لماذا تحالف قبائل اليمن؟
د شوقي الميموني
د شوقي الميموني

عرفت كل المجتمعات الإنسانية ( القبيلة ) كشكل من أشكال الاجتماع البشري الذي ينشأ من تجمع عدد من الأسر التي ترتبط فيما بينها بصلات القرابة والعيش في مكان واحد

 و(القبيلة) في اليمن ظاهرة تاريخية ، سياسية ، ثقافية واجتماعية عرفتها بلاد اليمن عبر مراحل تاريخها الطويل ، ومنذ بداياته الأولى .. وكما هو معروف فإن (القبيلة) في اليمن تتكون من مجموعة من الأفراد والأقسام يرتبطون فيما بينهم بصلة نسب وقرابة عائلية ، وتجمعـهم روابـط تـاريخيـة ، ثقافية ، ودينية واحدة ، ويسكنون أرضاً محددة ( أي تجمعهم وحدة سياسية ) ويستغلــون ثرواتها ومواردها الطبيعية بصورة مشتركة ( أي تجمعهم وحدة اقتصادية ) … وقد أدت كل هذه العناصر دوراً كبيراً في المحافظة على الوحدة الاجتماعية والسياسية للقبيلة

وفي اليمن القديم – قبل الإسلام – كانت القبيلة – أيضاً – تمثل وحدة اجتماعية ( قرابة )،وسياسية ( مكانية ) واقتصادية و دينية واحدة ، وكانت القبيلة تمثل الوحدة الأساسية للتكوين الاجتماعي في اليمن القديم بدءاً من الأسرة والعائلة الممتدة في قرية محددة وانتهاء بالقبيلة الكبيرة أو الاتحاد القبلي في عدة مناطق.

كان مشائخ القبائل والعشائر يمثلون أعلى المراتب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فهم يمثلون السلطة السياسية الرسمية في القبيلة التي تقوم بتسيير أمورها عن طريق مجلس قبلي يتشكل من مشائخ القبيلة وأعيانها ووجهائها
ويشير المؤرخون إلى أن الدول اليمنية في كثير من المراحل كانت من صنع الجماعة القبلية ، حيث أدت الجماعات القبلية في اليمن القديم دوراً مهماً في تكوين الدولة أو سقوطها مثل ( معين – سبأ – حمير ) ، لأن تلك الدول تكونت أساساً من الاتحاد القبلي الذي يضم عدداً من القبائل والعشائر التي يرأس كل منها عدد من ( الأذواء) و( الأقيال). والى جانب ( العرش ) الذي يمثل سلطة الملك كان هناك ( المجلس القبلي ) الذي يمثل مختلف الجماعات القبلية ويضم ( الأذواء ) و ( الأقيال ) الذين يتولون إدارة الشؤون المحلية في مناطقهم . كان ( الملك ) يستشير كبار رجال الدين ورؤساء القبائل ويأخذ رأيهم في أمور السلم والحرب أو المشكلات الأخرى التي تواجهها الدولة حرصـاً من ( الملك ) على الاستعانة بما تمثله القبائل من نفوذ وتأثير في دعم نظام الحكم والمحافظة على استقراره.

والثابت تاريخياً أن زعماء القبائل كان لهم دور سياسي هام ابتداء من عهد ملوك سبأ في العام 500 قبل الميلاد ، لكن الزعامات والوحدات القبلية كانت تلجأ للتمرد وإعلان العصيان على الدولة والسلطة المركزية كلما أحست بتنامي قوتها ونفوذها ، أو بزوال المنفعة والمصلحة من ارتباط القبيلة بالدولة ، أو في مواجهة سعي الدولة إلى تشديد هيمنتها على القبائل والقضاء على استقلالية الجماعات القبلية والحد من نفوذها، وكل ذلك كان يدفع الجماعات القبلية للبحث عن تحالف جديد أو اتحاد قبلي آخر أو تقوم بتكوين دولة مستقلة عن طريق إخضاع وضم جماعات قبلية جديدة
وفي العهود الأخيرة للدول اليمنية القديمة ولا سيما عند نهاية عهد دولة حمير وضعفها – وهي آخر الدول اليمنية قبل الإسلام – تنامى نفوذ وقوة الزعماء القبليين بسبب ازدياد ضعف الدولة وازدياد اعتماد الملوك عليهم ، مما دفع زعماء الجماعات القبلية إلى تكوين ممالك وإمارات مستقلة خاصة بهم

