أخلاق الثورة وتوحش السياسة..!
باسم الشعبي
باسم الشعبي

تواجه الثورة الشعبية السلمية في اليمن تحديات كبيرة وصعبة بفعل توحش السياسة التي لعبت وما تزال – كما يبدو- أدوار كبيرة في جعل الصراعات والمماحكات بين الأطراف والقوى المتنافسة سمة سائدة على امتداد المراحل التاريخية التي مرت بها البلاد شمالا وجنوبا ومنذ تحقيق الوحدة وحتى اليوم.

إن أسباب هذا التوحش ناتجة عن الرؤية أو النظرة القاصرة التي تسلحت بها القوى السياسية من الداخل ومن الخارج تجاه اليمن فالذي ينظر إليها ككعكة من الصعب أن يوظف أدوات أخلاقية في تعامله مع الأطراف السياسية الأخرى مثله مثل الذي ينظر إليها على أنها ملك شخصي. والذي ينظر إليها كتهديد لن يطمئن لجانبها حتى يسعى إلى توظيف إمكانات كبيرة لتحويلها إلى ساحة استقطاب وصراع معتقدا أنه بذلك يضع حدا للمخاوف التي تراوده.

من الخارج ومن الداخل عانت اليمن كثيرا وصبرت طويلا حتى جاءت الثورة الشعبية السلمية لتقول كفى بل ولتقدم الدليل الدامغ بأن غياب الدولة هو السبب الرئيسي الذي يجعل من اليمن تمثل تهديدا للخارج وليس العكس كما أن غياب المشروع الوطني الذي يكفل بناء الدولة التي توفر العيش الكريم للناس على أساس المواطنة المتساوية وحق المشاركة السياسية وتكافؤ الفرص هو الذي أخر اليمن وحوله إلى بؤرة صراع داخلية ومصدر تهديد لأهله قبل غيرهم.

إن توظيف السياسة لأدوات وحشية وخشنة في التعامل مع المخالف أو المختلف قضاء على آمال قيام الدولة في اليمن خلال العقود الماضية، حدث ذلك إما بفعل غياب فكر وثقافة الدولة لدى بعض الأطراف المتصارعة وإما بفعل العقلية البوليسية والعسكرية والنزعة العصبية والتملكية التي ألقت بوزرها على العملية السياسية وحولتها إلى أداة مجردة من الضابط الأخلاقي والقيمي ومن غير المستبعد أن يكون للنظرة القاصرة والتشاؤمية لدى بعض الأطراف الخارجية دورا في إذكاء أزمات وصراعات اليمن.

اليمن تمر الآن بعملية مخاض كبيرة في انتظار مولود جديد ما يستدعي من جميع الأطراف التي لعبت وما تزال أدوار سلبية تجاهها مراجعة مواقفها السابقة واللاحقة حتى لا تضع نفسها في مواجهة شعب قرر أن يمضي دون توقف وبكل إرادة وإصرار نحو تحقيق هدف ثورته الشعبية السلمية غير مكترث للقوة والوقت الذي سيقطعه في الوصول إلى ذلك الهدف، طال أم قصر، المهم أنه سيصل في الأخير بدليل أن إرادة الشعوب لا تقهر.

للثورة في اليمن هدف واحد سواء أكانت في الجنوب أو الشمال يتمثل في بناء دولة مدنية حديثه ووجود هذه الدولة موحدة في صيغتها (الفيدرالية أو الاتحادية) والقائمة بالضرورة على المشاركة السياسية والمواطنة المتساوية والتوزيع العادل للثروة والفرص المتكافئة أمام الجميع يمثل ضمانة حقيقية للداخل والخارج من أي تهديد قد يشكله استمرار غياب الدولة أو ذهاب بعض القوى لفرض مشروعات عصبوية يتوقع منها أن تعيد إنتاج الصراع أكثر من تلبية الحاجة للأمن والاستقرار.

