ثورة الشباب والحصاد المر
د. عبده سعيد مغلس

مقدمة لابد منها:

عندما يذهب المريض الى طبيبه يشكو مرضا الم به, فالطبيب الغافل يشخص الاعراض ويعالجها فتخف الاعراض ويبقى المرض, ويعاود المريض التألم والشكوى. اما الطبيب المتمرس فيفصل بين اعراض الداء والداء ,فيشخص الداء ويحدد الدواء فيزول المرض ولا يعود المريض يعاني من أي شكوى. وهذا يتطلب من الطبيب علما وتمرسا وصبرا من ناحية ومن ناحية اخرى دراسة التاريخ المرضي لمريضه بدقة ليعرف بدايات المرض ومساراته وتطوراته. والمجتمعات الانسانية هي تجمعات بشرية يحدث لها ما يحدث للإنسان من اعراض لظواهر العلل والامراض التي تصيبها, فتبرز الاعراض وتهز كيان المجتمع ,فإما ان يشخص المرض ويعالج ويصح المجتمع, واما ان تتم معالجة الاعراض ويبقى المرض وتكمن اعراضه لفترة حسب نوعية العلاج ويعاود المجتمع معاناته وهكذا دواليك.

ثنائية الصراع وسنة الدفع الإلاهي:

خلق الله الانسان ومعه حرية الاختيار ليختار أي طرف من اطراف هذه الثنائيات (الخير والشر, الرشد واضلال, النور والظلام, الحق والباطل, السلم والعدوان الخ......) ويبقى صراع الاختيار داخل الانسان اساسا للتمحيص والتكريم اللذين ارادهما الله لهذا المخلوق الذي فضله على مخلوقاته وسخرله الموجودات والاكوان. ولم يتركه دون ان يمده بما يعينه في معركته المستمرة, فارسل له الرسل والأنبياء ومعهم الكتب المنزلة التي تحمل للإنسان معالم المسار وطرق الخلاص والنجاة. وختم الله رسالاته وانبيائه وكتبه وبعث نبيه ورسوله محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) ومعه القرآن للبشرية جمعاء هداية ورحمة ,وليستلهم الانسان المسلم والمؤمن من صحيح هدي الرسول(صلى الله عليه وسلم) ومن القرآن منهج الخلاص وسبل المواجهة في صراع الثنائيات تلك لينال سعادة الدارين ,العيش بكرامة وسعادة في الدنيا والجنة في الآخرة. وتحدد المسار فمن يتبع هدي الله فلن يضل ولا يشقى ومن يعرض عنه فان له معيشة ضنكا في الحياة الدنيا ويحشر يوم الأخرة اعمى . فعندما ينحرف الانسان الفرد والانسان المجتمع تبرز معيشة الضنك, متمثلة بكل المآسي التي يعاني منها الانسان وتعاني منها المجتمعات. ويتغلب الجانب المظلم والمتمثل بالشر في تلك الثنائية فتنقلب المعايير وينتشر الظلم مكان العدل والكراهية مكان المحبة ,والقهر والاخضاع مكان التعايش وهكذا الى ان تبرز سنة التدافع الإلاهية لتصحح المسار عبر اناس مجددين يعملون على تصحيح المسار قد لا يخطرون على بال احد .

