نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية #لا_لتطييف_التعليم.. حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تكشف عبث الحوثي بالمناهج وقطاع التعليم حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين أول رد لتركيا بعد هجوم حوثي استهدف احدى سفنها
لم أكن أرغب في الكتابة عن المباراة الانتخابية المزمع إجراؤها في أبريل القادم، لولا تزايد النفير المضاد للإجراءات الدستورية والقانونية التي اتخذها مجلس النواب بشأن تعديل قانون الانتخابات والاستفتاء وتشكيل لجنة عليا مستقلة للانتخابات من القضاة، والبدء بمناقشات مشروع للتعديلات الدستورية تقدم به مائة من أعضاء مجلس النواب بهدف تطوير النظام السياسي، تمهيدا لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في موعدها المحدد.
والحال أن أحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل (اللقاء المشترك) شنت ولا تزال تشن خطاباً هجوميا مسعورا على التوجهات الرامية إلى تفعيل صناديق الاقتراع، وتنظيم الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد بوصفها استحقاقا دستوريا وديمقراطيا. بيد أن أهم ما يميز هذا الخطاب هو غلبة نبرة التهديد والوعيد والتكفير التي درج قادة (اللقاء المشترك) وماكنته الإعلامية على توجيهها لكتلة الأغلبية البرلمانية والحزب الحاكم بهدف تأجيل الانتخابات وتمديد فترة مجلس النواب للمرة الثانية، وإلغاء مشروع التعديلات الدستورية.
ولا أبالغ حين أقول إن لغة التهديد والوعيد والتكفير التي أصبحت تتسيد الخطاب السياسي والإعلامي والديني لأحزاب المعارضة المنضوية في تكتل (اللقاء المشترك) لا يمكن فصلها عن إرث ثقافة الاستبداد والقمع التي تهيمن على الحياة الداخلية لهذه الأحزاب والقوى السياسية والتيارات الفكرية التي توّرطت ـــ بأشكال ومستويات مختلفة ـــ في إنتاج ثقافة العنف والتعصب والتكفير والتحريم عبر تسويق مشاريع سياسية شمولية متخلفة ذات نزعة استبدادية وعدوانية أضاعت فرصاً تاريخية لتطور المجتمع، وأهدرت طاقات وإمكانات هائلة، وخلقت جراحاً غائرة وطوابير من ضحايا الصراعات السياسية وأعمال العنف والحروب الأهلية والاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية التي كان يتم تبريرها سياسياً وأيديولوجياً، سواء بذريعة الدفاع عن الوطن والثورة والجمهورية، أو بذريعة مناهضة القوى الرجعية، أو بدعاوى حراسة الدين ومحاربة الكفر وتطبيق الشريعة، بما في ذلك فكرة ((التـتـرس)) الدموية التي تجيز قتل المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب الذين يعيشون أو يتواجدون في محيط الطائفة الممتنعة، ويوفرون لهذه الطائفــــــة فرصة التترس, الأمر الذي يكشف النقاب عن الطبيعة الشمولية الاستبدادية للمشروع السياسي الذي يسعى تكتل (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى تطبيقه في اليمن في حال وصوله إلى الحكم، وهو مشروع خطير تبدو نُذُرُه المدمِّرة من خلال ممارسة مختلف أشكال التكفير والتحريم والابتزاز والتهديد والوعيد بإسقاط السلطة والاستيلاء عليها عبر ما تسمى (الثورة الشعبية) أو (الهبَّة الشعبية)، بعد أن عجز هذا الحزب عن الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.
ويزيد من خطورة المشروع السياسي الشمولي الذي يستخدمه (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح دخول بعض رجال الدين وخطباء المساجد الذين يشتغلون في العمل السياسي والحزبي على خط الصراع من أجل السلطة، والزعم بأنهم يمتلكون تفويضاً إلهيا يبيح لهم ممارسة الوصايا الكهنوتية على العقل والدين والدولة والمجتمع، وتحديد ما يجب وما لا يجب عمله في الشأن السياسي العام، على نحو ما قاله مؤخرا النائب (الإخواني) محمد الحزمي في مقال نشرته مؤخراً صحيفة (الناس) ـــ التي يمولها ويوجهها حزب التجمع اليمني للإصلاح ـــ هاجم فيه مشروع التعديلات الدستورية التي يناقشها مجلس النواب، زاعما أن تحديد 44 مقعدا للنساء يخالف (الشريعة الإسلامية) ويعد رشوة لما أسماه (الغرب الكافر) بحسب زعمه، وقد استندت مزاعم ومغالطات النائب الإخواني محمد الحزمي إلى بيان صدر عن مؤسسي ما تسمى (هيئة الأمر والنهي) التي ولدت ميتة قبل ثلاث سنوات، ووقع عليه 114 من رجال الدين وخطباء المساجد والدعاة الحزبيين وبعض عقال الحارات تحت مسمى (علماء اليمن)!!!!
