نظام الحكم في اليمن
مسعد بقلان
مسعد بقلان

مأرب برس – خاص   

عاد صاحبي من العاصمة يحمل معه أثواب الهزيمة والانكسار وتلاشي غرور التفوق والامتياز التي رسمها حينما كان طالباً جامعياً في الخارج , لقد فشل في التوظيف في شركة الغاز اليمنية ( بلحاف).

اخطأ صاحبي الطريق وأخطأت قبله ومعنا الآلاف الذين لا يعرفون السلطة الفاعلة في نظام الحكم في اليمن.

لقد جاء الرئيس علي عبدالله صالح في 17 يوليو 1978م وكان عسيراً حكم البلاد بالمؤسسات التي ضربت مع مؤسسها الشهيد إبراهيم الحمدي , فالصالح لم يحكم البلاد بالجيش ولا بالأمن ولا بالمؤسسات لكنه أسس نظام حكم جديد وهو (نظام الحكم القبلي ) وجعل منظومة " المشيخ " هي نظامه الحاكم وهو النظام الذي يصغى له وبه يحكم الشعب.

فأعتمدهم ممثلين للحاكم وعمود نظامه الفقري وأعطاهم كل الصلاحيات والامتيازات فشيخ القبيلة هو حاكمها ومحافظها ومدير أمنها وقاضي محكمتها وعبره تمر كل المصالح والدرجات الوظيفية وحالات الضمان الاجتماعي ومادون ذلك وما اكبر حتى درجات البهذله في الأمن المركزي وتتبعه إدارة الأمن والمركز التعليمي وكل الإدارات في الحكومة الشكلية (المؤسسات).

هذه هي صلاحياتهم أما امتيازاتهم فهي أكثر فلهم العطايا والإكراميات والعيديات وبناء البيوت والأراضي وتزويج الأولاد ومنحهم الدراسية في الدول الصناعية وتوظيفهم قبل سن الرابعة وللركائز من الشيوخ تكاليف سفرياتهم الى الخارج ومستشفياتهم في الأردن ومصر والكبار منهم في ألمانيا ولهم في كل هيئه او إدارة مجموعه من الوظائف ومئات من حالات الضمان الاجتماعي ورعاية الشهداء وأرقام عسكرية وهميه ولهم البترول والديزل والشحم واللحم حتى الصابون والمواد الغذائية من اقرب معسكر .

واعتمد النظام على ركائزه المشائخ الذين يشكلون السلطة الفعلية في حفظ الأمن وهم يوزعون الثروة فيما يقوى مراكزهم الاجتماعية وتوزيع الوظائف والدرجات الحكومية بما يخدمهم ويقوى قبضتهم بقانون (اللامركزية التسلط) ورابطة المصالح هي أداة الحكم , وعندما يعين المحافظ في السلطة الشكلية ليقوم بإصلاحات وتغييرات بسيطة يجد نفسه بين خمسين محافظ فيدرك تماماَ إنما هو مدير لمدراء العموم فقط وليس له سيطرة على أي واحد منهم فكل واحد يتبع لركيزة (( شيخ )) ينهب له وهو يحميه واختفت ما كان يسمى بالوطنية والكفاءة والثواب والعقاب فتكونت طبقه حاكمة تترهل وتسمن والشعب يدفع الفواتير على شكل جرعات يسددها وضرائب ورسوم وأصبح الشيوخ ( سلاطين ) يحكمهم الصالح بالأرصدة والقصور ويحكمون الشعب بالفقر وإلحاح الحاجة وبما إن الشيخ ( الركيزة ) لا يرغب في العنصر المتعلم المعتمد على نفسه كجزء من نظامه كان التجهيل والتفقير من اهم استراتيجيات النظام فحينما يوجه النظام أولاده للتعليم في أوروبا وأمريكا يوجهون الرعية نحو الرؤيا الصالحة وعيادات المشعوذين.

وأخذت الحالة تستاء يوماً بعد يوم الغوا دور المؤسسات اخفوا الدستور وجهلوا بالقوانين ضربوا القضاء أصبح التعليم ما هو الا محو للامية وعوضاً عن ذلك أعطى النظام ( المشيخي) لركائزه صلاحية الثواب والعقاب فيظهر على شكل سجن في البيت او تهجير او صناعة ثأر او حرمان من الوظائف فما الفاشق و المنصور والأحمر الا جزء من نظام شامل يحكم البلاد والعباد .