التحول العظيم:-

ظهر خاتم الانبياء محمدا (صلى الله عليه وسلم) و رسالة الاسلام في الجزيرة العربية في البلد الذي وضع فيه اول بيت لعبادة الله, وكانت القبائل العربية تغزوا بعضها ,وتقتل بعضها, وتسبي وتسترق بعضها, وثنائية الصراع تميل كاملة للجانب المظلم في حياة الانسان. والتقط اولائك السابقون المعنى الحقيقي لرسالة الاسلام ,والفهم البسيط والحقيقي للقرآن ,ولم يكونوا تلامذة مدارس او جامعات وكان الفرد منهم يأتي الى الرسول (صلى الله عليه وسلم)وينطق الشهادتين لا غير وينطلق داعيا وهاديا ومبشرا بدين الاسلام بانيا ذاته ومجتمعه ومن حوله وفقا لهذه الروح الجديدة, وسر ذالك ان التواصل حصل بين الفطرة والفكرة, فتفجرت طاقات الابداع الرباني التي جعل سرها الخالق سبحانه وتعالى في هذا المخلوق تماما كما يحدث اليوم عندما تنير غرفة مظلمة بكبسة زر فيتبدد الظلام ويسطع النور. وهنا مكمن التحدي الإلاهي لملائكته بأفضلية الانسان وسر خلقه. وبرزت الفكرة القرآنية والتعاليم الرسالية في كيان الانسان المسلم وتحولت من كلمات تتلى الى سلوك حي يوجه كل خطوات وتصرفات الانسان المسلم وتخلق بأخلاق القرآن وتشرف بتلك النفخة الإلاهية التي امر الله سبحانه ملائكته بالسجود لها. وتم بذالك التحول العظيم للإنسان المسلم وانتج تلك الحضارة الأخلاقية الرائعة التي يفخر بها تاريخنا الى اليوم, وبرزت عظمة الأنسان المسلم في كل جوانب الحياة وفي فترة زمنية قصيرة, وكان للإنسان المسلم في جنوب الجزيرة العربية الذي بات يعرف الان باليمن دورا رائدا قديما وحديثا في نشر وحمل وحماية هذا التحول ونشره في ربوع المعمورة .

بدايات الانحراف:-

استمرت عجلة الدفع الأولي التي مثلها عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته العظام رضوان الله عليهم. وتبع ذالك اجتهادات الأئمة العظام رضوان الله عليهم وكانت اجتهاداتهم فهما عصريا مناسبا لزمانهم ومكانهم, اسقطوا عليه النص الديني سواء ا كان قرآنا ام حديثا صحيحا من السنة واعملوا النص بالواقع مستنبطين حكما يعالج مشكلا واجههم او امرا اعضل على احد من المسلمين لذالك مثل ذالك الاجتهاد فهما بشريا لنص الاهي من القرآن او نص حديثا صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عند الامام المجتهد .وكانت دائرة الاجتهاد مقصورة على النصوص القطعية الورود الضنية الدلالة والتي تركها المشرع الحكيم رحمة بخلقه ليستنبط منها علماء الامة ما يناسب ظروفهم المكانية والزمانية ليعالجون بها ما يواجههم من مشكلات. ثم خلف أولئك العظماء من السلف الصالح من الصحابة والأئمة خلف لم يعد للفكرة القرآنية والتعاليم الرسالية ذالك الفهم الذي كان لدى سلف الأمة فتوقف الاجتهاد وكثر المقلدون وتوقفت الانطلاقة وانحرف المسار.

الفهم الخاطئ:-

 وتمسك كل مقلد برأي امامه واجتهاده ولانقطاع التواصل مع النبع الذي مثله الرعيل الاول من عظماء الأمة, اعتقد كل مقلد ان رأي امامه واجتهاده هو الاسلام ,ومن خالف هذا فأنه مخالف للإسلام وتحولت المذاهب لدى الامة الإسلامية الى ديانات كل منها ينكر الأخر ويسفهه, بل واحيانا يكفره ويستبيح دمه. وشكل هذا الفهم الخاطئ اساس المشكلة اليمنية بل وكل مشاكل المسلمين وبدأنا نحصد المر.

ثقافة الانحراف وهيمنة التمذهب:-

(اذا غابت الفكرة برز الصنم ) مقولة صادقة للمفكر مالك بن نبي .اذا نه بغياب الافكار برزت اصنام الانحراف والتي اصبحت تتحكم بوعينا وحياتنا ورافق ذالك منظومة من القيم الرديفة شكلت ثقافة الانحراف التي تمثلت بإلغاء الاخر واخضاعه وقهره وتهميشه لأنه يمثل في نظرها مارق وخارج عن الدين(المذهب) . وبرز مفهوم جديد للدولة قائم على ثقافة الانحراف.