لا ريب في أن أطرافاً سياسية بعينها تتحمل مسؤولية مباشرة عن الخطاب التكفيري التحريضي الذي أدّى إلى انتشار التطرف لدى بعض المنفعلين بهذا الخطاب، وأنتج من بين صفوفهم بعض القتلة والمجرمين القساة الذين تورطوا في ارتكاب جرائم إرهابية، بيد أن الأمانة التاريخية توجب الإشارة إلى أن رواسب ثقافة العنف والتطرف، وبقايا نزعات الاستبداد والإقصاء والإلغاء والانفراد والأحادية، ليست حكراً على طرف سياسي دون آخر، وإن كان ثمة من لم يساعد نفسه بشكل خاص والمجتمع بشكل عام على التخلص من تلك الرواسب.
بوسعنا القول إن ثقافة الاستبداد في مجتمعنا اليمني والمجتمعات العربية امتلكت أجهزتها المفاهيمية من خلال طبعات مختلفة للأيديولوجيا الشمولية التي اشتغل مثقفوها على أفكار ومفاهيم وأدوات تتسم بالإفراط في تبسيط الظواهر والوقائع والإشكاليات والتناقضات القائمة في بيئة الواقع، والسعي إلى إخضاعها للأطر الفكرية والأهداف السياسية للأيديولوجيا، بما هي منظومة جاهزة ونهائية من الأفكار والأهداف والرؤى والتصورات والآليات والتهويمات التي تسعى إلى السيطرة على وعي وسلوك الناس، وصياغة طريقة تفكيرهم وتشكيل مواقفهم واستعداداتهم ونمط حياتهم على أساسها.
ولمـّا كانت الأيديولوجيا ــ سواء كانت ذات لبوس ديني أو قومي أو اشتراكي ــ تنزع دائما إلى ممارسة الوصاية على الحقيقة والمعرفة، إذْ تزعم باحتكار الحقيقة وتسعى إلى أدلجة المعرفة، فإنها تـُعطـَّـل في نهاية المطاف دور العقل كأداة للتفكير والتحليل، حين ترى العلة في الواقع لا في الأفكار والمفاهيم والتهويمات التي تؤثر على طريقة فهم الواقع وتحول دون التفاعل معه.. بمعنى فرض سلطة الصنم الإيديولوجي بصرف النظر عن لبوسه، وما يترتب على ذلك من افتقاد الموضوعية والعجز عن معرفة الواقع واكتشاف الحقيقة!!
وقد سبق لي القول في كتابات نشرتها في بعض الصحف والمواقع الالكترونية إن الإعلان عن قبول الديمقراطية لا يكفي لدمج أي طرف سياسي في العملية الديمقراطية ما لم يتم التخلص من الجمود العقائدي والتعصب للماضي القريب أو البعيد، ومراجعة التجارب والأفكار والمواقف تبعاً للمتغيرات التي تحدث في العالم الواقعي، وتستوجب بالضرورة تجديد طرائق التفكير والعمل، والبحث عن أجوبة جديدة عن الأسئلة التي تطرحها متغيرات الحياة، وإبداع أفكار جديدة وتصورات وحلول مبتكرة للقضايا والإشكاليات التي تفرضها علينا تحولات العصر والحضارة ولا يمكن معالجتها بوسائل وأفكار قديمة وماضوية.
ولعل أفضل القضايا الواجب إثارتها للتعرف على المشروع السياسي الحقيقي لأحزاب (اللقاء المشترك) التي يقودها ويوجهها ويمولها حزب التجمع اليمني للإصلاح، هي تلك التي ترتبط بالمواقف الغامضة والملتبسة لهذه الأحزاب من مخاطر الأقكار والمشاريع والأجندات الداعية إلى ممارسة مختلف أشكال التمييز ضد المرأة، ومصادرة حقوقها الإنسانية والسياسية والمدنية وحرمان النساء من الحق في التعليم والعمل وتولي وظائف الولاية العامة، والإفراط المسعور في إباحة تزويج الطفلة الصغيرة ومفاخذة الرضيعة، وتكفير الفنون والموسيقى والغنـاء، وتحريم مساواة دية المرأة القتيلة بالرجل القتيل، وعدم الاعتراف بالهوية الوطنية وإنكار حقوق وواجبات المواطنة المتساوية، وتقسيم العالم إلى فسطاط إيمان وفسطاط كفر، وعدم جواز تطبيق حد القتل قصاصاً بالمسلم إذا قتل شخصا غير مسلم بذريعة أن المسلم لا يُقتل بكافر!!!!!!
