عن الإرهاب والرغبة المتزايدة في إذلال القبائل اليمنية
رشيد عون الشويع
رشيد عون الشويع

مع اندلاع الثورة الشبابية الشعبية مطلع العام الماضي، كان ناشطون سياسيون وحزبيون يجوبون تضاريس ما حول صنعاء ويلتقون رجالات القبائل بحثاً عن إجابة لاستفسار هام في مسار الثورة يتمثل في مدى قدرة القبائل على منع قوات صالح المتمركزة في محيط صنعاء من دخول العاصمة.

مُنحت القبائل أربعاً وعشرين ساعة للرد، خلال الست الساعات الأولى منها أعلن رجال القبائل المتمنطقون بعادات العرب في نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، استعدادهم للمهمة النبيلة التي تقتضي تطويق خاصرة الديكتاتور والحد من خيارات العنف المتناسلة لديه بلا توقف.

ستخسر هذه القبائل سكينتها العامة.. سيموت جزء كبير من رجالها ونسائها وأطفالها، لكنها ستطوق مشروع العنف الأوسع والأشد وطأة على حياة اليمنيين لو سمحت بتدفق السلاح الأكثر فتكاً وحداثة صوب صنعاء حيث كابوس الثورة الشبابية الشعبية يطارد الديكتاتور ويقض مضجعه عن قرب.

بالتأكيد لم يطلب رجال القبائل قبل موقفهم الإنساني إذن السيد جيرالد فايرستاين سفير واشنطن المنزعج من إسقاط النظام منذ انطلاق الثورة وحتى اللحظة، ولم تدق أياديهم البيضاء أبواب أي من السفارات الأخرى عربية كانت أو للأوربيين الأقل انزعاجا من نظيرهم الأمريكي حيال التغيير والأكثر رغبة في التعاطي مع يمن جديد يسوده القانون لا الفوضى الخلاقة.

لم يطلبوا الإذن من أحد ومثلهم صنع الشيخ صادق الأحمر وهو يتهادى بعفويته وصدق مسعاه صوب ساحة التغيير معلناً تأييد حاشد كبرى القبائل اليمنية للثورة.

انزعاج ورغبة في التأديب!

اعتقد أن مثل هذه المواقف أصابت كثيرين في الداخل والخارج أبرزهم فايرستاين أمريكا بصداع حاد داخل أروقة سفارته المطلة على ساحة التغيير الهادرة يومها بإسقاط حليفه المفضل الذي أحال اليمن الى جغرافية خصبة للاتجار بغول الإرهاب المفزع للشعوب الغربية المنهمكة في تحريك آلات الأرستقراطيين الجدد والغير مدركة لدور هذه الإمبراطوريات الرأسمالية المتماهي مع الديكتاتوريات العربية في استثمار الإرهاب وتضخيم الكيان الوهمي للقاعدة بنية إفزاع الشعوب ودق طبول الحرب على الوهم لتحقيق أهدافهم القذرة في السيطرة على ثروات الشعوب.

أعتقد أن قرار العمل على تأديب القبائل المؤيدة للثورة اتخذ يومها وأصبح واقعاً على الأرض منذ غزوة الحصبة وكل راغب يؤدي دوره في الموضوع لتنفيذ الهدف اللاانساني الذي تنخرط فيه ما يمكن وصفه بشبكة بلطجة محلية ودولية.

تحالف واسع

تطول قائمة السعي لمحاولات إذلال القبائل المؤيدة للثورة لتشمل ابتداء الإمبراطوريات المالية الممسكة في معظم الأحيان بتلابيب القرار الأمريكي والدولي والساعية لإفشال ما حالفه الصواب من تلك القرارات خدمة لمصالحها لا مصالح الشعوب.

تفزع هذه الإمبراطوريات الممتدة شرقاً وغرباً جاثمة على ثروات الشعوب وهي تشاهد تبلور يمن جديد في هذه الجغرافية الحساسة من العالم بشكل سيفضي حتماً إلى إنتاج نُظم ديمقراطية تستند على مشروعية شعبية حقيقية لا يمنح تلابيب القوة فيها سوى الشعب وتتغلب خلالها عملية التنمية الوطنية على ما سواها من مصالح غير المشروعة لاسيما الاتجار بالسكينة العامة للأوطان.