المذهب وبروز دولة العصبية العنصرية بشرعية مذهبية وغطاء سلالي:-

وكنتيجة طبيعية لثقافة الانحراف برزت دولة العصبية العنصرية بشرعية مذهبية وغطاء سلالي, ونتج عن ذالك تحالف الطغيان وثقافة الانحراف .فالطغاة يستمدون شرعيتهم من تغييب الوعي فعمد الطغاة على قطع التواصل مع البدايات القرآنية والرساليه التي مثلها عصر النبوة والصحابة والأئمة المجتهدون, وعمد الطغاة على تكريس الانحراف وتشجيع دعاته لأنهم لا يستطيعون ممارسة الطغيان الا من خلال ادوات الانحراف , وهذا ما حصل في بلادنا عندما هيمن طغاة الأئمة الذين لم يمثلوا اجتهادات الامام العظيم زيد بن علي عليه السلام ورضي الله عنه تلك الاجتهادات العظيمة التي تمثل جسر التواصل بين جناحي امة الاسلام(السنة والشيعة) لما فيها من الافكار المجمعة , وحله قضية الخلاف في احقية الحكم - والتي هي جزء من الانحراف – عندما جوز ولاية المفضول في وجود الفاضل .لقد مثل الأئمة الطغاة صورة اخرى وصفها المفكر والمحقق زيد بن علي الوزير (الملك مام) أي الملك الأمام وبدأت ثقافة الانحراف تصيغ مفاهيم ثقافتها الجديدة المتمثلة بالهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش من هنا بداء تعميق الصراع المذهبي (السني الشافعي والشيعي الجارودي ) بين افراد الشعب الواحد وبدأت ثقافة الانحراف تطغى وتهيمن على الثقافة التي حاول بعض ائمة الزيدية تصحيحها وحكمت ثقافة الانحراف وقسمت المجتمع الى طوائف متناحرة متخاصمة متربصة ببعضها واستمر الحصاد المر.

محاولات الاصلاح:-

برزت ومضات للإصلاح من بعض أئمة الزيدية العظام كان اخرها ثورة 48 محاولين تصحيح المسار الا ان ثقافة الطغاة والانحراف هيمنت, وتفجرت ثورة سبتمبر بدعوى انها تصحح المسار وتعيد للمواطن حقوقه المغتصبة وكرامته المهدورة, وتحرره من هيمنة الاخضاع ,الا انها لم تشخص المرض تشخيصا دقيقا وتعاملت مع الاعراض ولم تتعامل مع المرض نفسه وبالتالي اخطأت العلاج, وانتجت لنا نفس ثقافة الانحراف تحت مسمى جديد حيث برز مفهوم جديد للدولة, واستمر الحصاد المر.

سبتمبر واكتوبر و بروز دولة العصبية القبلية بشرعية ثورية وغطاء عسكري:-

لم تواجه ثورة سبتمبر ثقافة الانحراف ولم تعمل على علاجها وانما رفعت شعارات لوعدنا اليها نجد ان اول شعارتها على سبيل المثال لم يتحقق فالاستبداد جاثم علينا بأشكال اشد واقسى ,وابرزت لنا طغاة عسكريون مثلو لنا ابشع صور الطغيان لأنهم مثلوا ثقافة الانحراف السابقة وزادوا عليها بطش القوة العسكرية. واستمر مسلسل الحصاد المر ومارس الطغاة الجدد تلك الثقافة على اخوانهم في المجتمع وهمشوا وألغوا دور بقية فيئات المجتمع ولم يستفيدوا من تجربتهم السابقة مع ثقافة الانحراف التي جعلت منهم اداة قمع لها على بقية ابناء الأمة ومارس طغاة العسكر نفس ما مارسه الأئمة الطغاة ضدهم ولكن هذه المرة ضد اخوانهم الهاشميون والشوافع. وتنبه الزبيري للانحراف وعبر عن ذالك شعرا ولكن كهنة الطغاة الجدد تخلصوا منه وحاول ابرهيم الحمدي ان يصحح المسار ولكن كان مصيره مصير الزبيري واستمر الحصاد المر.

وعلى ارض الجنوب العربي قامت ثورة 14 اكتوبر وبتشخيص ايضا لا يمت للواقع بصلة ثم توالت صدامات قوى الانحراف وثقافته في الجمهورية العربية اليمنية , وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على مستوى المجتمع في كل منهما وعلى مستوى الصراع بينهما , وتغيرت المسميات والاشخاص ولكن الثقافة واحدة ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش وعدم الاعتراف بالأخر) واكتشف المواطن اليمني ان العلاج الذي وصفته ثورتي سبتمبر واكتوبر ودفع ثمنه باهضا دما وكرامة ومالا لم يحقق له الشفاء واستمر الوطن ارضا وانسانا في حصاده المر.

