حتى لا تكرر قطر الأخطاء السعودية في اليمن
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل

صار من الواضح والمعلوم لكل متابع ومشاهد ، انتشار المحبة والتقدير لدولة قطر في مختلف أرجاء الوطن اليمني ، نتيجة شعور مبني على اليقين الصادق في أوساط الشعب بإيجابية المواقف القطرية الداعمة والمؤيدة للثورة اليمنية التي خرجت لإنتزاع الكرامة والحرية ، واستعادة البلاد من يد العصابة التي نهبتها وباعت خيراتها وقتلت وشردت أبنائها طوال الثلاثة العقود الماضية ، ولعل الشعارات والهتافات المرفوعة في الساحات والمظاهرات والإعتصامات من قبل شباب الثورة خير شاهد على ذلك الحب والإحساس بجميل المواقف القطرية ، كما تمثل الأحاديث الإعلامية والكتابات الصحفية مثال آخر على ذلك التعبير العفوي الصادق تجاه قطر الحكومة والشعب ، والحقيقة أن الموقف الشعبي اليمني جاء كردة فعل طبيعية لمن أيد ويؤيد سعيه لبناء دولته ، وأعانه ويعينه على الخروج من وضعه الكارثي والمأساوي ، ولم يأت ذلك الموقف نتيجة إملاء أو رغبة أحد من اللاعبين السياسيين الذين يتاجرون بالثورة ودماء الشهداء ، مع ملاحظة أن أحدا ما قد يسعى لإستثمار الموقف الشعبي اليمني ليحصد به الأموال والمكانة على حساب مصير شعب وقضية وطن ، تفرض على كل من يتمتع بذرة حياء وقطرة خجل أن يتوارى عن الأنظار إن عجز عن إيقاظ ضميره ليرفع به من مكانته الشخصية نحو قضية ومصير الشعب والوطن اليمني .

اليمنيون اليوم أينما كانوا يتحدثون عن قطر بطريقة من يقدر الجميل والإحسان ، مؤكدين في نقاشاتهم ومنتدياتهم أن ذلك الموقف الكبير يمثل ملخصا للقيم والأخلاق العربية والإنسانية ، التي ترغم الإنسان على تأييد الحق ودعم الكرامة والحرية ، ونشر العدالة والقانون والنظام في اليمن ، لكنهم في المقابل يشعرون بالأسف الشديد تجاه المواقف السعودية المتصلبة مع سلطة صالح وأولاده ، آملين وراجين أن تتغير تلك المواقف وتنتقل نحو الوقوف مع الشعب اليمني لتشكل بجانب المواقف القطرية دفعة قوية ستساهم بشكل كبير في تحقيق التطلعات المشروعة للشعب اليمني ، خاصة وأنه خرج وأعلن ثورته بعد أن ضاق به الحال وقاده صالح وسلطته نحو الموت والقتل والفقر والمرض والفوضى والحروب ، ولا نعتقد أن من الصواب أو الذكاء أو الرحمة أن يعارض أحد ذلك الخروج ، لأنه سيولد حالة عداء وكراهية شعبية لن يستفيد منها أحد ، كما أنه سيؤدي حسب منطق التاريخ إلى توريث العداء بين الأجيال في المستقبل الذي يستدعي منا أن نهيء له بأمانة أساسها الحب والمودة الأخوية كواجب إنساني وأخلاقي سنحاسب عليه طوال التاريخ .

