لماذا تخلف العرب دهرا ؟
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 23 يوماً
الأحد 27 فبراير-شباط 2011 11:46 ص

كتب أمير البيان المفكر العربي شكيب ارسلان كتابا بهذا العنوان «لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم ؟» وقد اتفق رواد الفكر العربي بجميع ألوانهم أن الحكم الاستبدادي على امتداد مائتي عام هو السبب الرئيس في هذا التخلف ولم يدخل العرب في عهد الديمقراطية بعد ، وتبشر الثورات العربية الملتهبة الآن في أكثر من ناحية أن العالم بدأ يشهد عصر العرب المغيبون من خارطة الحضارة والسياسة العالمية، وهذا العصر العربي سيؤثر على أنحاء مختلفة من العالم « أفريقيا واسيا مثل الصين وكوريا الشمالية وكوبا» وكذلك على إعادة ترتيب العلاقات الدولية بالتحول من علاقات شمال- شمال بين القوى الاستعمارية إلى علاقات شمال - جنوب وإمكانية إعادة تشكيل جديد لمنظمة الأمم المتحدة المهيمن عليها من طرف وحيد، وحل القضية الفلسطينية بجدارة. ولمناقشة الظاهرة بشكل موضوعي ينبغي الإجابة على السؤالين التالين:

السؤال الأول : ما الذي طال أمد عمر المستبد العربي بجهله وجهالاته وحقاراته ووحشيته ليهيمن التخلف العربي عن ركب الحضارة ؟

السبب الأول : إمعان الحاكم العربي المستبد بإسراف إلى قمع النخبة العربية في ظل الحكومات الوطنية بعد الاستقلال ، وهنا نتذكر أن كل الدول العربية كانت بالمرصاد لكل النخب العربية المستنيرة من « إسلاميين ويساريين وعلمانيين وليبراليين ومواطنين أحرار» فكانت لها بالمرصاد « سجنا وتعذيبا وقتلا وتنكيلا» وذلك على امتداد عقود . وهنا سنكتشف المستجدات التي أبطلت مفعول هذا السلوك السياسي المنحرف من السلطات ضد مواطنين متميزين علما وثقافة وتنويرا وشجاعة أدبية جعلتهم على صدام دائم مع سلطة القهر والإجرام؟ وجعلت من السلطة في مواجهة دائمة مع الشعب .

وللتذكير فإن من أشهر الدول التي فاض بها التنكيل لمشاعل النخب العربية : « العراق مصر سوريا المغرب الجزائر الأردن » وكل الدول العربية الأخرى كان لها نصيب أقل من الإجرام ضد مواطنيها ؟ والسؤال كيف ننشد التقدم العربي والنخبة العلمية والمفكرة والواعية في السجون والمعتقلات والمنافي وعلى المشانق ؟ في وقت عولت السلطة العربية الاستبدادية على بدائلها من الولاءات الكسيحة وليس الكفاءات كمن يراهن الفوز بالسباق بحمار أعرج .

السبب الثاني : مواصفات الحاكم العربي المستبد :« حاكم جاهل أمي متخلف مجرم فاسد سارق معتوه » هذه الرتب حقيقية يتصف بها معظم الحكام العرب المستبدون، فاثبتوا فشلهم في الحكم على امتداد يفوق الربع قرن، وقد عمد هذا الحاكم المستبد إلى التزاوج بين السلطة والثروة والنفوذ، وتعيين من على مستواهم في الجهل والوصولية ففسدوا وافسدوا، وعلى رأس هذه الحكومات الفاسدة والبدوية والأشد تخلفا« ليبيا واليمن » وما يجري في ليبيا الآن يجسد تلك البداوة المتقعرة، ولا ننسى التذكير بأنزه الحكام العرب من قائمة المستبدين الشرفاء الذين نذكرهم بالخير للأسباب التالية : « خرجوا من الحكم بدون أرصدة، وبدون توريث، ودون تكريس العصبية العائلية، وكان لهم مشروع بناء الدولة الحديثة من الصفر، وكل أخطائهم مغفورة لحسن نواياهم تجاه أوطانهم » ومن هؤلاء « عبد الناصر ، وبورقيبة ، وهواربومدين ، والحمدي ، وياسر عرفات». رحمهم الله وغفر لهم.

السؤال الثاني : مالذي ساهم في تحول العرب نحو الديمقراطية ونحاج ثورتهم المسترسلة إلى مدى غير منقطع بعد ؟ وهو ما يفسر سقوط الاستبداد المعاصر وتراجعه.