الوحدة وهيمنة دولة العصبية القبلية:-

قامت الوحدة في عام 1990م وجمعت كهنة ومريدي دولة العصبية القبلية من الجانبين وتقاسموا كل شيء وهلل الشعب فرحا بلقاء الاخوة وشخص القائمين على دولة الوحدة العلة – من وجهة نظرهم- ووصفوا العلاج ولكنهم ايضا لم يتجهوا لتشخيص المرض الحقيقي الذي يعاني منه مجتمعنا, واستمرت ثقافة الانحراف - ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش وعدم الاعتراف بالأخر) - تحكم دولة الوحدة. وتصارعت العصبيتان , ونتج عن هذا الصراع ما بات يعرف بحرب صيف94 او ما اطلقت علي العصبية المنتصرة ( حرب الردة والانفصال) وهيمنة دولة العصبية القبلية واضافة ممارسات جديدة لثقافة الانحراف منها الضم والالحاق وعودة الفرع الى الاصل وبرز نوعا من طغاة الانحراف تملكوا كل شيء وكان طغاة العهد البائد يكتفون بنصيب من خراج الارض اما طغاة الانحراف الجدد فتملكوا الارض وخراجها وسخروا ما عليها وما فيها لتصب في خزائنهم. وهنا بدأت تبرز مشكلات هذه الثقافة.

1-ازمة الحراك في جنوب الوطن:-

بدأت هذه الأزمة كحركة مطالبيه مشروعة نتيجة لممارسات القوى المهيمنة لثقافة الانحراف ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش وعدم الاعتراف بالأخر و الضم والالحاق وعودة الفرع الى الاصل  وتركزت المطالب بحقوق مشروعة كالمرتبات والوظائف وعودة المسرحين من ابناء القوات المسلحة والأمن والذين تم فصلهم بعد الحرب. ولكن قوى الطغيان لم تعر الامر ادنى اهتمام واعتبرت ممارساتها تلك امرا طبيعيا لأنه جزء من ثقافتها وان الامر لديها هو عودة الاصل الى الفرع وان على المطالبين بحقوقهم ان يخضعوا لثقافتهم لأنهم المنتصرون والسادة. ولم يتم الاعتراف بأي حق لإخواننا في المحافظات الجنوبية ,مما دفع بقوى الحراك وفقا لمورثها الرافض ان تنتقل امام هذا المفهوم المنحرف الى تصعيد جديد وهو المطالبة بفك الارتباط وعودة كيانه السابق لأن الكيان المنتصر والمهيمن الغى حقه وارضه وهويته وهنا حاول النظام ان يلعب لعبة خبيثة بدفع قوى الحراك الى استخدام العنف المسلح وتحويلها من حركة مطالبيه الى حركة مسلحة ومن ثم بالتالي الحاق تهمة القاعدة بها ويحقق بالتالي شرعية مواجهة الحراك داخليا وخارجيا ويشوه مشروعية المطالب المحقة ولكن الاخوة في الحراك كانوا اكثرا وعيا ولم يعطوا النظام ذالك المبرر. واستمر الوطن ارضا وانسانا في حصاده المر.

2-ازمة الحوثيين في شمال الوطن:-

نتيجة لاضطهاد الهاشميين ومحاربتهم في ميادين كثيرة ابرزها المواجهة الفكرية ونتيجة لذالك بدأت تبرز مشكلة ما بات يعرف بالحوثيين وبدأت المشكلة كردة فعل على ممارسة ثقافة الانحراف ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش) ولكن هذه المرة بدافع جديد حيث ان الطغاة الجدد غير مؤهلين وفقا للمذهب بتولي الولاية لعدم انطباق شروط الإمامة عليهم وليكتسب الطغاة القادمون من المنطقة المحسوبة على المذهب الزيدي شرعيتهم التي لا يعترف بها المذهب سعوا الى محاولة الغاء وتهميش المذهب عن طريق نشر ما سمي بالتسنن (تحويل المناطق الزيدية الى سنة) وخاصة في محافظة صعدة والتي كان لمدرسة الشيخ مقبل ابن هادي الوادعي دورا اساسيا في ذالك وبالتالي اندفع شباب المنطقة الى موقف الدفاع الفكري , عن مذهبهم وهذا رد فعل طبيعي وحق مشروع.