الوصول إلى هذه الدولة ليس أمرا سهلا إنها تحتاج إلى جهود كبيرة وإلى خبراء وأطباء ماهرون في التعامل مع الموروث المعقد فالأزمة في اليمن لها أوجه مختلفة وأبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية متشابكة في مسيس الحاجة إلى أدوات جديدة وعقول نظيفة ومقتدرة في التعامل معها ناهيك عن كونها مؤهلة للاشتغال على إبداع مشروعات طموحة تعتمد على استنهاض وتحريك الطاقات الشعبية الفتية وتوظيفها في خلق وسائل جديدة ومتطورة للبناء والإنتاج وتهيئة البلاد للانتقال إلى عهد مدني وديمقراطي جديد يستوعب كل التطلعات والتمايزات ويوظفها في خدمة الصالح العام.

إن محاولة إعادة إنتاج سلطة الفرد الواحد أو الحزب الواحد لم تعد مجدية أو مقبولة في بلد سبق وأن جربها من قبل ولم تنتج سواء العصبية والقوة في تعاملها مع الآخر بدافع التنافس والسيطرة وفرض الإرادات من حيث كونها ترى الأهلية في نفسها دون غيرها رغم غياب المشروع.

الثورة فعل أخلاقي بحت ولد عندما عجزت السياسة عن توظيف أدوات تتناسب أو تلبي تطلعات وطموحات الشباب في التغيير ذلك يعني أن الثورة وليس الأدوات السياسية القائمة هي الأقدر على إنتاج المشروعات الجديرة ببناء اليمن الجديد هذا في حال أن الثورة ظلت بعيدة وبمنأى عن توحش العملية السياسية فضلا عن امتلاكها القدرة على مقاومة كل فعل غير أخلاقي يمارس داخلها.

إن جر البلاد إلى الاحتراب أو العنف ليس من فعل الثورة التي ولدت سلمية وستظل كذلك وإنما من فعل السياسة التي ما تزال توظف أدوات الماضي في تعاملها مع حاضر مختلف لم تفهم بعد أنه مختلف.

إن تشكيل الهيئات والكيانات داخل الساحات فعل إعتسافي بحت يعرض الثورة لخطر التفكك والتشرذم والاحتواء بفعل التفرد وممارسة الإقصاء لقد حدث هذا مع ثورة الحراك السلمي من قبل وها هو يتكرر مع ثورة الشباب السلمية.

الشباب معنيون اليوم أكثر من غيرهم في تدارك الأمر ووضع المعالجات والحلول المناسبة والضرورية التي تتوافر فيها القدرة على إعادة صياغة المشهد الثوري بعيدا عن التعصب والإقصاء وثقافة من يسبق أولاً لضمان بقاء الإرادة الشعبية والثورية حاضرة ومتوقدة وقادرة على فرض شروطها حاضرا ومستقبلا.

الثورة السلمية مبادرة شعبية مدنية كبيرة، هدفها اقتلاع واقع مرفوض وإحلال آخر منشود، استبدال مشروع قبلي وعائلي وعسكري، بمشروع مدني وحضاري، ولأن الثورة السلمية منظومة أخلاقية متكاملة فإنها بالضرورة ستختار المشروع الوسطي المعتدل سياسيا واقتصاديا وثقافيا هو ذاك الذي يكفل المشاركة العادلة سياسيا والذي يوازن بين الطبقات ويحد من الفوارق اقتصاديا ويهتم ببناء وتنمية الإنسان معرفيا وثقافيا.

إن المشروع الإسلامي الحضاري ليس مثله كمثل الإسلامي أو الديني القبلي أو العسكري فالأول مدني والثاني عصبي، السياسة في الأول عبارة عن وسيلة أو عملية لإنتاج شروط وعوامل التقدم والتنمية والتحول وإشاعة ثقافة الانفتاح والقبول بالآخر المختلف وفي الثاني وسيلة لإدارة التوحش لفرض شروط وعوامل السيطرة والتفرد وإشاعة ثقافة الإقصاء والانغلاق وعدم القبول بالمختلف.

الثورة تبدو أميل للأول لأنه أهون أو مميز عن الثاني ويبقى السؤال: هل بدأ هذا المشروع بالتشكل فعلا ومن هم رموزه؟

إذن اليمن بحاجة لمشروع كبير لبناء الدولة المدنية الحديثة محمول على المبادرات الشعبية المدنية التي تستنهض الطاقات وتشرك المجتمعات المحلية في التوعية المدنية ومكافحة الفساد و إدارة شئون المجتمع.

b.shabi10@gmail.com


في الأربعاء 17 أغسطس-آب 2011 10:00:27 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=11345