 وفي كل الأحوال فقد تأثرت الدولة والقبيلة ببعضها بعضاً حتى في القوانين والتشريعات التي تصدرها الدولة ، وظل أثر القبيلة بارزاً في تكوين الدولة ، وتوطيد أركانها و الدفاع عنها .. وفي المقابل كانت الدول اليمنية القديمة تواجه متاعب ومقاومة شديدة عندما تسعى للقضاء على استقلالية الجماعات القبلية والحد من نفوذها مما كان يؤدي إلى إضعاف الدولة ونشؤ الاضطرابات والقلاقل .

احتفظت القبائل اليمنية بعد ظهور الإسلام واعتناق اليمنيين للدين الجديد بنظمها الاجتماعية ، وتقاليدها ، وأعرافها القديمة ، طالما أنها لم تكن متعارضة مع المبادئ والتشريعات الإسلامية ، كما احتفظت بتقسيماتها الاجتماعية والسياسية .

بدأ اعتناق اليمنيين للإسلام بصورة فردية أو مجموعة أفراد حتى كان العام التاسع للهجرة عندما دخل اليمنيون في الإسلام أفواجاً أفواجاً وذهب ممثلو القبائل إلى (المدينة المنورة ) لمبايعة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - الذي أرسل عدداً من كبار الصحابة – رضوان الله عليهم – لتعليم اليمنيين مبادئ الإسلام .. وباستثناء فتنة الأسود العنسي في نهاية عهد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يشهد اليمن قلاقل خطيرة ، وسرعان ما انخرط اليمنيون في حركة الفتوحات الإسلامية وأسهموا فيها إسهاماً جليلاً في بلاد العراق وفارس وما وراء النهرين ، وفي بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا وصولاً إلى بلاد الأندلس في جنوب أوربا

وفي عهود الخلافة الراشدة والدولتين الأموية والعباسية ظلت أوضاع الجماعات القبلية في اليمن كما كانت ، فقد اكتفت العواصم الحاكمة في بغداد أو دمشق بتعيين ممثليها الذين أطلقت عليهم ألقابا مثل : ( الولاة – الوزراء – الأمراء ) ،وهؤلاء كانوا يتولون مهمة حفظ النظام في الولايات والمدن الإسلامية أما المناطق القبلية فقد استعانت الدول المتعاقبة بزعماء القبائل في إدارة شؤونها المحلية ، وبقيت الأحوال فيها وفق النظام القبلي المعهود حيث كانت المناطق القبلية تحكم نفسها تحت زعامة رؤساء العشائر والقبائل القوية

أدت التطورات السياسية في اليمن، و لاسيما بعد ضعف الدولة العباسية وبدء ظهور الدول اليمنية المستقلة ، إلى عودة تنامي نفوذ الزعماء القبليين المحليين وخاصة عند اشتداد الصراعات على السلطة بين زعماء ومناصري الطوائف الدينية المختلفة بعضهم بعضا ، أو بينهم كل على حدة ، وبين الدول المحلية التابعة لدولة الخلافة في دمشق أو بغداد أو القاهرة بسبب محاولات فرض نظام شمولي محل النظام القبلي مما كان يؤدي إلى تذمر القبائل واستيائهم وثورتهم على الدولة ، ولذلك تميزت الحياة السياسية في اليمن بعدم الاستقرار والاضطراب السياسي ، وأدى ذلك إلى ظهور النزوع الاستقلالي لدى الجماعات القبلية المحلية ، كما ساعد على ذلك الظروف الجغرافية الصعبة والعوامل الاجتماعية و المذهبية .
وفي العام (284هـ – 897م) جاء الإمام الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن قادماً من المدينة المنورة بعد أن اتصل به بعض زعماء القبائل اليمنيين من ( حاشد وبكيل ) ودعوه للمجيء إلى اليمن في زمن سادت فيه الفوضى ، وعدم الاستقرار ، وضياع الحقوق، وقد ساندت تلك القبائل دعوة الإمام الهادي انطلاقاً من رغبتها في وضع حد للتناحر والاقتتال فيما بينها بتأمير واجهات دينية ( مهجرة ) لم تكن طـرفـاً في القتال القبلي ، وكانت قبائل المناطق الشمالية الشرقية ( حــاشد وبكــيل التي تنتمي لقبيلة همدان بن زيد) معروفة بولائها للعلويين تاريخياً منذ أيدوا الإمام (علي بن أبى طالب) ، وظلوا على ولائهم لذرية الإمام علي ، ولذلك يمكن القول إن مساندة القبائل كانت تقوم – أيضاً – على أساس قوي من الاعتبارات الدينية البحتة ، والتعاطف مع ( آل البيت ) الذين صّوروا للقبائل معاناتهم الطويلة والمظالم والبطش والتنكيل الذي لحقهم من قبل الأمويين والعباسيين ، كما اعتبرت القبائل اليمنية أنها ملزمة بتقديم الحماية والمساندة لأحفاد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - لأنهم ضيوف وليسوا ضمن التكوين القبلي فيجب احترامهم وحمايتهم