والثابت أن هذه القضايا حظيت بمناقشات معمقة ساهم فيها عدد كبير من المثقفين والسياسيين اليمنيين، تناولوا فيها بالنقد والتحليل أفكار ووجهات نظر ملالي وشيوخ حزب ((الإصلاح)) الذين يمارسون السياسة والعمل الحزبي بامتياز، وقد أنكرت هذه المناقشات على ملالي (اللقاء المشترك) نزوعهم إلى إلزام الآخرين بالخضوع لأهوائهم ووجهات نظرهم الحزبية والسياسية، بذريعة أنّ ما يصدر عنهم هو حكم الله وإرث الأنبياء، وأنّ ما يجب على غيرهم هو الطاعة والالتزام بتنفيذ أوامرهم ونواهيهم؛ لأنّهم يتحدثون باسم الله ورسول الله، ويحرسون الدين والأخلاق في الدنيا.
إني أتفهم الدوافع السياسية والحزبية لشيوخ وخطباء وملالي حزب ((الإصلاح)) لجهة حبهم لحزبهم وحرصهم على تمكينه من الوصول إلى السلطة ومنع الحزب الحاكم وحكومته من تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية بما هو مرشح حزب الأغلبية الذي فاز بأغلبية أصوات الناخبين، بما ينطوي عليه هذا البرنامج من مهام واضحة تؤكد على حماية حقوق المرأة وتعزيز دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومكافحة مختلف أشكال التمييز ضدها وتحديث المنظومة الدستورية والقانونية للدولة ونظامها الجمهوري الديمقراطي، وتطوير التراث الغنائي والموسيقي ورعاية الفنانين والموسيقيين والرياضيين.. لكنني لا أتفهم ولا أقبل التدليس والتلييس الذي يلجأ إليه الخطاب السياسي لشيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) الذي يقود ويوجه تكتل (اللقاء المشترك) في سعيه لإقحام الدين في المعارك السياسية التي يخوضها حزبهم من أجل منع أو عرقلة تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية بذرائع التحريم والتكفير.
ليقل هؤلاء ما يشاؤون لإقناع أنفسهم وأتباعهم بأنّ عمل المرأة ومشاركتها في الانتخابات حرام، وإن الغناء والموسيقى والتصوير كفر بواح على غرار ما كانت تدعو إليه حركة ((طالبان)) بعد وصولها إلى الحكم في أفغانستان.. وليقل هؤلاء ــ أيضا ــ أن ما تفعله كافة الحكومات العربية والإسلامية وحكومة المؤتمر الشعبي العام في اليمن هو كفر بواح وامتناع عن تطبيق (شريعة طالبان) عندما لا تطرد النساء من مواقع العمل والتعليم، ولا تمنع الناس من الاستمتاع بالغناء والموسيقى، ولا تهدم الآثار التاريخية، ولا تغلق التلفزيون والمسارح ودور السينما، ولا تحطم الآلات الموسيقية ولا تطارد الفنانين والمشتغلين في مجال الغناء والموسيقى، ولا تغلق أو تحرق محلات التسجيلات الغنائية والموسيقية!!
وبوسع كل من تابع النفير المدافع عن التشريعات التي تكرس التمييز ضد المرأة وتنتهك حقوقها أثناء مناقشة مشروع تعديل النصوص القانونية التي أدخلها حزب (الإصلاح) على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات أثناء مشاركته في السلطة بعد حرب صيف 1994 المشؤومة، ملاحظة أنّ المدافعين عن هذه النصوص المزمع تعديلها وتصويبها، لم يجدوا لتبرير موقفهم الرافض لمشاريع التعديلات التي تقدّمت بها الحكومة إلى مجلس النواب في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، سوى تسويق آراء ووجهات نظر بعض الفقهاء الأسلاف التي تندرج ضمن أسوأ ما ورثناه في كتب التراث الفقهي القديمة، دون الاستناد إلى أدلة قاطعة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، تنص على مصادرة الحقوق السياسية والمدنية للمرأة، وإباحة تزويج الطفلة الصغيرة ومفاخذة الرضيعة وتحريم مساواة دية القتيلة بالقتيل وغير ذلك من أشكال التمييز الجاهلي ضد المرأة. حيث يتجلى بوضوح الطابع السياسي والحزبي لهذه الحملة التي انطوت على اتهامات وقحة للحكومة ومجلس النواب بالخروج عن ثوابت الدين في حال إقرار هذه التعديلات، وذلك بهدف درء الآثار السياسية السلبية التي ستنشأ عن إقرار البرلمان لمشاريع التعديلات الدستورية والقانونية، وما سيترتب عليها من إدانة سياسية للنصوص القانونية الراهنة، والتي جاءت على أنقاض نصوص قانونية إنسانية جرى تعديلها بعد حرب صيف 1994م بضغط من حزب ((الإصلاح)) أثناء مشاركته في السلطة، بما انطوت عليه تلك التعديلات من أضرارٍ لحقت بحقوق النساء، ومخاطر تهدد بالمزيد من الكوارث الإنسانية في حال نجاح مخططات وتوجهات التنظيم السري للإخوان المسلمين في حزب ((الإصلاح)) الذي يقود تكتل ((اللقاء المشترك)) على طريق إضعاف نظام الحكم وإسقاط حكومة حزب الأغلبية والوصول إلى السلطة.