 يليهم الأسرة التي يتلاشى عهد ملكها المشئوم اليوم وهي تعجز عن توفير وجبة الأرز الناشفة ليمنيين طوقتهم مؤسسات الديكتاتور عن مجرد التفكير بإمكانية مغادرته حياتهم لينخرطوا في خيام التحرير المتمسكة ببقائه.

 نعتقد أن رغبة الأسرة في الانتقام تتحول إلى أداة بيد المفزوع الأول من الثورة والراغب في إذلال مؤيديها لا سيما القبائل والجيش.

 ألا تلاحظون توسع تمادي الرئيس السابق صالح وأسرته في التمرد على قرارات الرئيس هادي عقب زيارة فايرستاين -المفزوع من الهيكلة - للأول بحجة إقناعه على تقبل القرارات!

على امتداد فترة الثورة اليمنية أصيب فايرستاين بالوجل من الحديث عن رحيل صالح وعائلته المحاربة للإرهاب غير أن الفرصة الجادة التي يبديها الرئيس هادي اليوم لمحاربة الإرهاب باعتبار الأمر واجب ديني ووطني لم تنجح في فتح شهية جيرالد فايرستاين المحارب للإرهاب فقط على طريقة حليفه السابق.

في سبيل تعزيز فرص بقاء الديكتاتور المطوق بإنسانية القبائل، كان على فايرستاين أن يغض الطرف عن استعداد قوات مكافحة الإرهاب الممولة من بلده لتنفيذ غزوة الحصبة التي لم تنجح في القبض على الشيخ الأحمر وإخوانه بل كشفت سوءة فايرستاين المحارب للإرهاب والصامت عن تحول مهمة مكافحته صوب مكافحة القبائل المؤيدة للثورة.

لعل غزوة الحصبة وتمنع نجل الديكتاتور وابن أخيه عن إرسال قوات مكافحة الإرهاب لمواجهة أدواتهم الإرهابية في أبين رافضين أوامر الرئيس هادي القاضية بذلك توحي بكون الجنرال السفير فايرستاين لا يحارب الإرهاب بقدر ما ينتقم من خلال حلفائه المنزعج على تهديد الهيكلة لمواقعهم العسكرية من القبائل المؤيدة لثورة اليمن السلمية التي يقول المراقبون أنها المصل الوحيد القاضي على كافة نزعات العنف والتطرف الممولة من قصر حليفه البائد.

الأمر يعكس أيضاً الرغبة في تأديب القبائل الجنوبية التي واجهت أنصار الشريعة "أنصار صالح" بشراسة وألوية الجيش اليمني التي رفضت تسليم عتادها للمتشددين وهؤلاء جميعاً يدفعون ثمن إفشالهم للفوضى الخلاقة التي كانت بمثابة مسرحية تبرير قدوم المارينز لحماية أمن أهم الممرات المائية.

اليمنيون ليسوا أغبياء حد عدم إدراك ذلك ولا بحاجة إلى خبراء أمريكيين لمواجهة القاعدة في ظل الأنباء القائلة بأن نخبة خبراء مكافحة الإرهاب اليمنيين المؤهلين من قبل العم سام يدربون عناصر الحوثي على احتراف قتل اليمنيين تحت شعار الموت واللعنة لأمريكا وإسرائيل.

محترفي القتل والعنصريين

يعقب الأسرة أصحاب المشاريع المنتهية الصلاحية القاضية بفرز المواطنين إلى أسياد وعبيد، الآخرين منهم مجرد أدوات لتنفيذ رغبة السيد المراهق والمتكئ لمشروعية غامضة منحته إياها السماء، وتحت شعار الموت لأمريكا – الغير مزعج وربما المحبب لمسمع فايرستاين كونه موتُ لا يحصد سوى حياة البسطاء من اليمنيين – يتسع عنف هؤلاء المقربين من أسرة الديكتاتور التي منحتهم حروبها العبثية فرصة التوسع الغير مشروع لتفجعهم الثورة بإسقاط لعبتهم المشئومة.