غير ان الامر تعقد واخذ ابعادا مختلفة وتقاطعت فيه المصالح على النحو التالي:

-المصالح الداخلية (ايجاد خصم مواجه لحزب الاصلاح- تجارة المخدرات والسلاح- تمهيد الطريق للتوريث بالخلاص من علي محسن)

-المصالح الاقليمية (بروز ايران كقوة مذهبية شيعية صاعدة تبحث عن مناطق نفوذ – مخطط الصهيونية بتفكيك المنطقة وتفجير الصراعات المذهبية)

-المصالح الدولية ( السيطرة على الممرات الاستراتيجية – خلق حالة من التوتر والاستنفار لجيران اليمن حتى لا تحقق المنطقة الاستقرار والتنمية )

وتقاطع هذه المصالح جعل من صعدة وابنائها مكانا لتصادم هذه المصالح تارة وتحالفاتها اخرى. ولإيجاد مشروعية للصراع كان لابد من ان تتحول الحركة الحوثية من حركة فكرية تدافع عن قضايا فكرية في الاساس الى حركة مسلحة تهدف الى اقامة مشروع للدولة المذهبية ,ونجح المخطط بدفع الشباب المؤمن في هذا الاتجاه, ولم تعد العملية هي اضطهاد فكري محصور في صعدة ,وبداء التوسع للحركة الى محافظات خارج صعدة, الى صنعاء, ومارب والجوف وهي تسعى الى ايجاد ممرات امنة للحصول على الامدادات التي تأتيها من البحر. وهي لا زالت حتى الان في معركة شرسة في الجوف مع القبائل التي كان لها سبق الوصول الى ميادين الثورة بقيادة الشيخ امين العكيمي الامين العام لمؤتمر بكيل والشيخ الحسن ابكر والشيخ الباشا عطية. وهذا يدلل ان الاخوة الحوثيين يتجهون الى اقامة دولة مذهبية, وهذا يصب في خدمة المخطط الذي يسعى الى تمزيق المنطقة مذهبيا وطائفيا ومناطقيا وجعل المنطقة تعيش على حافة الهاوية وهو بالأساس مشروع صهيوني ,وقد اشار الى ذالك المفكر الإسلامي ابراهيم بن علي الوزير منذ فترة طويلة في كتابه ( الطائفية اخر ورقة العالين في الأرض) ولعب النظام دورا اساسيا في خلق وايصال الوضع الى ما هو عليه . واستمر وطننا في حصاده المر.

3-ازمة الغليان الصامت:-

هناك ازمة غليان صامت تعيشه مناطق الوسط والشرق والغرب والتي عانت كثيرا من ثقافة الانحراف ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش) وهي اكثر الفيئات التي دفعت ثمن هذه الثقافة  ودعمت كل محاولات تصحيح الانحراف بمسمياتها وأزمنتها المختلفة ومن خلال الكفاح المدني اومن خلال المشاركة بالثورات المختلفة دون ان يتحقق لها الخلاص من هيمنة هذه الثقافة. وقد وصل هذا الغليان اوجهه والمشهد بات منتظرا الانفجار في أي لحظة, نتيجة الحصاد المر.

التحول من دولة العصبية القبلية الى دولة العصبية الاسرية :-

تطورت ثقافة الانحراف ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش) والتي هي امتداد لثقافة طغاة الأئمة وبدأت دائرة هذه الثقافة تتسع ولم تكتف بأبناء المذهب الاخر (المذهب الشافعي) ومعتنقيه بل توسعت لتشمل ابناء المذهب الزيدي واخضعت لها ابناء المذهب من القبائل الأخرى حيث انحصرت الهيمنة لقبيلة حاشد ومنها انحصرت لقبيلة سنحان ومنها لقبيلة الرئيس ومنها لأسرة الرئيس, وتحولت الدولة الى دولة عائلية يسيطر عليها رجل واحد وافراد اسرته ووظف الدولة بدستورها وأنظمتها ومواردها ومواطنيها لخدمته وافراد اسرته وذابت الدولة بكل مفاهيمها في شخصه , ومثل هذا التحول اعلى مراحل الانحراف والطغيان والعلو في الارض ووصل الامر الى مرحلة الوصف القرآني (لا اريكم الا ما ارى).