يقيناً أنّ مشاعر القلق وصرخات الاحتجاجات المتزايدة في أوساط المجتمع المدني، والتي نتجت عن معاناة المجتمع من جراء الانتهاكات التي أصابت حقوق النساء وأساءت إلى كرامتهن الإنسانية، أثارت موجة واسعة من المطالب الوطنية بوقف هذه الانتهاكات التي تدفع ثمنها المرأة على حساب حقوقها المشروعة في العمل والتعليم والحياة الكريمة من جراء النصوص القانونية الحالية بوصفها نتاجا لتعديلات أدخلها (الإخوان المسلمون) في حزب ((الإصلاح)) أثناء مشاركتهم في الحكم بعد حرب صيف 1994م على بعض القوانين التي أقرها مجلس النواب خلال المرحلة الانتقالية التي تولى الحكم فيها كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني بعد قيام الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
وكان لافتاً للنظر أنّ منظمي الحملة المناهضة لمشاريع التعديلات الدستورية والقانونية أفرطوا في اتهام الحكومة بالرضوخ لما يسمونه (الغرب العلماني الكافر)، والانخراط في مخططاته التي تسعى إلى محاربة الإسلام من خلال هذه التعديلات بحسب زعمهم، وهو ما كرره بكل وضوح وصراحة النائب عن حزب (الإصلاح) محمد الحزمي في مقاله الذي تضمن هجوما مسعوراً على مشروع التعديلات الدستورية التي يناقشها مجلس النواب حالياً. كما لجأ منظمو هذه الحملة إلى تسويق وإحياء آراء ووجهات نظر قديمة وميتة لبعض الفقهاء الأسلاف، كأدلة على أنّ ما يدعو إليه أو يعتقد به ملالي حزب ((الإصلاح)) هو الدين الحق، واتهام كل من يخالف آراءهم ووجهات نظرهم بالكفر والخروج عن الدين والامتناع عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو خطاب سياسي درج على ترديده الإخوان المسلمون، في حزب ((الإصلاح)) لتبرير استخدام سلاح التكفير ضد كل من يدافع عن مشاريع التعديلات الدستورية والقانونية التي من شأنها إدانة جرائم هذا الحزب بحق النساء والمجتمع عموماً، وفضح زيف وكذب خطابه السياسي الانتهازي الذي يحاول من خلاله تلميع صورته لدى السفارات الأجنبية والفضائيات الخارجية، والظهور كمدافع عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان في سياق مناوراته السياسية الرامية إلى تضليل الرأي العام اليمني والعربي والدولي، والسعي لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية القادمة، تمهيداً للاستيلاء على السلطة، وتطبيق (شريعة طالبان) في اليمن.
ولا ريب في أنّ رفع عصا ما يسمى ـــ زوراً وكذباً ـــ بالإجماع من قبل شيوخ وملالي أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل (اللقاء المشترك)، يعكسُ حالة الفقر المعرفي والإفلاس السياسي عند هؤلاء الناشطين السياسيين المعارضين لحكومة المؤتمر الشعبي العام، والذين درجوا في مختلف المباريات السياسية في ظل التعددية الحزبية على الاختباء داخل عباءة الدين، واستخدام عصا ما يسمى ((الإجماع)) كفزاعة يرهبون بها خصومهم السياسيين في الاتجاه المقابل. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التاريخ الإسلامي والإنساني لم يشهد أي إجماع إزاء أي قضية قديمة أو معاصرة. وهو ما ينطبق أيضاً على الحياة الداخلية لحزب ((الإصلاح)) الذي لا يستطيع إقناعنا أو إقناع أعضائه بوجود ((إجماع)) في داخل هيئاته القيادية، أو بين صفوف كوادره وناشطيه وأعضائه إزاء أي قضية من القضايا التي تتعلق بالدين أو الوطن أو الإنسان أو الحياة أو المرأة أو المجتمع أو العالم!!