 تولدت لدى الحوثيين باعتبارهم واجهة المشروع الرغبة الجامحة في تأديب القبائل التي لم تشارك فقط في إسقاط الديكتاتور كمظلة لتوسعهم إنما أفشلت بتطويق قوة الديكتاتور شهيتهم المفتوحة لتحويل اليمن إلى ساحة للعنف يتقنون الحضور المتعدد الصور من خلالها ويُتاجرون بدماء ضحاياها مثبتين للمفزوع الأول نجاحهم الفائق في القدرة على بناء مداميك الفوضى الخلاقة داخل اليمن ناهيك عن استعدادهم مقابل حزم الدولارات للضرب هنا وهناك كلما تعرقلت أياً من استراتيجيات سيطرة أباطرة المال والأعمال، خصوصاً كونهم يشعرون بفشل أدائهم السياسي مقارنة بما يتصورون من نجاحاتهم العسكرية في خضم وفرة السلاح الرسمي والضحايا المغفلين القادمين لقتال أمريكا واسرائل في حجة أو الجوف وسابقاً في صعدة.

يُطرب هؤلاء كثيراً لوصول الجنرال النازي مراد عوبلي بطل محرقة ساحة الحرية بتعز إلى قيادة قوات الحرس الجمهوري في مناطق القبائل شمال صنعاء، بينما ينتابهم الفزع حين تتساقط رؤوس القاعدة بفعل الحرب الجادة التي يقودها الرئيس هادي على الإرهاب فيدينون تحت مسمى أنصار الله التدخل الأمريكي السافر في اليمن ويشد من أزرهم غباء الطائرات الأمريكية الذكية حين تتحول ضرباتها - الغير قانونية - فجأة بالتزامن مع رفع الشعار من استهداف القاعدة إلى استهداف المدنيين!

تشير حكاية غيفارا جنوب اليمن "جماجم" أن انخراط ملالي ايران في شبكة المفزوع الأول جعلته يستثمر هؤلاء وكان على استعداد لمواصلة دفع فواتير سيطرة العنف على أهم الممرات المائية لليمن لولا القرارات السريعة للرئيس الجنرال هادي بإقالة قائد المنطقة الجنوبية وتنصيب محافظ لعدن ينتمي لحزب الإصلاح الحاضر بقوة على الأرض وترتيب جهاز أمن المدينة الجميلة ذات الجغرافية الفاتنة.

 دفع أكثر من مائتين من أبناء الجيش حياتهم ثمناً لإفشال الصفقة ونجح الرئيس هادي في إعاقة الحركة المتسارعة لماكينة العنف الممولة بحزم الدولارات الخارجية والمحظوظة بفقدان الكثير من الشباب اليمني الغير مؤهل بفعل فشل نظام الديكتاتور البائد لبوصلة الحس الوطني.

يتلوا هؤلاء أركان النظام الممسكين بموارد البلاد غير السيادية التي منحهم الديكتاتور إياها على حساب كاهل المواطن في تحمل فواتير الدفع المختلفة وكذلك العدد المتزايد للتجار الطفيليين الدخلاء على المهنة بفضل اتاحة الديكتاتور كافة فرص المتاجرة بالأمن القومي للبلاد فضلاً عن تقسيم فرص الثراء المشروعة واللامشروعة بناء على الولاء المطلق لبقائه وكبح تطلعات اليمنيين.

تعكس الحرب الممنهجة على القبائل اليمنية شمال صنعاء رغبة جامحة تتملك ذوات معظم المتفائلين أو المتشائمين من نجاح المبادرة الخليجية التي أمضاها الديكتاتور المترهل رغماً عنه، ويشير الصمت الخليجي والسعودي بالتحديد الى مضي الأشقاء تجاه ذات الرغبة دون أبهة لتداعياتها أو تذكر لخطأ غض الطرف عن دك قوات صالح لمنزل الشيخ الأحمر دون التمكن من إذلال الحليف السابق المنخرط في نصرة الثورة دون إذن، ولعل الحضور البارز لإمبراطوريات المال والأعمال الخليجية في اطار المفزوع الأول يسند هذا التوقع.

