عدن .. جنة اليمن السعيد ..مدينة ترقد في حضن البحر وتتوسد الجبل

على مدى السنوات الخمس الماضية ومدينة عدن تستقطب المزيد من حركة السياحة الداخلية الى اليمن بحيث اصبحت اليوم عنوانا جديدا لحركة السياحة الدولية والعربية على نحو خاص، يزورها اكثر من مليون ونصف المليون زائر سنويا من المواطنين والسياح العرب والاجانب لاسيما في فصل الشتاء للاستمتاع بمناخها المعتدل الدافىء وسواحلها الذهبية الساحرة فضلا عن زيارة معالمها التاريخية والثقافية العديدة.

يسميها معجبوها وعشاقها «ساحرة المدن» و«جميلة الحواضر» و«درة البحار» و«محروسة الزمان» ومدينة ذات عوالم تمزج الحكايات والاساطير بالشعر والسحر والموسيقى وترقص على نفحات البخور والعود والفل ترقد فى حضن البحر وتتوسد الجبل وتجتذب كل من يملك رغبة الاستكشاف والمغامرة.

 

وللتعريف بمدينة عدن فهي شبة جزيرة بركانية تقع على خليج عدن على الساحل الجنوبي لليمن ويربطها بالبر من الشمال لسان رملي يسمى برزخ خور مكسر ويحيط بها عدد من الجزر اهمها صيرة شرق وجزيرة العمال من الغرب وعدد اخر من الجزر الصغيرة التي تحمل كل مقومات السياحة البحرية، وتهيمن عدن بحكم موقعها الفريد على الطرق البحرية التي تربط اسيا وافريقيا باوروبا لذا اشتهرت كأحد اهم الموانىء العالمية خاصة خلال فترة الاستعمار البريطانى حيث اشتهرت بعدد اخر من الاسماء تميزا لها عن المستوطنات التي نشأت على تخومها ومن تلك الاسماء ( crater the camp thefort ) وتعني بالترتيب فوهة البركان والمعسكر والقلعة.

 

تاريخيا تعود نشأة المدينة الى ثلاثة آلاف عام فقد ورد ذكرها في التوراة في سفر حزقيال والاصحاح السابع والعشرين كما ورد ذكرها في نقش يوناني عثر عليه جنوب مصر وسماها صاحب كتاب الطواف حول البحر الارتيري في الفترة ذاتها بالعربية السعيدة وهو اسم عمم لاحقا على اليمن كله والحقيقة الاخرى ان عدن ظلت طوال تاريخها مركزا تجاريا واقتصاديا وثقافيا هاما اجتذب العديد من الهجرات والثقافات والملل من عرب وهنود وفرس واتراك وافارقة واوروبيين، مسلمين ومسيحيين وهندوس وبوذيين وتشكل من هذا التباين مزيجا فريدا من الثقافة، ومجتمعا مدنيا منفتحا ومتسامحا وما يلفت نظر الزائر الى عدن هو بشاشة وطيبة اهلها واهتمامهم الخاص بالضيف.

 

وتضم عدن عددا من المعالم التاريخية والاثرية التي لا بد من زيارتها وتأتي صهاريج عدن او صهاريج الطويلة كما يطلقون عليها في مقدمة هذه المعالم وهي عبارة عن مجموعة من الصهاريج (53 صهريجا) موزعة بين سفوح وقمم الجبال المحيطة بالمدينة ولعبت دورا مزدوجا كخزانات للمياه تارة في منطقة تعاني من شح الموارد المائية وكقنوات لتصريف المياه وحماية المدينة من اخطار السيول المتحدرة من قمم الجبال تارة اخرى ، واعتبرها المؤرخون اعظم انظمة لتصريف وتخزين المياه من الناحية الهندسية. وترجع المصادر التاريخية صهاريج عدن الى عصر الدولة الحميرية في اليمن وترى مصادر اخرى انها تعود الى عصر الدولة الاوسانية التي بسطت نفوذها على ساحل البحر الاحمر والعربي واقامت العديد من القلاع والحصون في الجزر اليمنية لحماية تجارتها مع العالم القديم.

 

ومن المعالم التاريخية أيضا قلعة صيرة التي يعود تاريخها الى ما قبل دخول الاسلام الى اليمن ولعبت القلعة دورا تاريخيا في حماية المدينة من هجمات الغزاة وتشرف صيرة على الميناء القديم الذي نقله البريطانيون لاحقا الى المعلا وينتشر على ساحل صيرة اليوم عدد من المتنزهات والمطاعم التي تقدم للزائر السمك الطازج المشوي والمأكولات البحرية الاخرى. ويجدر بكم زيارة سور عدن بسلسلة قلاعه وحصونه التي استخدمت في تأمين التجارة وكان للسور ستة ابواب بالاضافة الى بوابة عدن الرئيسة التي تعتبر تحفة هندسية ومعمارية متميزة ويقدر عمر السور بأكثر من 1200 عام.

 

لكن الاثار الاسلامية هي أهم ما يميز عدن فهناك منارة عدن التاريخية المكونة من ستة طوابق وبارتفاع قدره 21 مترا ويقدر عمرها بأكثر من الف عام ويعتقد انها بقايا مسجد قديم ،وهناك جامع ابان ويرجح ان يكون ابن عثمان بن عفان هو من شيده بالاضافة الى جامع العيدروس الصوفي المعروف، ثم هناك المتحف الوطني ومتحف الموروث الشعبي والمتحف الحربي وعدد من صالات الفن التشكيلي التي تعرض اعمالا لأبرز الفنانين المعاصرين.