من الواضح اليوم أن الثورة اليمنية فرضت نفسها على العالم العربي أولا ، والذي ظل طوال زمن طويل ينظر إلى اليمن واليمنيين نظرة إستهتار مفادها أن الكائن القاطن في اليمن عنوان للتخلف والجهل ، لكنه اليوم بفعل صموده الكبير وسلمية ثورته وعظمة أدائه ، صار بحسب شهادة المفكرين من أعظم الشعوب المدنية التواقة إلى النظام والقانون ، خاصة أنه وهو المدجج بمختلف أنواع الأسلحة قد تركها في المنازل والبيوت وخرج بصدره العاري ليسجل إنتصاراته الأخلاقية والسياسية على سلطة القتل والفتنة والدمار ، والحقيقة أن تلك هي الصورة الأصلية لذلك الشعب المنسي ، والذي كان بحاجة لمن يتذكره وينقل واقعه للعالم ، وهو ما قامت به الثورة التي أثبتت أن الشعب اليمني يفهم واقعه جيدا ، ويميز بعمق بين من يحب له الخير وعكسه من دول الجوار والعالم ، ولهذا ليس من الغريب أن يحتفظ اليمنيون لدولة الكويت بمكانة عالية في تاريخهم ونفوسهم ، لما قدمته طوال عقود قامت خلالها ببناء وتشييد المدارس والمستشفيات والطرقات والجامعات ، وتحملت من النفاقات المالية ما لا يمكن نسيانه أو نكرانه ، مقدمة كل ذلك للشعب اليمني وليس لأشخاص ومراكز قوى ، كانت شريكا أساسيا لصالح وسلطته في تدمير اليمن وتخريبه بفعل الدعم والأموال السعودية التي حصلت عليها منذ زمن طويل حتى يومنا هذا ، وهنا تحديدا تتلخص الرسالة التي نود إيصالها لمن يحب اليمن وأهله كائنا من كان .

إن التاريخ يثبت بدون مجاملة أو تحيز الفارق الكبير بين الموقفين الكويتي والسعودي تجاه اليمن ، ففي الوقت الذي عملت فيه دولة الكويت على دعم شعب كامل من خلال توفير متطلبات حياته ونقله نحو الوعي والمعرفة عبر البنية التحتية والعلمية ، عملت السعودية على دعم أسماء وشيوخ وأشخاص ومراكز قوى بالمال ولا سواه من أجل تطويع القرار السياسي والحدودي وما يتوافق ورغبات حكامها ، الذين سعوا بذلك لإبقاء اليمن تحت قاعدة " الفوضى الخلاقة " وهي نظرية أثبتت بعد سنوات كارثيتها ، فمن يزرع الفوضى لا يمكن أن يحصد الإستقرار وهنا ندعوا حكام السعودية إلى الوقوف مع أنفسهم وقفة صادقة خالية من النظرة الإستعلائية والمذهبية والأطماع الحدودية ، وعليهم مناقشة مخاطر استمرار سياستهم تجاه اليمن ، فالتهريب والقاعدة والحوثيين مصاعب خرجت من رحم ثقتهم في صالح وسلطته والمشايخ ومراكز القوى ، ولا يمكن إطلاقا تجاوزها دون وجود دولة نظام وقانون في اليمن تؤدي إلى الإستقرار والأمان ، لينعكس كل ذلك على الجزيرة العربية والسعودية على وجه الخصوص .

إن ما سبق أعلاه مجرد لمحة تاريخية نقدمها لقطر الحكومة والشعب ، آملين أن يقارنوا بين الموقفين الكويتي والسعودي ، راجين ومطالبين بمسؤولية ووطنية أن تراجع قطر خطواتها الأخيرة وتكف عن دعم فلان واحتضان علان والدفع بزعطان ، لأن هؤلاء كانوا رجال السعودية في اليمن ، لكنهم بحكم تجربتهم الكبيرة في امتصاص الأموال ، يوزعون الأدوار فيما بينهم فيذهب هذا هناك وذاك هنا ، مستغلين الدوافع الموجودة لدى تلك الدول لتحقيق مطامعهم ورغباتهم ، وقديما لعبوا الدور مع العراق وليبيا والسعودية والإمارات ، وليت أنهم قدموا جزءا يسيرا من الأموال التي حصلوا عليها للشعب اليمني لعل ذلك يخفف من فقره ومعاناته ، لكنهم اتجهوا لبناء القصور والشركات وشراء الولائات وتشكيل الكيانات وإثارة الحروب من أجل بقاء مصالحهم ونفوذهم ، وعليه نأمل أن يتنبه القطريون لهذه المسائل ، متعشمين منهم أن يستمروا ويواصلوا دعم الثورة اليمنية من خلال قوتهم السياسية والإعلامية ونفوذهم الدولي ، بما يتوافق وتطلعات الشعب اليمني ورغبته في بناء دولة خالية من مراكز القوى التي يمثلها نفس الأشخاص المتنقلون بين دول الدعم المالي وعلى رأسها السعودية وقطر .