ولعل أكذوبة ((الإجماع)) التي يـُرهب بها ملالي وشيوخ وكهنة حزب ((الإصلاح)) خصومهم السياسيين، تشبه الأكذوبة التي أطلقها أثناء حرب صيف 1994 أحد كبار شيوخ هذا الحزب عندما أذاع بصوته، فتوى دموية فاشية تحرض على ارتكاب جرائم حرب وإبادة معادية للإنسانية بحق المسلمين المدنيين من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في عدن والمحافظات الجنوبية، زاعماً أنّ من أسماهم ذلك الشيخ ((الإخواني)) في فتواه السوداء ((جمهور العلماء)) قد أجمعوا على إباحة قتل المدنيين المتمترس بهم من قبل الكفار الاشتراكيين ـــ أعداء الأمس وحلفاء اليوم ــ وذلك حتى لا تعلو شوكة الكفر على شوكة الإسلام بحسب زعمه في الفتوى التي أصدرها آنذاك، ولقيت استنكارا وتنديدا واسعين من علماء الدين في العالم الإسلامي وفي مقدمتهم الدكتور سيد محمد طنطاوي شيخ الأزهر والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمهم الله جميعاً.
ومن نافل القول إنّ سهولة التذرع بأكذوبة الإجماع التي أدمن عليها شيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) في مجرى تعاملهم مع خصومهم واتهامهم لهم بالخروج عن ما يسمى ((إجماع الأمة وثوابتها الدينية))، توضح مدى استعداد أشباه ((الأكليروس)) في الإسلام السياسي لبيع دينهم بدنياهم، ومقايضته بالمصالح الحزبية والسياسية الدنيوية الضيقة، حتى لو كان ثمن البيع والمقايضة ممارسة الكذب الوقح باسم ((الإسلام))، والإفراط في تشويهه، والتضحية بقيمه ومبادئه السامية من خلال تقديمه في صورة الدين الذي يبيح ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الشاملة، ويحرض على قتل المدنيين من النساء والرجال والشيوخ والأطفال، وينتهك حقوق المرأة، ويخل بميزان العدالة، ويدخل كل ما يفيد وينفع الناس ـــ مثل الموسيقى والغناء والسينما والمسرح والتصويرـــ في قائمة المحرمات والممنوعات، فيما يتهمون كل الذين لا يؤمنون بمعتقدات ملالي الإسلام السياسي (الإخواني) التي تعود إلى الأزمنة الجاهلية والعصور الغابرة والبيئات البدوية الصحراوية، بالكفر والعلمانية وموالاة اليهود والنصارى، والخروج عن ثوابت الأمة و((إجماع العلماء))!!!!
ويبقى القول إنّه من حق هؤلاء إلغاء عقولهم.. ولكن ليس من حقهم مطالبتنا بإلغاء عقولنا لنصدق أولاً أنّ الإسلام يصادر حقوق المرأة في التعليم والعمل وتولي وظائف الولاية العامة، ويبيح تزويج الطفلة الصغيرة ومفاخذة الرضيعة، ولا يجيز مساواة دية القتيلة بالقتيل، استناداً إلى وجهات نظر ميتة لبعض فقهاء عصر الانحطاط التي يرفضها فقهاء آخرون أسلاف ومعاصرون.
كما أنه من حق كهنة وملالي الإسلام السياسي الحزبي في تكتل (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح أن يعطوا عقولهم إجازة مفتوحة.. ومن حقهم أيضا إلغاء عقولهم نهائياً إذا شاؤوا ذلك.. وبالمقابل من حقنا أن نتساءل عن عدالة وسلامة منطقهم الأعوج الذي يريدون من خلاله إخضاع كل من يخالف مناهجهم الحزبية والسياسية والفكرية لرأيهم الواحد وفكرهم الأوحد بذريعة أنهم يمتلكون تفويضا من الله لحراسة ملكه في الدنيا، وتكفير خصومهم السياسيين وإخراج مخالفيهم في الرأي من الدين، وهو ما سنأتي إليه لا حقاً، حيث سنتناول بالنقد والتحليل مغالطات النائب الإخواني وخطيب مسجد الرحمن المدعو محمد الحزمي وغيره من كهنة (اللقاء المشترك)، بمن فيهم أولئك الذين وقعوا على بيان تم توزيعه قبل ثلاث سنوات في الاجتماع التأسيسي لما تسمى (هيئة الأمر والنهي) الخارجة عن الدستور والقانون.