لقد نظرنا الى التاريخ المشيخي فوجدناه ذو جذور بعيدة في التاريخ اليمني لكن عصر الصالح هو عصر المشيخ الذهبي فقد ظل المشيخ منذ أقدم العصور السبئيه تكويناً اجتماعياً له ايجابيات كبيرة حتى انتقل في عهد الصالح من الحياة الاجتماعية الى صناعة القرار وقيادة رسمية للحكم حتى في اشد العصور إظلاما أيام الحكم الحبشي لليمن نجد إن القائد (( إبرهة )) حينما جاءه الصارخ من سبأ إلى ذي ريدان (( بالسدة )) محافظة إب يحمل معه خبر انهيار سد مأرب ساقهم برماح الأحباش على الأقدام والجمال هذه المسافات الشاسعة ليحملون الطين الحجارة في بناء السد حتى إبرهة جعلهم أداة بناء لا سلطة هدم وهذا ما يؤكده النقش المسندى الشهير .

وما دام النظام الحاكم (( مشائخياً )) فمن الطبيعي ان يكون نظام الحكم قبلياً فحينما الغي دور المؤسسات كانت الخارطة القبلية هي البديل فقد استطاع هذا النظام ان يرد المحافظات التي اكتسبت المدنية منذ مئات السنين على أعقابها الى حظيرة القبلية ( إب _ تعز ) فأنتج لنا شيوخ بالكرفته وجعل في كل حارة شيخ ومداعه واجتهاد في البحث عن الجذور وحينما دخلنا نحن القبائل عدن مع شيوخنا ونهبناها كان اول عمل هو تعيين شيخ لها واعتمدنا (( الركائز )) لنظامنا في المحافظات الجنوبية ونبشنا الثارات من عهد السلاطين فالحرب نراها ظاهرة صحية على المبادئ التي أسسها لنا الزير سالم وأخيه كليب.

حتى الديمقراطية حولناها إلى قبيلة فقد وزعت الدوائر الانتخابية على القبائل لم تراعي الجغرافيا ولا عدد السكان فأصبحت الدوائر تدعى بأسماء القبائل وحولنا الديمقراطية من آلة لتطوير الشعب إلى آلة لتكريس التخلف والعصبية ولتنسجم مع نظامنا المشيخي القبلي الحاكم ومن آلة للتغيير الي آلة لتكريس الظلم وما دام هذا هو النظام فلا تستغرب أفعال الفاشق ولا تهجير المنصور ولا سجون الأحمر ولا آلاف القضايا ولا تركز الثروة ولا تعميم الفقر.

يا صديقي انا اعرف انك تعلمت من كدح أبيك اعرف انك تتقن الانجليزية وتتحدث الفرنسية وأعرف انك بتقدير ممتاز اعرف انك متميز خلقاَ وأخلاقا اعرف انك عضو قيادي في المؤتمر الشعبي العام ومعك توصيات الأمانة العامة واعرف إنك متخصص في علم الكمبيوتر اعرف انك نجحت في كل الامتحانات لكنك لا تستطيع الوصول الى (( بالحاف )) لأنك تتعامل مع السلطة الشكلية التي تبدأ بعبد ربه منصور هادي مرورا باجمال ووزرائه بالمحافظين والى مدراء المدارس فشهاداتك والمعايير التي تحملها لا تعني للنظام الحاكم شيئاً فلا تنفعك شهاداتك ولا بطاقة الحزب الذي كنت أظنه قبلك _ حاكم _ فما هو الا جزء من السلطة الشكلية التي تغطي النظام الحاكم والسلطة الفاعلة (( المشيخ )) يا صديقي خذ أوراقك وشهاداتك وسلمها للشيخ حتى ولو كان يلبس ثوب المعارضة فكن مطمئناً فلا توجد معارضة فالمعارضة الحقيقية غير مسموح بها واحذر ان تفتخر بتقديراتك لأنها ستغضب الشيخ ولا يعول عليها النظام وبعدما تعلن ولاءك الكامل للشيخ انتظر مع اول اتصال سينشرح صدرك لانك عرفت خط النظام الساخن فهو الطريق الى (( بلحاف ))

Almokaki@hotmail.com


في الإثنين 12 مارس - آذار 2007 06:08:40 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=1323