إننا وبصدر رحب نرحب بالدور القطري وهو محل إعجابنا وتقديرنا ، لكننا نطمح أن يرتقي ذلك الدور ليصل إلى الفقير المحتاج لكسرة خبز وشربة ماء ، والمريض الساعي للعلاج والدواء ، والضعيف الحالم بقانون يحميه ويصون حقه ، ولأننا نحب قطر وننتظر منها جميل المواقف دوما ، فكلنا ثقة أنها ستتجه نحو المساهمة في بناء دولة يمنية عبر تشييد البنية التحتية وتأهيل العقول البشرية ، وإنهاء الحروب والصراعات ، ولعل قطر مؤهلة أكثر من غيرها لرعاية مؤتمر دولي يدعم ويساند ثورة اليمن ، ويشق طرق نجاحها ليؤدي إلى التخلص من مراكز القوى والنفوذ القبلية والعسكرية والشخصية ، والتي منعت وستقف في طريق بناء دولة النظام والقانون اليمنية ، هذا إن كانت قطر جادة في حبها ومخلصة في دعمها للشعب اليمني ، أما إن كانت تمارس ذلك من أجل تصفية حساب وتحقيق مطامع معينة فوجب القول لها أننا هرمنا وتعبنا من كثرة التجارب في حقل وطننا من القريب والبعيد .

إننا نفهم ونعي أننا في مرحلة ثورة ولكن ذلك لا يمنح أحد من النافذين تقديم نفسه على أنه قائدها وحاميها لأن قادتها وحماتها في الميادين ، ويجب أن يفهم الأصدقاء والأخوة ذلك جيدا فلا وصي ووارث لثورة شعبنا ، كما أننا ندرك ونعلم أننا بحاجة للوقوف على أقدامنا والإعتماد على أنفسنا في بناء الدولة وتحقيق متطلبات الشعب ، من خلال الثروات والإمكانيات الوطنية ، لكننا نعاني من سرطان مزمن وورم خبيث وسلطة فاجرة باغية ، وقوى ومراكز تدعي المعارضة وتكتسي بالثورة ، تقاسمت البلاد بفعل فاعل ووقفت مجتمعه حجر عثرة في طريق وصولنا نحو مصاف الدول ، ولذلك ليس من العيب أن نطالب بدعم مؤقت حتى ترتكز اسس الدولة ، ثم بعدها سيرى الجميع أن أهل اليمن خير من يقدر المواقف للقريب والبعيد ، وهم على الدوام يوجهون الشكر لمن وقف وسيقف معهم ويدعون بالخير والهداية لمن وقف ويقف في طريقهم ، ويذكرون ويذ ّكرون أن حكمة المولى عز وجل تقضي بتداول الأيام والملك بين عباده طوال التاريخ .

صورة سوداء من ألبوم الإرتزاق...

إن لم تخني الذاكرة فقد حدث هذا عقب الإعلان عن إيقاف الحرب السادسة في صعدة ، حيث خرج يومها قائد الجيش الشعبي ليعلن أن إيقاف الحرب خيانة عظمى حسب ثقافته وعقليته ، ثم بعد توقف آخر للحرب هناك ، كان وفد مشيخي يمني تجاوز عدده المئات يزور ولي العهد السعودي ويقبل كتفيه ويهنئه على الصحة والعافية ، في نفس اللحظة التي كان المواطنون في صعدة ينتشلون جثث الأطفال والنساء والرجال من بين أنقاض المدارس والبيوت والمساجد بعد تعرضها للقصف من الطيران السعودي بمباركة وتأييد صالح وسلطته .

هذه الصورة وغيرها الكثير بحاجة لمن يوصلها مع الشكر والتقدير للقيادة القطرية ويقول بصوته العالي إن من يدوس على الأرواح ويسترخص دماء الناس ويستهزء بألامهم لا يستحق أن يخطوا فوق تراب قطر فكيف أن يكون محل ثقة وأمان قادتها.

aalmatheel@yahoo.com

 
في الأربعاء 27 يوليو-تموز 2011 07:44:01 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=11139