المعني الرئيسي

خلال جمعة سابقة رفع شباب الثورة شعار أرحب ونهم وبني جرموز " مأساة إنسانية ".

شعار يبحث عن إنسان يشعر المتابع للوضع صعوبة أن يعثر عليه شباب الثورة داخل ذات فايرستاين وآخرين لا يشعرون بفجيعة يمني مدموغ بالفقر والمرض يأوي وصغاره شمال صنعاء صوب منزلهم البسيط ليكونوا على موعد مع توزيعهم من خلال بارود الحرس الجمهوري بين قتيل وجريح داخل وطن مفجوع بشراهة ذوي المصالح غير المشروعة.

شعار الجمعة باعتقادي موجه صوب الرئيس الإنسان هادي، هو الوحيد المخول باتخاذ قرار جريئ يغادر من خلاله مربع الالتباس القاضي عبثاً بكون الرجل منضوياً في قائمة الراغبين بتأديب القبائل الثائرة.

يدرك الرئيس هادي - المكبل بمحاذير مضخمة يعكسها تصور الرجل الذكي والشجاع للأمور وفقاً لتخصصه في التكتيك العسكرى - أن كافة شهداء وجرحى الثورة خصوصاً القبائل اليمنية مهدت بأشلائها المتناثرة شمال صنعاء وكل تراب اليمن طريقه نحو القصر لا ليخلد للهدوء إنما ليتملك فرصة تاريخية غير مسبوقة يصنع أمجاده الوطنية من خلالها دون مهادنة للابتزاز الذي ستتسع خارطته رأسياً وأفقياً بمجرد الرضوخ الأول لأربابه في الداخل أو الخارج وهو ما لم يتم حتى اللحظة ولا يجب أن يتم.

بالتأكيد سيجد هادي التفافاً محلياً متعاظماً حوله أكثر من الالتفاف الواسع الذي عكسته عملية انتخابه مطلع العام الحالي.

جدية القضاء على الإرهاب لن تتوفر من خلال البارود فحسب انما من خلال إنهاء ثقافة العنف التي كرسها حكم صالح للبلد وفق منظومة تنموية متكاملة على المدى المتوسط والبعيد.

بالمراهنة على ذلك وشطب شباب الثورة وقبائل اليمن لمفردات الخضوع للسيطرة الخارجية أو تأطير تطلعاتهم ومواقفهم الإنسانية في خانة المصالح غير المشروعة العابرة للقارات مع إدراك العقلاء من الأشقاء والأصدقاء لذلك دون مغامرة غير محسوبة النتائج، سيحظى الرئيس هادي بمساعدة المواقف الأوربية الايجابية من التغيير وكافة المواقف الدولية المعلنة التي يتمرد عليها اللا أسوياء في هذه البلدان وأبرزها قرارات أوباما المعلن عنها في معاقبة من يعرقل تنفيذ المبادرة.

يحتاج الرئيس هادي لتفعيل جهاز الدبلوماسية اليمنية بكفاءات قادرة على بلورة خطاب موجه للشعوب الغربية المغيبة عن حقائق ما يجري في اليمن، وكلما اتسعت خارطة إمضائه الجريئ ستتلاشى مكانة الأدوات اللاوطنية لصالح المشروعية السياسية.

 ستصبح علاقتنا بالأشقاء والأصدقاء أكثر قوة واتساعاً مع عدم التفريط بسيادة التراب أو قداسة الدماء التي طحنت اليمن بشكل متفاوت ثلاثة عقود وبضع سنوات لا مجال لتناسي دور وتضحيات شباب وقبائل اليمن في تجاوز أصعب مراحلها وأنهم لا زالوا على استعداد لمنح أي ثمن لقاء بناء اليمن الجديد.


في الخميس 17 مايو 2012 08:00:44 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=15590