ومنذ ذلك الحين تعزز الدور السياسي للقبائل اليمنية بقوة، وخاصة في المناطق الشمالية والشرقية حيث ظلت دولة الأئمة الزيديين تعيش في حدودها وتمتد فيها أحياناً وتنكمش أحياناً أثناء العهد الأول لدولة الأئمة ، وظلت هذه القبائل – حاشد وبكيل – تلعب دوراً سياسياً وعسكرياً هاماً طوال عهد الإمامة الزيدية حتى سقوطها النهائي في 1962م .

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1918) ورث الإمام يحيى سلطتها في اليمن ، وتأسست المملكة المتوكلية اليمنية في المناطق الشمالية والغربية فيما ظلت ( عدن ) والمناطق الشرقية حتى حضرموت والمهرة تحت سيطرة الإنجليز
بدأ الإمام يحيى حميد الدين في توطيد قبضته على السلطة بمحاولة القضاء على الجماعات والأفراد الذين دعموا وصوله إلى الإمامة مما أدى إلى نشوب حروب مع القبائل التي تمردت مثل ( حاشد ) التي عانت من عدم تقدير الإمام لدورها في دعمه للوصول إلى السلطة ومشــاركتها في الحـــروب الطــويلة ضد الأتراك ، كما شن الإمام حروباً ضد قبيلة ( المقاطرة ) في تعز و ( الزرانيق ) في الحديدة ، وقمعت هذه القبائل قمعا شديدا، وأحكم الإمام قبضته على كل البلاد واستخدم القبائل ضد بعضها بعضاً في سبيل تحقيق هيمنته على كل شيء ، وفي سبيل إخماد ثورة 1948م الـدستـورية أبـاح الإمـام( أحمد ) العاصمة صنعاء للقبائل لمدة ثلاثة أيام انتقاماً لمقتل أبيه، وشهدت فترة الخمسينات عودة ظهور التمرد القبلي ضد الإمامة واستبدادها ، وتبلورت حركة القبائل في أواخر الخمسينات لكنها انتهت بالفشل ،وعندما قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م دعمت القبائل الجمهورية النظام الجمهوري بقوة فيما انحازت عدد من القبائل إلى الجانب الملكي تحت مبرر مواجهة النفوذ الأجنبي المصري ، وتعزز دور الجماعات القبلية أثناء الحرب الأهلية 62 – 1970 م ، وبرز عدد من كبار المشائخ في مقدمة الصفوف أثناء الدفاع عن الثورة والجمهورية أو في ممارسة العمل السياسي في زمن السلام
وعلى الرغم من أن دور الجماعات القبلية يبدو أكثر خفوتاً الآن، إلا أن ذلك لا يعني أن النظام القبلي قد تراجع كثيرا، فما زال هذا النظام موجوداً وإن كان ازدياد قبضة الدولة واستيعابها لمعظم المشائخ قد أدى إلى تراجع دور الزعماء القبليين خلف دور الدولة كما أن الوضع بعد الوحدة المباركة أعادت للنظام القبلي وزعماء القبائل والعشائر اعتباره ودورهم في المحافظات الجنوبية والشرقية التي كانت ضمن إطار ( اليمن الجنوبي ) سابقاً بعد أن كان النظام الماركسي الحاكم هناك قد عمل على القضاء على سلطة القبائل .