أولا: دخول تقنيات الاتصال الحديثة التي لم يعد معها إمكانية إخفاء الجرائم والبشاعات السياسية « الفضائيات والنت والهاتف ». وتظل قناة الجزيرة شريكا في انجاز الثورة العربية المعاصرة، فقد حصل سابقا أن قصف حافظ الأسد مدن:« تدمر وحمص وحماه » بالطائرات ضد مناوئيه السياسيين ومرت الحوادث على عظمتها مرور الكرام لأن عصر الاتصال والإعلام المفتوح كان غائبا ، وفي اعتصام الجزائريين في العام 1991 الذي استمر في الشوارع لمدة ثلاثة أشهر ضد السلطة العسكرية التي صادرت نتائج الانتخابات الحرة في الجزائر، ومع ذلك قضي على هذا الاعتصام والعصيان المدني المفتوح الذي ذهب أدراج الرياح - بالرغم من قوته - وقد دفع الشعب الجزائري ثمنا باهضا لموقفه ذاك، فقد شكلت السلطة مجموعات أمنية بلباس أفغاني ولحى طويلة لقتل القرى والأحياء السكانية التي كان أكثر المصوتين فيها للجبهة الإسلامية للإنقاذ بلغ عدد الضحايا من الشهداء أكثر من نصف مليون، هذه السلطة الإجرامية كانت سببا للتخلف العربي. فبدلا من الاشتغال بالتنمية والتقدم قتلت وهجرت النخب العالمة والمستنيرة التي من المفترض أن نقود عملية الإبداع والتحديث.

ثانيا: على حين غفلة من المستبد توسعت دائرة النخبة العربية كما ونوعا « أفقيا وعموديا» في وقت من الاسترخاء للنظام العربي القمعي المستبد متيقنا أن الشعب العربي قد خنع والى الأبد ، فالسلطة العربية المستبدة كانت ترتكب الإجرام وتتهم خصومها السياسيين به مثلما فعل وزير الداخلية المخلوع بتفجير الكنيسة ليعتقل عددا من الناشطين السياسيين بالشبهة، واليوم الحاكم المستبد يخطط بإصرار على استحداث الأزمات الداخلية ولو ذهب إلى إشعال حرب أهلية كي يبقى في الحكم « اليمن الجزائر السودان سوريا والممالك المطلقة في الخليج» وعليها سيأتي الدور تباعا إلا من اتعظ بغيره.

الخلاصة : اليوم مهما فعل الحاكم العربي المستبد فهو راحل لا محالة شاء أم أبى؟ والذكي من هؤلاء العجائز المستبدين من اتعظ بغيره ، ونخن نطلب من الرؤساء المتبقيين أن يفكروا بالرحيل بشرف فقط ، أما بقاؤهم فلن يكون ممكنا بعد اليوم ، ومهما فكر الحاكم العربي المستبد أن يفعل بشعبه – تنكيلا وقتلا - فلن يكون في مأمن من العقوبة من شعبه والثورة عليه، ارحلوا بشرف قبل أن ترحلوا بمهانة !!!!

رسالة خاصة : النهاية المشرفة للرئيس صالح دون شماتة

بوسع الرئيس كي يصدقه الناس أن يجري خطوتين فقط في غاية الأهمية - اليوم وليس غدا:

الخطوة الأولى: إعادة تشكيل قيادة الجيش والأمن على أساس وطني بدلا من العائلي على اعتبار أن هذه المؤسسات هي في خدمة الشعب وتحت تصرفه وليست في خدمة الحاكم وملكا خاصا له ولعائلته، وهذه الخطوة ستؤدي إلى الحفاظ على أفراد عائلته من المسائلة والانتقام والحقد المستشري عليه وعليهم.

الخطوة الثانية : إعلان استقالته من الحزب ورئاسة الجمهورية وبقائه رئيسا مؤقتا لتصريف الأعمال يشرف على تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى بكل استقلالية الإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة تلتزم المعايير الدولية في النزاهة والشفافية تعبيرا عن إرادة الشعب خلال ستة أشهر.

سيضطر الجميع إلى الانسحاب من الشوارع والبدء بترتيب المرحلة القادمة من جميع الشركاء في الداخل والخارج ، نتمنى للرئيس الصالح التوفيق والحكمة والسلامة وللشعب اليمني الانتقال السلمي والسلس إلى الديمقراطية التي لم بعرفها بعد .

مع خالص شكري لمبادرة وزير السياحة الشجاعة والصادقة في رسالته للرئيس صالح.