الشعب يريد مجلسًا انتقاليًا
حورية مشهور
حورية مشهور

في ظل فراغ السلطة وتعطل مسار الحل السياسي المتمثل بالمبادرة الخليجية والمسار الدستوري في ظل شغور منصب رئيس الجمهورية وعدم قدرة أو تردد نائب الرئيس من استلام صلاحيات ومهام الرئيس ، وتخوف وتردد وضبابية موقف المعارضة في ظل هذا الوضع يبدو أن الإعلان عن مجلس انتقالي يسد فراغ السلطة أصبح أكثر من ضرورة للحد من تدهور الأمور التي تسوء يوماً بعد يوم ، ويتحمل المواطن تبعاتها وتداعياتها قد تفضي إلى صوملة بشر بها وهيأ لها النظام.

جميع المكونات الثورية على اختلاف مرجعياتهم السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية – الشباب ، القبائل ، الجنوبيون، الحوثيون، المرأة، علماء الدين وسياسيون وأكاديميون والعسكريون الذين اعلنوا انضمامهم للثورة كلهم يطالبوا بمجلس انتقالي يدير المرحلة الراهنة ويتحمل أولاً مسألة كبح التدهور الأمني والاقتصادي والسياسي الجاري بوتائر عالية ، والشروع في تشكيل مؤسسات هذه المرحلة وأولها تشكيل لجنة دستورية من خبراء الفقه الدستوري تضع مشروع دستور جديد للبلاد ، وأهمية هذه الخطوة تنبع من أن تغييرات جوهرية في شكل ومهام الدولة أصبحت مطالب شعبية ينبغي الاستجابة لها وأول تلك المطالب التحول من دولة بسيطة إلى دولة فيدرالية (اتحادية) تتمتع بها الاقاليم بسلطات ذاتية في كثير من الشئون الاقتصادية والسياسية والأمن الداخلي والجوانب الاجتماعية والخدمية وتبقى الأمور السيادية العليا اختصاصات مركزية مثل الشئون الخارجية والدفاع . وكذلك الانتقال إلى النظام البرلماني وتغيير النظام الانتخابي من النظام الفردي إلى نظام القائمة النسبية.

المعارضون لإنشاء المجلس هم إما بقايا النظام الذي عجز عن أن يوفر أبسط المقومات المعيشية للمواطن ، ناهيك عن عدم قدرته على القيام بالوظائف الأساسية مثل توفير الأمان والاستقرار وإلا كيف يمكن أن نفهم سقوط المحافظات الواحدة تلو الأخرى. الرئيس في أبريل الماضي اعترف بسقوط أربع محافظات في المناطق الشمالية وكان يقصد بها صعدة، مأرب ، عمران والجوف ونائب الرئيس أعترف بسقوط خمس محافظات في المناطق الجنوبية مع العلم أن المحافظات الجنوبية عددها 7 محافظات . الواضح أن أبين والضالع من بينها وغير مستبعد لحج وشبوة وربما عدن التي سرت إشاعة عن مغادرة أمينها العام والقائم بأعمال المحافظ إلى خارج البلاد. ولا يقتصر الأمر على تعليق أو سقوط السلطات المدنية في تلك المحافظات بل أيضاً السلطة الأمنية والعسكرية تنسحب تاركة فراغاً أمنياً خطيراً تملأه الجماعات المسلحة.

المعارضة مرعوبة من تحمل المسؤولية، وهي كذلك منذ إن نشأت كمعارضة معترف بها دستورياً ، والدستور أكد على التبادل السلمي للسلطة بمعنى أنها هي ذاتها وليس غيرها يمكن أن تتحول من معارضة إلى سلطة والسلطة تتحول إلى معارضة مثل كل بلدان العالم الديمقراطية ، إلا أنها لم تجرؤ منذ نشأتها على أن تقترب من خطوط حمراء رسمتها السلطة لها. وحينما سألتهم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عندما ألتقتهم في السفارة الأمريكية نهاية العام الماضي عن المشروع البديل لتغيير النظام ، وهم من شكوا من سوآته فجفلوا وفوجئوا وفغروا أفواهم وكأنهم لم يكونوا مهيئون لهكذا سؤال ما بالكم بواقع على الأرض.والله ما نحن عارفين ماذا يعارضون إذا لم يكونوا على استعداد كامل لتحمل مسؤولياتهم في المشاركة في إدارة البلد وشئونه السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والعسكرية!!! وعندهم ما يسمى بفوبيا السلطة عبر عنها النائب صخر الوجيه بقوله " أصبح الواحد مش خائف من الفشل بقدر ما هو خائف من النجاح " . وهي حالة تتفرد بها المعارضة اليمنية المستكينة والزاهدة بالسلطة لا لشيء إلا ربما لمعرفتها بصعوبة الوصول إليها وهي غير قادرة على التعاطي مع هذا التحدي.