ثورة الشباب وبشائر التغيير:-

(فأن مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا)   (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) هكذا اكد القرآن الكريم بأن سنن الله غالبه .اذعندما يصل الطغيان اعلى مراتبه من العلو لابد من ان تتدخل نواميس الله وسننه .لقد طفح الكيل وبلغ صبر الشعب مداه ,وبداء شباب الشعب ثورتهم المباركة ثم لحق بهم كل طوائف الشعب - المدنية والعسكرية - وقبائله ثم انظم اليهم ابناء الشيخ عبدالله الاحمر ومشايخ حاشد كما انظم اليهم مشايخ وقيادات عسكرية من سنحان وعلى رأسهم علي محسن الأحمر لأنهم ولأول مرة في حياتهم وتاريخهم شعروا بأحاسيس التهميش والإلغاء الممارس ضدهم من النظام, وتلك حكمة الاهية حيث مثل انضمامهم لثورة الشعب بشائر التغيير والنصر.

ثورة الشباب وانهاء الحصاد المر بتصحيح المسار واسقاط ثقافة الانحراف:-

آن الأوان لأنهاء الحصاد المر وحتى نخرج من دائرة الصراع ونتخلص من ثقافة الانحراف ( الهيمنة والإخضاع (ومن هنا اتت كلمة خضعي) والإلغاء والألحاق والتهميش) التي هيمنت علينا خلال المراحل المختلفة من تاريخنا فأننا نعول على ثورة الشباب والشعب ان تصحح مسار الانحراف وتعمل على الغاء ثقافة الانحراف ,انها فرصتكم التاريخية ايها الثائرون لتقوموا بذالك ,انكم بثورتكم تستطيعون ان تقدموا ما لم تستطع تقديمه الثورات السابقة. ولذالك ضعوا في اعتباركم ما يلي:

1-يجب اعادة تصحيح مسار المذهب واعادته الى كونه اجتهادا بشريا وليس دينا بديلا ,ولا لاغيا او مجرما او مكفرا لأي مذهب اخر والعودة الى منابع الاسلام النقية ,وهذه مهمة العلماء الثائرين.

2-العمل على الغاء ثقافة الانحراف بشكل كامل من خلال التقنين الواضح المتفق عليه بين كل اطراف المجتمع واعداد صيغة ثقافة جديدة موحدة ومجمعة وفرصتكم اليوم ان تبداؤ هذا التوجه الان في ميادين الحرية فتجمعكم بأطيافكم المتنوعة هو نعمة ربانية لتناقشوا وتؤصلوا خلالها لثقافتكم الجديدة .

3-العمل على حل القضية الجنوبية من خلال الاعتراف بأن قضية اخواننا في المحافظات الجنوبية قضية عادلة وان لهم الحق في مطالبهم, لأنهم اتونا شركاء بدولة وارض وانسان , ولكن ثقافة الانحراف دفعت بهم الى المطالبة بفك الارتباط والانفصال. كما يجب تقديم الشكر لهم لأنهم اول من تمرد على ثقافة الانحراف وكانت محاولاتهم تلك والشهداء الذين سقطوا اول شرارة اشعال الثورة .والوطن الواحد مكسب لنا جميعا ,وعلينا معا تصحيح مسار الوحدة بما يضمن حقوق كل الشركاء كاملة غير منقوصة, ويمكن الاتفاق على أي صيغة تحقق الشراكة الكاملة والمواطنة الكاملة ,  وهناك صيغ عديدة يمكن الاتفاق على احداها من خلال مشاركة الممثلين الحقيقين للحراك عبر حوار جاد يعتمد هذه الثوابت, وليس عيبا تصحيح المسار ولكن العيب الاستمرار فيه. كما يجب تعويض كافة المتضررين من حرب صيف 94 التعويض العادل .

