وجهُها و وجهي... خريطةٌ واحدة!
محمود قحطان
محمود قحطان

(1)

أهزُّ اسمكِ يا يَمَن، يسَّاقطُ الياسمين، والمانوليا، ونون النّسوةِ المُبلَّلةِ بدموعِ الصَّبرِ والحنينْ

ألفُّ حروفَ اسمكِ بسبائكِ الذَّهبِ وقوافل الحرير

كسفينةٍ تلتفُّ حول جدائلِ النَّهارْ

كمراكبِ الدَّفلى والجُلنارْ

نتفيَّءُ الآن تحتَ ظلالِ اسمكِ العريض

نتكدَّسُ تحت سقفكِ كحاشيةٍ اشتاقتْ للعطايا الثَّمينة

لنُكبِّر: الله يا يَمَن !

(2)

تَفرِكُ اليَمَنُ فانوسَها السِّحري

لتُطلِقَ الماردَ المحبوس منذُ قرونِ أسماكِ القرش

وتُعيدُ تكوين وتجديد الإنسان

تقتلُ كلَّ العرَّافينَ، والكهنةِ، ومُدَّعي الغيب

وتذبحُ في محرابِها كل لصوصِ الأساور والأحداقِ الكبيرة

وتسبحُ ضدَّ الجاذبيةِ في جحيمِ المرايا، وصانعي الرُّهوناتِ في غرفِ النَّومِ السِّرية

وتشقُّ بطنَ الحوتِ الكبير الذي بلع البلاد لأكثرَ من قرنٍ وصنعَ منها عجينةَ بيتزا بجميع نكهاتِ التَّسلُّطِ، والتَّسيُّدِ، والجُنون .

(3)

يخرجُ عبدالنَّاصرُ من قبرهِ

ويُرسلُ على أطباقهِ الطَّائرة كائناتٍ أُعيدَ خلقها كي تُمرِّغَ في طريقِ حُرِّيتها كلَّ أنصافِ العبيد، وأنصافِ الرِّجال

وتخرجُ اليَمَنُ عن بَكْرَةِ أبيها لتؤدِّي مراسم عُرسها في خِضمِ شقائق النُّعمانِ التي حاصرتها طويلًا

وتُعمِّدُ كل من دفنوها بماءِ الوردِ والآس

ليدفعون ضريبة الصَّمتِ الأزلية

ويقرؤون بصوتٍ عالٍ سورةَ اليمن الجديد !

(4)

ترقصُ اليَمَنُ على أنغامِ بِلقيس

وتقرأ قصيدةَ بوعزيزي

وترتِّلُ الرُّؤيا كلوحةِ الموناليزا

وتقطعُ شريط الشَّهادةِ بأهازيجٍ، وغناءٍ، وسموّ العذارى

وتصنعُ من حاضرها أجمل سمفونيةٍ أبديةٍ

ليُردِّدُها كل من تلألأت جراحهُ تحتَ حقولِ الشَّمس وأحجارِ القمر .

(5)

تصرخُ الدُّنيا بكلِّ ما فيها من لزوجةٍ، وهشاشةٍ، وارتقاءْ

وتضعُ على مائدةِ العالمِ

حروفًا أنيقةً دسمة

مَكسوّةً ببهارِ الكبرياءِ ومستحضراتِ التَّوراةِ والإنجيل والقرآن

وتقولُ لمضيفيها: هلمُّوا الآن كي تتذوَّقوا مُعجزةً إلهية !

(6)

تحجزُ اليَمَنُ غرفتها في أجملِ فنادقِ العالمِ

وتُطلُّ من أعلى نُقطةٍ في سمائها

وتُلقي عصاها الخشبية لتُلغي ذاكرة النِّفطِ المسلوب

وتَشتري زجاجةَ رملٍ من فيضِ مروءتها، وعنفوانها

وتنقعُ في كلِّ شبرٍ منها

أرجلُ الأباطرةِ والسَّماسرةِ الخُبثاءِ الرَّاكبين على قامتِها العالية .

(7)

تسألُني اليَمَنُ -بحكمِ تجربتي- أن أعدَّ أصابِعها

وككلِّ مرَّةٍ

أكتشفُ أنَّ طولَ أصابِعها النَّحيلة المُتشَنِّجة

والأخاديدُ التي تفتحُ كوَّةً إلى ما وراءِ الطَّبيعةِ

والمَدى المسكوب في عشرِ سنابلٍ

يُشبهُ إلى حدٍّ كبير شجرةَ العائلة التي تَمتدُّ جذورها شرقًا وغربًا

لتمسحَ كلَّ الرُّعبِ، والتَّلوّثِ، وتُقلِّلُ من مُعدلاتِ الانتحار !

(8)

أواعدُ اليَمَنَ تحت صهيلِ نزيفها

وعلى ضوءِ الشَّظايا أحرقُ آخرَ تعويذَةٍ خرجتْ من بحرِ عِنادِها

أخلعُ عنها عباءتها وسيفها اللامرئي

وأفهمُها بلا مَجازٍ ولا تورية

وأركضُ كالبَدويُّ في صحراءِ صفائِها

لأدركَ أنَّ وجهَها –الآنَ- ووجهي... خريطةٌ واحدة !


في الجمعة 23 ديسمبر-كانون الأول 2011 06:32:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=12975