وما يزال زعماء القبائل والعشائر هم أساس سلطة الدولة في المناطق الريفية، ويقتصر دور المسؤولين الحكوميين المدنيين والعسكريين على الإشراف على القضايا العامة فيما يتولى مشائخ القبائل الكبار والمحليين إدارة شؤون قبائلهم وحل مشكلاتهم، وتمثيلهم لدى السلطات الرسمية التي تعترف رسمياً بهم وبدورهم وتعتمد تعيين المشايخ كجزء من واجهات السلطة المحلية .

من خلال اللمحة التاريخية عن دور السياسي والاجتماعي للقبائل اليمنية في مختلف مراحل العصور التاريخية يتضح لنا دور القبيلة في تثبيت الأمن والاستقرار اذا كانوا يدا واحدة أو اللجوء إلى الفوضى والحروب اذا كانوا متفرقين مختلفين .

فكرة تحالف قبائل اليمن لم تكن صنيعة اللحظة بل كانت فكرة قديمة اخبرني الشيخ فيصل مناع رعاه الله وهو من كبار مشايخ اليمن وأكثرهم دراية بأهمية دور القبيلة بالنهوض بالبلد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا حدثني ان فكرة جمع قبائل اليمن في كيان موحد موجودة منذ اكثر من عشرين سنة لكنها كلما كانت تطفو على السطح تختفي مرة أخرى، ويتابع حديثه في حرب الانفصال شهدت اليمن اكثر من تحالف قبلي هنا وهناك ولكن بدعم من الحزب الاشتراكي فاحس علي صالح بخطورة اتحاد القبائل ضده فأوعز في ذلك الوقت إلى الشيخ عبد الله ابن حسين الأحمر رحمه الله ان يشكل المجلس الأعلى للقبائل اليمنية وفعلا تكونت اللجان واعدت الأنظمة واللوائح واجتمع المشايخ والوجهاء من كل مناطق اليمن وتم إعلان المجلس الأعلى لقبائل اليمن وفروعه في جميع المحافظات اليمنية .

بعد ان وانتهت حرب 94 واستقرت الأوضاع ولم يعد هناك خطر على كرسي الحكم من قبل الشريك في الجنوب احس علي صالح بخطر المجلس الأعلى لقبائل اليمن لان القبائل اذا اتحدت وكونت حلف ستكون بمثابة الصخرة التي يرتطم بها ظلم وفساد واستبداد علي عبد الله صالح فعمل جاهدا الى وأد فكرة المجلس الأعلى للقبائل اليمنية واستطاع بأساليبه الشيطانية المعهودة ان يجمدها ويغيبها عن المشهد السياسي للبلد.

ثورة الشباب الشعبية السلمية في اليمن قائمة على اربع كيانات ثورية فئة الشباب والفئة السياسة( الاحزاب) والفئة العسكرية وفئة القبائل وهو المكون الاكبر في ثورة الشباب فكان اجتماع القبائل اليمنية في كيان منظم يوحد الرؤى ويحدد الأهداف ويستخدم الوسائل المناسبة للمشاركة في بناء اليمن الحديث امر في غاية الأهمية لان اليمن الجديد لا يمكن ان يتكون في عام أو عامين بل يحتاج إلى الوقت الكافي والى تظافر جهود المجتمع اليمني بكل مكوناته وأطيافه كون نظام الحكم السابق قد دمر اقتصاديات البلد واضعف النسيج المجتمعي والجغرافي .

من هنا كانت الحاجة ماسة لإحياء فكرة تحالف قبائل اليمن في كيان موحد ومنظم يصبح المعين للدولة اليمنية الحديثة في تثبيت الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي وحماية الاستثمار .

almymoni@yemen.net.ye


في الجمعة 12 أغسطس-آب 2011 02:28:06 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=11300