4-العمل على حل المشكلة الحوثية ,من خلال الاعتراف بحق اخواننا الحوثين بأن لهم حرية الاعتقاد بمذهبهم وليس من حق أي طرف المساس بمذهبهم او محاربتهم بدافع مذهبي ,كما انه يجب عليهم ان يبادلوا المذاهب الاخرى نفس الامر, كما انه ليس من حقهم ان يحولوا مذهبهم الى مشروع دولة تمارس نفس ثقافة الانحراف التي يجب القضاء عليها. وان عليهم ابعاد بلادنا من دائرة الصراعات الاقليمية والدولية , ويجب ايقاف اعتدائهم المسلح والتوسع في المحافظات الاخرى كما يجب اعادة اعمار ما دمرته الحروب وتعويض المتضررين تعويضا عادلا.

5-العمل على تصحيح صورة بلادنا شعبا وارضا والتي حولها النظام الى مصدر للقلق والتوتر في المنطقة عندما ارتبط بأجندات لا تخدم بلادنا ومحيطها من دول الجوار. وذالك من خلال القضاء على صورة ان بلادنا مركزا متقدما للقاعدة, او ان جزء منه سيصبح بؤرة للدولة الأثناعشرية المدعومة من ايران .فلا اليمن واهله يشكلون حاضنة للقاعدة ولا اخواننا الزيدية يسعون الى تكوين دولة مرتبطة بإيران .

6-العمل على انشاء الدولة المدنية القوية والقادرة والتي تكفل استقرار المنطقة واستقرار الداخل اليمني.

7-بخصوص ازمة رحيل النظام ,طالما واخواننا الخليجين تقدموا بمسعاهم عن طريق مبادرتهم وهم يحاولون تجنيب اليمن ويلات الصراع وايد ذالك اصدقاء اليمن من الاوربيين والامريكان فعليهم جميعا ان يكونوا ضامنين بتنحي الرئيس وليس مجرد شهود فقط , لان الرئيس علي عبدالله صالح لا يلتزم باي اتفاق يبرمه طالما هو ضد مصلحته فلم يلتزم باتفاقيات الوحدة ولا بدستور الوحدة ولا بوثيقة العهد والاتفاق فالشعب وشباب الثورة لا يثقون بكل عهود الرئيس. كما عليهم ان يتقدموا بمشروع مارشال للنهوض باليمن ودعم مسيرته نحو الاستقرار والنهضة وذالك يضعه على مصاف دول مجلس التعاون ,حيث ان رحيل النظام وقد نهب كل موارد الدولة سيجعل من اليمن مصدرا للتوتر داخليا وخارجيا وهذه المرة ليس بسبب نظام الحكم ولكن بسبب الفقر وقلة الموارد.

8-العمل على قيام مؤتمر وطني عام على مستوى كل محافظات اليمن تحت عنوان التسامح والتصالح مع كل اطياف المجتمع لنؤسس عهدا جديدا خاليا من الكراهية وثقافة الانحراف لنطوي كل دورات الصراع التي شهدتها بلادنا. ونتطلع لمستقبل مشرق نبني فيه يمننا الجديد.

صدمة الاحباط:-

ان الخشية هنا ان يصاب الشباب الذين يمثلون 60% من السكان بالإحباط اذا ما تحطمتم امالهم واحلامهم بسبب المعادلات السياسية, حينها لن يكون حصادنا مرا بل دمارا وخرابا ليس لليمن وحده ,ولكن لكل المصالح المرتبطة بهذا الموقع الجغرافي الهام.

تنويه لابد منه:-

الى شباب الثورة وشعب الثورة لا تنقادوا ولا تندفعوا دون وعي وفقه شخصوا واقعكم ومحيطكم وامراضكم بدقة حتى لا تكرروا اخطاء الماضي والحاضر ولا ترهنوا انفسكم لقيود الحاجة فإنها مهلكة ثقوا بالله وانفسكم وبقدرتكم على التغيير, فإن اختياركم للتغيير ليس مصادفة انه قدرا اختاركم الله له.


في الجمعة 29 إبريل-نيسان 2011 04:30:03 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=10058