حول المصالحة الوطنية
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر

تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية نبأ التوافق بين الحكومة اليمنية والشركاء الإقليميين والدوليين على الاستعاضة عن ما سمي بـ"الضمانات" التي نصت عليها المبادرة الخليجية المعدلة بالآلية التنفيذية، بمشروع قانون لـ"المصالحة الوطنية" وهو الإجراء المتبع في العديد من البلدان التي تمر بمراحل الانتقال من الصراعات السياسية والحروب الأهلية إلى التوافق الوطني في إطار ما صار يعرف بـ"الــعدالة الانتقالية ".

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المواطنين اليمنيين قد لا يعنيهم كثيرا مسمى التشريع، ما إذا كان يسمى "الضمانات" أو "المصالحة" بقدر ما يعنيهم ما تتضمن هذه التشريعات وما سيترتب عليها، لأن هذه التشريعات إذا كانت تعني بقاء القتلة والمجرمين طلقاء يسرحون ويمرحون ويسلبون وينهبون ويتحكمون في حياة الناس ومؤسسات المجتمع دونما رادع أو رقيب، وبقاء المتضررين يدفعون كلفة تلك التصرفات دونما تعويض وإيقاف لمن صنع هذا الضرر فإنه لا فرق بين الضمانات أو المصالحة، وهو ما يقتضي التوقف وإن على عجل أمام مجموعة من الملاحظات التي تستحق التناول :

1. لا بد من الإشارة إلى أن مطلب المصالحة كان قد طرح بعد حرب 1994م وكان الحزب الاشتراكي ومعه لاحقا أحزاب مجلس التنسيق قد طرحوا أهمية الذهاب إلى مصالحة وطنية شاملة تنهي آثار جميع الصراعات السياسية اليمنية وتقتح الآفاق للتعايش والتنافس السياسي الشريف بين مختلف القوى السياسي، لكن نشوة النصر التي سيطرت على سلوك الفائزين بنتائج الحرب أعمت لديهم كل بصيرة ودفعتهم إلى مزيد من الغرور والتعالي ليس فقط على المهزومين بل وعلى كل الشعب اليمني بما في ذلك بعض من شاركهم هذه الحرب .

2. إن المصالحة هي عملية تلازم كل المراحل الانتقالية التي ترافق الحروب والنزاعات الوطنية، وهي هنا ينبغي أن تتجه نحو اجتثاث أسابا الحروب والنزاعات ونتائجها التدميرية وليس فقط العفو عن المجرمين والجناة .

3. إن المصالحة الوطنية التي يدور الحديث عنها اليوم ينبغي أن تعني اليمنيين كل اليمنيين شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وعبر كل مراحل الصراعات والنزاعات المختلفة منذ مطلع ستينات القرن الماضي وليس فقط ما يتصل بالأحداث المتصلة بالثورة الشبابية وما رافقها من جرائم مست الأرواح والأموال .

على إنه لا بد من التوقف هنا عند مجموعة من المتطلبات والمقتضيات المتصلة بمشروع المصالحة الوطنية التي ليس بالضرورة أن الحديث عنها هنا يعني الوقوف ضد المصالحة ولكنها شروط تجعل المصالحة قابلة للحياة والفاعلية لليوم ولكل المستقبل سواء من حيث سد أبواب النزاعات والفتن والحروب أو من حيث تعويض من تضرر من نتائج النزاعات والحروب المختلفة، ومن أهم ذلك :

إن المصالحة ينبغي أن تكون شاملة بمعنى أن تتناول جميع مراحل الصراعات السياسية السابقة في شطري اليمن ما قبل عام 1990، ثم ما بعد 1990م بما في ذلك حرب 1994م وحروب صعدة وما شابهها، وما ترتب عليها من اعتبارات سياسية وتبعات مادية ومعنوية عبر جميع المراحل التاريخية المعاصرة، وهنا يأتي أهمية التعرض لنتائج الصراعات السياسية في الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات وما بعد 2000م .

إن المصالحة الوطنية ينبغي أن تتضمن ما يسمى بـ"جبر الضرر" وهو ما يعني التعويض المادي والمعنوي للمتضررين من مراحل الصراعات السياسية المختلفة في الشطرين الجنوبي والشمالي بما يساوي حجم الضرر الذي لحق بهم جراء تلك الحروب والنزاعات والتصرفات السياسية .

إن المصالحة الناجحة هي المصالحة التي يقابلها رضا المتضررين من الصراعات وهو ما يعني أهمية أن تجعل التشريعات المتخذة شعور الضحايا بأن حقهم محفوظ وإنهم ليسوا فقط مجرد متلقين لسياسة المصالحة بل ومتفاعلين معها ومشاركين فيها .

إن المصالحة لا ينبغي أن تسقط حق من لا يتقبلها من المواطنين في الاعتراض على إجراءاتها وما يترتب عليها من نتائج .

إن المصالحة لا ينبغي أن تسقط حق المجتمع في استعادة ما نهب من ممتلكاته، وأقصد هنا أن قضايا الفساد ونهب المال العام والاستيلاء على الثروة الوطنية من الأموال والثروات والمنشآت والأراضي وكذا أملاك الأفراد، إن إجراءات العفو عن الجناة لا ينبغي أن تطبق على هذه القضايا باعتبار هذه الأصول قابلة للاستعادة وتعويض المتضررين ومن هنا فإنه سيكون من الحكمة ترك هذه القضايا للقانون الجنائي القائم أو المزمع إقامته لتكون موضوع معالجة .

إن أي تشريع يشمل العفو عن أي ممن ارتكبوا الجرائم والجنايات المختلفة يجب أن يتعلق فقط بأولائك الذين سيغادرون الممارسة السياسية وسيتخلون عن كل المناصب التي شغلوها، وأن ذلك العفو يجب أن يسقط بمجرد عودة هؤلاء إلى حلبة السياسية وهو ما يعني حق المتضررين اللجوء إلى القضاء لمحاسبة أولائك المشمولين بالعفو إذا ما قرر هؤلاء العودة إلى الحياة السياسية أو تولي المناصب التنفيذية العامة

برقيات :

* تهديد أفراد وضباط الحرس الجمهوري والأمن المركز واعتقال بعض هذه القيادات والأفراد من قبل أقرباء الرئيس (الفخري) يوحي بحالة الهلع التي وصل إليها بقايا نظام صالح، وأفراده الذين لم يستوعبوا الدرس بعد، وهو ما يؤكد صعوبة فهمهم لمتطلبات الانتقال إلى المستقبل, وإصرارهم على البقاء في الماضي رغما عن إرادة الشعب .

* انتقل إلى رحمة الله الدكتور عبد الرحمن البيضاني نائب رئيس الجمهورية العربية اليمنية السابق، والشخصية الوطنية المعروفة بعد حياة مليئة بالمواقف السياسية والفكرية المتجسدة في العديد من المؤلفات والمقالات التي تعبر عن مواقفه إزاء الكثير من القضايا اليمنية والعربية،. . تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

قالوا سكتَّ وقد خوصــــــمت قلت لهم إن الجـواب لــــــبـاب الشـر مفتـاحُ

والصمت عن جاهلٍ أو أحـــمقٍ شرفٌ وفيه أيضاً لصون العرض إصـلاحُ

أما ترى الأسد تخـــشى وهي صامتة ؟ والكلب يخـــسى لعمري وهـو نبـاحُ


في الثلاثاء 03 يناير-كانون الثاني 2012 05:58:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=13166