كل الأوقات دون سابق انذار ، يمتد هذا العشق على امتداد قرى زنجبار باتجاه شاطئء ابين مرورا بقرى بيت أحمد ووصولا لقرية بيت سالم بمحاذاة الساحل ، 

ويكثر في المدينة تنظيم الدورات الكروية بين فرق الحواري والفرق الأهلية التابعة للأندية ، ولم يكن هناك اي أثر لتنظيم القاعدة ، وكان الناس رغم فقرهم المدقع والشديد راضون بحياتهم ومنتضرون لفرج عودة مشروع الدولة وتخليص أبناء هذه المدينة العتيقة من البطالة .

وكان ابناء مدينة زنجبار يفكرون باحتراف كرة القدم بجدية باعتبارها خيار افضل للشهرة والمال ، لذلك خرج من هذه المدينه نماذج للاعبين في الاندية والمنتخبات مثل العولقي ومعاذ عبدالخالق واشرف محسن وجياب باشافعي وجواد بامحيسون وسالم عوض ، وتمتاز اليمن بالتنوع فيمكن اعتبار زنجبار وجعار منجم كرة القدم في اليمن كما يمكن اعتبار زرانيق تهامة خامات لالعاب القوى لكنهم خارج الاهتمام في الوقت الراهن .

وفي زنجبار مسبح دولي أصبح مقلب لقمامة المدينة كما ان الطريق المؤديه اليه اندثرت ، واصبحت من الماضي .

وتمتليء المدينة بالدكاكين القديمة ذات الطابق الواحد ، وهي مدينة ارهقت بالصراعات ولم تمتد اليها يد الاستثمار او مشاريع الدولة حتى تجار المرابحات الصغيرة يترددون في البقاء بها ، باستثناء تمويلات المواد الغذائية لتجار يافع والحد ورداع الذين يوفرون حاجيات السكان من " راشان " بلهجة ابناء زنجبار عبر " بخارات " ومخازن قديمة يكثر الاقبال عليها قبل موسم رمضان او الاعياد .ولااعتقد ان هناك تغير جوهري خلال العقد الفائت .

ولايوجد في زنجبار مكان للترفيه باستثناء حديقة عتيقة صدئت العابها ، ومحلات البلاي ستيشن هي قبلة الشبان الذين يعشقون لعب كرة القدم " مونديال" حتى على اجهزة الالعاب الالكترونية وهم يقيمون دورات تحدي ايضا في محلات الالعاب وتحضى بتشجيع صاخب ، ويعاني سكان المدينة من مشاكل مؤسفة في توصيلات المياه والصرف الصحي ، اما الكهرباء فقد اخذت نصيبها منه كباقي محافظات الجمهورية .

ولاتختلف جعار عن مدينة زنجبار كثيرا من حيث الشكل العام وهي تقع اسفل سلسلة جبلية في سهل منبسط ، وتبدو جعار مزدحمة اكثر بالسكان يتضح ذلك من خلال حركة السوق الرئيسي بها وتداخل الشوارع الفرعية وازدحام عربات النقل التقليدية والحديثة ، وهي تبدو كقرية كبيرة نمت على نحو مفاجيء فتحولت لمركز جذب لسكان الارياف المجاورة .

وتمتاز جعار بحركة اقتصادية اكبر ، وسكانها يحبون المسامرات الليلية فتجدهم يتجمعون على الارصفة الجانبية الضيقة في حلقات ، ويربطون اقدامهم الى خلف ظهورهم وينشغلون بلعب الورق او حجر الدومينو في تحدي يومي لاينتهي ، والمراقب للمشهد العام في المدينتين يلحظ غياب اي خطاب أصولي او سيطرة دينية متشددة ، وفي هاتين المدينتين مايمكنك من التوغل في شكل اليمن القديم ببساطة الانسان وعمق التواصل بين بيوته الطيبة .

وكان السكان يتحدثون في حينه عن دور معسكر العمالقة الذي اسهم في سيطرة قوات صالح في حرب 94م على ابين قبل الدخول الى عدن ، بالتعاون مع قوات شعبية منتمية الى مديريات ابين .

ويثير بسط قوات جهادية سيطرتها على هاتين المدينتين الكثير من التساؤلات المحيرة على اعتبار ان الاطلالة السابقة ، كمدخل على واقع الوقوف على المدينيتن يكشف صعوبة ارتباط اهل وسكان جعار وزنجبار بدلالات العنف والقوة والبطش والنزول عند رغبة وسيطرة اي قاعدة جهادية،كما ان تغول الجماعات الجهادية في هاتين المدينيتن أمر يثير الشك بوجود تواطؤ من نوع ما .

والمراقب للمعارك التي تدور رحاها في هاتين المدينتين يصاب بالفزع من آلة المقاومة التي يواجهها جيشنا النظامي كما ان شكل المدينة وتخطيطها الهش ، يثير الشفقة حيال خبر من نوع ان قوات الجيش سيطرت على الجهة الشرقية من المدينة او الغربية اومداخلها ، او انها تراجعت نحو 2 كيلومتر للخلف ، لأن العارف ببواطن ومساحة هاتين المدينتين يدرك جيدا ان مسميات الجهات خلال المعارك على تلك الارض يعد من قبيل المبالغة او التكتيك للحفاظ على الارواح فقط لان امر استعادة السيطرة لاتستدعي كل هذه المحاذير .

ان اعادة جعار وزنجبار الى حاضنة الدولة اليمنية يحتاج الى جهود انماء وتنمية بالمقام الاول ، كما ان رائحة البارود التي توزعت في الأرجاء هناك تدعو كافة اليمنيين للوقوف صفا واحدا لتخليص ابناء هاتين المدينتين من المعاناة والقتل بالخطأ ، كونهم أبرياء وانقياء وليس لهم ذنب سوى انهم تركوا ليواجهوا مصير الموت بمفردهم .

ان ابناء ابين هم ابناء جلدتنا وهم يمنيون طيبون المعشر ويحبون الحياة فلا يحق لنا ان نسكت طوال هذه المدة ونحن نرقب الجماعات الظلامية وهي تعبث بمصائرهم بالتواطؤ مع شحصيات جبانة فقدت معنى الانتماء لليمن ، ولعل عمليات الجيش الموسعة هي الخطوة الاولى لإعادة الناس الى بيوتهم وحياتهم الدافئة واستئصال شأفة الإرهاب بالتنمية والبناء والى الأبد .


في الأحد 03 يونيو-حزيران 2012 05:12:35 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=15873