|
وأنا ألاحق الكرة تارة ً بالجري وأخرى بالنظرات، شاهد الجميع سوءة مهارتي في ميدان تحجب الأتربة نصف لاعبيه. اكتشف الجمهور أن فرحتهم بفوز أو حتى بتعادل لن تكون طالما "رأس الحربة" في فريقهم قد أنهك واستنفد طاقته المعدومة أصلاً. تماماً، مثلما اكتشف اليمنيون وسط غبار الأزمات المتفاقمة اليوم، أن رأس الحرباء؛ رئيسهم لم يعد صالحاً لقيادة طموحاتهم المشروعة، وهو يعي ذلك جيدا، بينما يتغابى ويستخف ويراوغ منتظراً قدره التعيس.
أتذكر جيدا أن الإنهاك النفسي والجسماني كان يتزايد مع صيحات الجمهور القروي الساخط على أدائي الرديء في مباراة مدرسية حاسمة بالنسبة لهم. كنت أدرك أنهم يصرخون ضدي مطالبين بضرورة الخروج من المعلب، غير أني لم أعرهم أي اهتمام.
كان الكِبر يلازمني كظل؛ إذ توهمت أنه لطالما معي ما يسندني للاستمرار في اللعب حتى مع سيل الهزيمة المتوقعة، يتوجب عليا أن أكابر وأرفض كل دعوات الاستبدال بلاعب آخر لازال على قدر كاف من النشاط والحيوية وربما المهارة والنزاهة والأخلاق. وفجأة، وجدت المدرب وبعض اللاعبين وجزء كبير من المشجعين والمراقبين وربما عجاوز القرية وأطفالها؛ جميعهم وجدتهم بعد فشل محاولات إخراجي باللين، يلاحقونني في الملعب يريدون إزاحتي بالغصب.
لم أتنبه لفكرة أنني كنت من الأوائل في الصف الدراسي وكانت أخلاقي على سمعة لا بأس بها مقارنة بنزق الكثير من الأشبال، فضلاً عن أن غالبية المدرسين كانوا ضمن لجنة الوساطة لأنهم أصلاً مشرفون على المسابقة الكروية بين مدارس القرى المحيطة بقريتي. وبالتالي، بادرت بكل جنون، لنزع "القصع"؛ الأعمدة الخشبية لمرمى الملعب الترابي التي ساهمت في جلبها إليهم، بينما في قرارة نفسي كنت أبرر حماقتي تلك، بـ"يا سارح كثر الفضائح"؛ المثل الشعبي الشهير.
لا أدري صراحة لم وجدتني في مهمة سرد قصة مخزية من تأريخ مراهقتي الحافل بالجنون. ربما لأن لها صلة بطريقة أو بأخرى بما يحدث الآن لرجل أرهق اليمن كلها بالمخاطر إذ يلعب في لحظاته الأخيرة ويراهن على إعادة الابتسامة إلى وجوه أتباعه على الأقل. مع فارق الأخلاق التي يتحلى بها أبطال القصتين؛ السالفة بكل براءتها والتالية بكل حماقتها.
كل يوم يكتشف اليمنيون أن رئيسهم الغير مشروع؛ لم يعد صالحاً لشيء. وأن عليه الرحيل فوراً، قبل أن يصرخ الجميع وبصوت واحد "فضحتنا يافندم". أو هكذا ستكون النهاية المفترضة بعد أن ينفد كيل الصبر على الذبح والتقتيل والمراوغة والكذب.
لم يعد أحدنا يفخر بأن رئيسه بهذه العقلية التي تبحث عن وساطة خليجية وتصفها بعد ذلك بالمؤامرة. تدعي أنها تدعم حقوق المرأة وتتهمها بالاختلاط غير الشرعي في ساحة الجامعة. يجرح في أعراض الجميع من أبناء شعبه، كل ذلك فقط، لأنهم قالوا له كفى. لم يعد يخفى على أحد أن الرجل كلما تقدم عمره في السلطة يسقط أكثر في إطار انهيار لياقته السياسية والعسكرية والإنسانية وحتى الأخلاقية في إطار الخطابات التي ما إن تابعها أحد منا اكتشف حقيقة أنه كل يوم ينزل من نظر الكثيرين داخل وخارج اليمن. لقد أوهم العالم كله بأنه معهم يحارب الإرهاب وصنع من فزاعة القاعدة ذريعة يهدد فيها العالم من أجل البقاء. وهاهو اليوم يظن أن الغرب ما زالوا يتخوفون من ذلك فهو يسلم أبين للقاعدة. ويحاول إشغال العالم بها ويعتدي على ساحة الاعتصام بتعز وطائراته تقصف من وقت لآخر منازل قبائل نهم وأرحب والحيمة. فيما هاجمت قواته منزل بيت الأحمر وأرسل وساطة لوقف النار وقصف الوسطاء وقتل وأصاب مجموعة من مشايخ بكيل وحاشد والمناطق الوسطى. إن تصرفات الرجل في الفترة الأخيرة تدل على أنه يريد أن يثبت المثل اليمني الذي فحواه "يا رايح كثير الفضائح" وهو يضرب عادةً على الرجل الذي يعرف أن مهمته انتهت وأنه مغادرُ عنها وما تبقى فقط سوى العمل أكثر على تدمير كل ما يمكن تدميره؛ لأنه ببساطة؛ راحل لا محالة وليس هناك من مخاوف تعتريه مادامت عملية الرحيل في نظرته؛ عملية مخزية ولا تليق بمكانته ولا بشخصه.
s.asim84@gmail.com
في الثلاثاء 31 مايو 2011 03:38:18 م