لماذا لا يقود الرئيس ثورتنا التي نريد؟
بقلم/ غادة العبسي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 08 فبراير-شباط 2011 06:58 م

انفجرت ثورة تونس مخلفة ورائها ثورة أحلام داعبت خيال كل المحرومين والطامحين، المستائين والمتربصين. كان اليمن هو البلد الذي توقع كثير من المحللون أنه التالي، ربما لعوامل عدة منها الوضع المعيشي المتردي والتدني الحاد في مستوى الاقتصاد، واستفحال الفساد في جميع مرافق الدولة ومؤسساتها.

وبالفعل ظهرت أصوات تنادي بالثورة وانتفاضة الشعب اليمني الغارق في محيط من الأمية، والمطالبة بتنحي علي عبد الله صالح عن السلطة، انه اندفاع عشاق الثورات الذين لا يعطون أفكارهم فرصة النظر إلى ما بعد الثورة وما بعد العصيان وما بعد الانتفاضات في مجتمع يتسم بتعقيدات تخلو منها تونس ومصر.

ففي بلد يستوطنه الفساد والأمية كما يستوطن السرطان الخلايا البشرية، وتتوزع خارطة فكرها السكاني بين مناطقية ومذهبية وقبلية وحزبية، ويتوشح نصف سكانها السلاح حتى في أفراحهم، تغدو الثورات فيها دعوة صريحة إلى حرب أهلية و صوملة يصعب الخروج منها..

ثمان وأربعون عام هو عمر الثورة اليمنية، ولا تزال البنية التحتية لهدا البلد في مهدها، ودخولنا في معمعة الثورات ثم الحروب الأهلية سيعيدنا إلى ما قبل الثورة بقرون..

أتخيل السيناريو المرعب الذي ينتظر اليمن في حال ظل هؤلاء المتعطشون للفوضى والحروب يروجون لأفكارهم التي يسعون من روائها أحيانا إلى تصفية حسابات شخصية، وشفاء حمى الوصول إلى الكرسي، ليس هناك أحد من أفراد الشعب الفقير بحاجة للكرسي فليكن حكما ملكيا، هدا لا يعني شاب وفتاه تخرجا من الجامعة قبل عشر سنوات ولا يزالان يحلمان بفرصة عمل، وفرصة زواج وفرصة حياة آمنة، إن كنا سنخرج منادين بالتغيير وممارسة حقنا في التعبير فليكن شعارنا أوقفوا الفساد، مشكلة اليمن هو الفساد وما يعانيه هدا الوطن وأبناؤه هو من تأثيره..

لتكن مطالبنا تمس حياتنا و أمننا: محاربة الفساد والبطالة، إعادة النظر في الفوارق بين العمالة الوطنية والعمالة الأجنبية التي يتم استقطابها رغم وجود من يوازيها إن لم يكن أفضل منها ويدفع لها بالدولار مقابل فتات لأبناء الوطن أو رفض كلي لهم، تكريس التعليم المجاني والإجباري.

 هذا ما يجب أن يفكر فيه رئيس الجمهورية في هذه اللحظة، ويقطع الطريق أمام الداعين إلى هاوية لو انزلقنا فيها لن نعود إلى ما كنا عليه. لدينا جهاز حكومي فاسد وفساده لا يحتاج إلى دليل، يتوجب الآن على الرئيس أن يعيد النظر فيه وأن يبدي حزما أكثر، الرجل الذي استطاع أن يوحد شطرين كان لكل واحد منهما قوانين وجيش ودولة وشعب، من المؤكد أنه أكثر حرصا وقدرة على إبقاء هدا البلد خارج دوامة الحروب الأهلية، وأكثر رغبة في الاحتفاظ بوحدة الوطن وشعبه.

لا اعرف كيف يمكن تجاهل ما الذي ينتظر هذا الوطن إن كررت تجربة تونس أو محاكاة الشعب المصري، غدا تتفتت وحدة هدا الوطن، فجنوبه دولة وهو مطلبهم وغايتهم، والحوثي يحلم بعودة عهد يحيى حميد الدين، والإصلاح ومن والاهم دولة، وقبائل لن ترضى بحكم هذا أو ذاك، وجيش سيجد نفسه دولة، أما الشعب فسيضيع بين الرجلين كما يقال..

الحديث والدعوة إلى ثورة وانتفاضة هو حديث عن كارثة ستحل بهذا البلد. لنكن عقلانيين وواعين، وهذا هو دور الإعلاميين والمفكرين والدعاة، لنترك خلافاتنا جانبا نستطيع التغاضي عنها الآن، هدا إن كانت فعلا كل هده الدعوات من أجل الوطن، فهذا ما يحتاجه الوطن وما يجب علينا فعله.

واستطيع هنا أن ادلل بالمرحلة التاريخية التي خاضتها اسبانيا قبيل الحرب العالمية الثانية، عندما أسفرت الانتخابات عن فوز الجمهوريين، فانقسمت البلاد الأمر الذي مهد لحرب أهلية لا مثيل لها، والتي بدورها مهدت للحرب العالمية الكبرى.

 وحينما لاحت إرهاصات الفوضى، وقف رجل يدعى روبيلس رئيس الحزب الكاثوليكي الاسباني في "الكورتيزن"، البرلمان الاسباني، يخطب في زملائه قائلا: "دعونا لا نخدع أنفسنا. إن أي بلد يستطيع أن يعيش في ظل نظام ملكي أو جمهوري، في ظل نظام برلماني أو رئاسي، في ظل نظام شيوعي أو فاشستي. لكن أي بلد لا يستطيع أن يعيش تحت الفوضى. إننا نسير اليوم في جنازة الديمقراطية".

ليس الأمر وكأننا بين خيارين، إما بقاء الأوضاع على ما هي عليه أو الدخول في الفوضى. لا بد من استغلال المناخ الذي إشاعته ثورتي مصر وتونس لخلق تحول آمن يمس كل جوانب الحياة، ليس على مستوى السلطة والسياسة بل التعليم والصحة والتخطيط الحضري والكهرباء والمياه والبطالة وغيرها.

هذا التحول منوط بالرئيس قبل المعارضة. مبادرته الأخيرة تستحق الاحترام ويجب ان نشجعه لاتخاذ المزيد من الخطوات والإصلاحات الملموسة التي من شأنها عزل دعاة الفتنة. وفي 2013 سيغادر السلطة كزعيم وطني خالد بعد أن قاد ثورة اليمنيين وسفينتهم إلى بر الأمان وليس إلى الهاوية.

أنا ليس لدي ما أخاف عليه. كل ما املكه هو روحي وأمل بغد أفضل، ولكن أمانة الكلمة والمهنة جعلتني اكتب، حبي لوطن لم يمنحني سوى الجنسية مكتوبة بخط ركيك في هويتي-يمنية وكفى.