في اعتقادي أنهم يدركون حق الإدراك التركة الثقيلة التي سيخلفها النظام – هذا إذا خلف شيء - لأن ما هو منظور ومشهود اتباع سياسة أرض محروقة وإتيان على الأخضر واليابس . هم يخافون أيضاً من التكلفة الاقتصادية العالية والشعور بالخذلان أمام الناس والخوف من عدم القدرة من الوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم في برامجهم الانتخابية في الانتخابات السابقة ، وهذا يمكن حله بأن الأوضاع تغيرت والناس مدركين وعندهم الاستعداد للتضحية ، والمطلوب أن يكون المعارضون أيضاً هم أول المضحيين ويقدموا القدوة في العمل الوطني وقبول كل التحديات.

ربما يخافون من بقايا النظام على استهداف حياتهم ولا لوم عليهم في ذلك ولكن يمكن معالجتها بالتسريع بمعالجة الأوضاع الأمنية عبر القوات الأمنية المتحالفة مع الثورة وتشجيع تكوين المجالس الشعبية في المناطق والأحياء واتخاذ كل التدابير والإجراءات للحفاظ على حياتهم وحياة كل فرد من أفراد المجتمع والسيطرة على كل الأسلحة خارج سلطة الدولة. وبصراحة وبدون لف ولا دوران نزع السلاح أو الترخيص باستخدامه للضرورة القصوى أي السيطرة عليه سيطرة تامة وهذا قد يتأتى لاحقاً عند إصدار قانون حمل السلاح الذي ينبغي ألا يعترض عليه أحد إذا كنا بصدد بناء دولة مدنية حديثة, إلا إن الظروف الآن مواتية لإقناع الناس بمخاطر انتشار السلاح دون ضوابط مما يهيأ لإصدار هذا القانون وتطبيقه تالياً.

ومع انتشار حالة الفوضى والانفلات الأمني فإن تشكيل المجلس الانتقالي أصبح أكثر من ضرورة ، واليوم.. اليوم قبل الغد وسيصبح أمراً واقعاً ، وشروعه في العمل سوف يجعل الآخرين يعترفون به وأولهم المجتمع الدولي الذي يريد أن يقدم المساعدة لليمن ولكن " إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق الله العظيم ، ونحن للأسف وحتى هذه اللحظة لم نبادر بمساعدة أنفسنا بحلول تفضي إلى معالجات لمشاكلنا المستفحلة. هل ننتظر من المجتمع الدولي أن يقدم لنا وجبة مفصلة جاهزة وحلاً سحرياً لمشكلات نحن صنعناها بأنفسنا على مدى عقود . ولو قدم لنا الآخرون حلولاً جاهزة فلا شك أنها ستأتي على مقاساتهم أكثر منها على مقاساتنا. ولنعمل الشئ الوحيد الذي يمكن أن نفخر به ونمهره ب ( صُنع في اليمن ) نحترم به أنفسنا ونفرض احترامنا على الآخرين.

وإذا كان هناك تخوف من تكوين مجلس انتقالي وطني عام فليتم البدء بمجالس فرعية تبدأ بتسيير أمور المحافظات التي سقطت.

التصريحات الأخيرة التي بدرت من بعض أقطاب المعارضة تمهد للسير في هذا الاتجاه بعد إن فشلت كل الخيارات وأصبح تشكيل المجلس خياراً وحيداً على ما يبدو . وهناك تلميحات وتصريحات جاءت على لسان جيفري فيلتمان ومن الاتحاد الأوروبي. وطالما وأن المقدمات والمؤشرات تمهد للسير باتجاه تكوين المجلس إذن لابد من التعجيل بإنشائه لمنع انزلاق البلاد إلى الهاوية.

ما صدر أخيراً عن نائب الرئيس حول مبادرة من الأمم المتحدة وعودة للحوار... الله أعلم فيما إذا كان صقور العائلة والمؤتمر راضون عنها أم لا مما يعيد الأمور إلى ما قبل المربع الأول أي ما قبل الثورة .لآن الناس في الميادين منذ أكثر من خمسة أشهر ولن يثنيهم أحد عن مشروعهم بتغيير النظام مهما كانت التضحيات ولنا في الثورة المصرية الصامدة أسوة والتي تحاول دول في الإقليم وعلى المستوى الدولي احتوائها والالتفاف عليها مستغلة صعوبات الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس وفتور هممهم من مساندة الثورة.

والخلاصة.. بما أن المجلس الانتقالي أصبح ضرورة.. والشعب الثائر في كل الساحات يريد مجلسًا انتقاليًا فلا بد من الاستجابة لمطالب الشعب ومطالب الثورة وإعلانه الآن.. الآن وليس غداً.


في السبت 02 يوليو-تموز 2011 03:19:34 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=10878