 

وتضم عدن سلسلة من الشواطىء والخلجان اشهرها الساحل الذهبي وساحل البريقة وساحل القدير وساحل العشاق وغيرها من السواحل التي تؤهل المدينة لتكون مركزا لممارسة مختلف انشطة السياحة البحرية كالاصطياد والغوص والسباحة والتجديف كما تعيش في سواحل عدن انواع نادرة من الطيور.

 

وامام السائح فرصة للاستمتاع بأسماك عدن بمذاقها الخاص والوجبات الشعبية الاخرى والحلويات المشهورة فضلا عن التجوال في أسواقها التقليدية والاختلاط بأهلها الذين يحتفون بالضيف.

 

ومع التطور الذي تشهده عدن حاليا على مستوى الخدمات السياحية فهي مرشحة لجذب قدر اكبر من السياحة العربية والاجنبية القادمة الى اليمن عبر البر والبحر والجو، فقد اعيد بناء مطار عدن بحيث اصبح قادرا على استقبال مختلف انواع الطائرات، كما ان عدن اليوم ترتبط بشبكة طرق برية مع المدن الاخرى بجانب الطرق البحرية.

 

وها هي عدن تعيش اليوم دورة اخرى من دورات تاريخها الذي راوح بين الانتعاش والاضمحلال تبعا للظروف والملابسات السياسية الاقليمية والدولية وتحلم باستعادة مجدها كميناء فريد ومركز تجاري وثقافي يربط الشرق بالغرب خاصة بعد قيام المنطقة الحرة وميناء الحاويات وتتويجها عنوانا جديدا للسياحة العربية والاجنبية القادمة الى اليمن.

 

ولا يغالي اهل عدن حين يقولون إن مدينتهم بتراثها المتميز والممتد تربط بداية الخليقة بنهاية الخلق ويتداولون ان قابيل بعد ان قتل اخاه هابيل في بلاد الهند فر الى عدن واقام فيها مع اهله في قلعة صيرة سعيدا لاهيا تسليه آلات الطرب واللهو، كما يقولون إن نهاية الدنيا تبدأ من عدن حيث ستنطلق نار يوم القيامة من قعر هذه المدينة وتقول الحكايات ايضا إن عدن كانت جزيرة معزولة تحيطها المياه والجبال من كل الجهات وإن ذا القرنين قضى سبعين عاما في حفر انفاق عبر الجبال لربطها بالبر وما تزال هذه الانفاق موجودة حتى يومنا هذا. وهكذا فكل ما في عدن يوحي بعالم الاساطير الخيالية والى ما هو تاريخي وواقعي بنفس الوقت.

 

والواقع ان عدن شهدت ومنذ العام 1990 نهضة متكاملة على مستوى البنى التحتية والخدمية ما جعلها مركز جذب سياحي وقبلة لا غنى عن زيارتها سواء بالنسبة للمواطن اليمني او السائح العربي والاجنبي فحتى العام 1990 لم يكن في المدينة سوى 13 فندقا واليوم يوجد 120 فندقا من مختلف الدرجات والمستويات فضلا عن اعداد كبيرة من الشاليهات والشقق المفروشة، يضاف الى ذلك توفر عدد جديد من الاسواق والمراكز التجارية والمطاعم والمتنزهات والنوادي الليلية ووسائل التنقل والاتصال وغير ذلك من الخدمات التي تقدم للزائر مختلف اشكال الراحة والاستمتاع بسواحل عدن وشواطئها الذهبية المبهرة.

 

والانتعاش السياحي الذي تعيشه عدن اليوم هو ثمرة لجهود تبذلها وزارة السياحة اليمنية لاستقطاب السياح خاصة من دول الجوار وذلك عقب تراجع حركة السياحة الدولية الى المنطقة عموما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) حيث تبنت الوزارة برنامجا متكاملا للترويج للمنتج السياحي اليمني في الاسواق غير التقليدية كـأسواق جنوب شرق اسيا حيث يعيش ستة ملايين مهاجر يمني بالاضافة الى تقديم المزيد من التسهيلات للسياح العرب والمغتربين اليمنيين خاصة من دول الجوار في المنافذ الحدودية البرية وترتفع معدلات السياحة على نحو خاص في الاعياد والعطلات وخلال فصل الشتاء حيث يمكن للسياح العرب والمغتربين اليمنيين الحضور بسياراتهم الخاصة برا ما يوفر عليهم الكثير من النفقات، اضف الى ذلك توفر قدر كبير من الخدمات السياحية وباسعار مناسبة. ويمكن القول إن التدفق الهائل لحركة السياحة العربية الى اليمن خلال الاعوام الماضية عوضها شيئاً من تراجع حركة السياحة الدولية بعد احداث سبتمبر فخلال عيد الفطر الماضي زار عدن نصف مليون زائر يمني وعربي واجنبي كما زارها خلال عيد الاضحى 700 الف زائر بالاضافة الى السياح الاجانب والذين تزايدت اعدادهم خلال العامين الماضيين


في الخميس 16 مارس - آذار 2006 10:43:06 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=115