حين يحنط الرئيس نفسه
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 21 يوماً
الخميس 09 ديسمبر-كانون الأول 2010 09:49 م
 

 (1)

ثمة اعتقاد - غير دقيق - ما لبث ان تشكل بالتقادم لدى العامة مفاده ان الرئيس لا يملك القدرة على اجراء اصلاحات سياسية وإدارية في مفاصل الدولة بسبب استفحال مراكز القوى بشقيها (الحديث والقديم) وهيمنتها على مقاليد الامور.

حسب الاعتقاد، فالرئيس لو مضى في مسار الاصلاحات بشكل جاد، فسيتحول الى هدف لمراكز القوى بصورة تجعل بقاءه في الرئاسة مهدداً بعدم الاستمرار.

انعدام الدقة يرجع سببه لتعليلين, احدهما رئيسي والآخر فرعي، فاما الرئيسي فيكمن في نهج تكريس الصراعات والعيش على اذكاء الخلافات واشعال الازمات، واما الفرعي فيكمن في تحول الرجل من دمية تحركها تلك المراكز المتحكمة، الى محرك ومتلاعب بتلك المراكز التي اضحت هي الدمى وهو المتحكم..!

(2)

حين استطاع الرئيس ان يحمي ذاته، ويقصي شركاءه، ويُحجم ادواته ثم يوازن بينها في النفوذ والسلطات، كان من الطبيعي ان ينتقل من متحكم جزئي في لعبة السلطة الى متحكم كلي، وهو ما يعني أنه غدا قادراً على المضي قدماً في نهج الاصلاحات دون الخشية من نقمة مراكز القوى وتعاضدها في مواجهته.

الرئيس إذن قادر على اجراء الاصلاحات، لكنه لا يستطيع القيام بها..! نتيجة قد تبدو - للوهلة الاولى - محض احجية، غير انها بالعودة للتعليل الرئيسي الفائت عرضه تبدو منطقية وواقعية جداً.

مشكلة الرئيس تكمن في ايمانه المطلق بنظرية (خلافات الآخرين وصراعاتهم تمنحك السلطة والبقاء)، ولأن الإبقاء على الخلافات يتعارض بالضرورة مع اجراء الاصلاحات فان الأولى مقدمة على الثانية لسبب بسيط يتلخص في النتائج المترتبة، فاجراء الاصلاحات سيؤدي لتغييرات قد تطال الرئيس نفسه، بعكس الابقاء على الخلافات الذي يُعمد بقاء سلطة الرجل ويعززها اكثر فأكثر..!

(3)

حين يتأمل المرء في المؤسسات السيادية للدولة، يجدها حافلة بالأضداد بصورة يندر معها وجود اي حالات معاكسة..!

العلاقة بين رئيس اي مؤسسة ونائبه يجب ان يسودها التضاد والتنافر، عبارة تجسد اختصاراً لفحوى الفلسفة الرئاسية في إدارة الدولة.

فالجهاز لابد له من جهاز موازٍ ينازعه الصلاحيات، والجيش لابد له من جيش موازٍ يضارعه في القدرات وتنفيذ المهام والواجبات، والشركاء لابد لهم من شركاء جدد ينازعونهم على اقتسام التركة، ورجال التنفيذ من وزراء ومحافظين وقادة ألوية ومدراء أمن..الخ لابد لهم من نواب ينافسونهم في الاداء وينازعونهم الاختصاصات والصلاحيات..

في لحظات اشتداد الصراعات بين مؤسسة وأخرى او بين مسؤول ونائبه، ياتي التدخل الرئاسي سريعاً بهدف تكريس الوضع الصراعاتي القائم والحيلولة دون استحواذ طرف على اخر او سيادة مؤسسة على أخرى.

فالجميع يجب ان ينشغلوا بالصراع فيما بينهم لكي يكون الرئيس في النهاية حكماً للصراع ومرجعاً للخلاف ومتحكماً في التوزيع والاسناد والتوجيه والتقرير..!

(4)

الحالات الاستثنائية التي ينعدم فيها التعارض كنتاج لوجود قيادي محنك على رأس أي مؤسسة، يتم التعاطي معها عبر أمرين، فإما ان يظل ذلك القيادي المحنك في حالة تنقل دائم ما بين رئيس لمؤسسة ومدير لأخرى، وإما –في حال صعوبة نقله- اللجوء لتكوين مؤسسة موازية تنازع ذلك القيادي ومؤسسته في الاختصاصات والصلاحيات بصورة تحقق غاية التعارض المنشودة..!

(5)

عندما يشعر الرئيس بأنه متحكم في كل شيء، فهو - من وجهة نظر العامة - غير قادر على فعل شيء..!

فحين يتفاقم فساد احد المحافظين عن حده ويتنامى انين المواطنين من ظلمه وعبثه، لن يقيله الرئيس، ليس لانه يريد اضطهاد المواطنين او لانه لا يستطيع ذلك، فالمحافظ يجب ان يبقى كي يظل التعارض مع الأمين العام قائماً ولا يسود طرف على آخر..!

وحين يفشل الوزير في الحفاظ على النقطة الكروية اليتيمة لن يقيله الرئيس، ليس لانه لا يستطيع ذلك، ولكن حرصاً على عدم انفراد نائبه الشيخ بالوزارة وسيطرته عليها..!

وحين يرتكب مسؤولاً امنياً انتهاكات تاريخية ضد الحقوق والحريات ويُمعن في تشويه الإشراقة الديمقراطية اليمنية لدى المجتمع الدولي، فلن يقيله الرئيس ليس لأنه لايملك القدرة على ذلك ولكن لأن إقالته تعني إنهاء التعارض بين ذلك المسؤول ورئيسه بما يؤدي لسيطرة الاخير وانفراده بصنع القرار في المؤسسة.

هنا يعتقد الرئيس انه يتحكم بلعبة السلطة ويدير الآخرين بالريموت كنترول ويحافظ على بقاءه واستمرار نظامه وصموده، غير انه في الواقع يكبل يديه من حيث لا يشعر بموازاة تحطيم انجازاته دون ان يدري..!

(6)

فهو أمام مواطنية عاجز عن اصلاح الأوضاع، وأمام المانحين والمجتمع الدولي متلاعب يجيد صناعة الخداع والتموية، وامام حلفائه الاقليميين غير موثوق الجانب!

عدا عن هذا وذاك، فالتشبع الناتج عن شعور الرئيس بقدرته على التحكم في كل شيء بات يلقي بظلاله على ديناميكيته وقدرته على المناورة وابتكار التموضعات الاستثنائية للخروج من المثالب الداخلية والمآزق والمؤامرات الخارجية.

كما ان ايمانه بنظرية تكريس التضاد بات يؤثر على قدرته في بناء التحالفات وصناعة التوافقات ورعاية الاتفاقات والحفاظ على استمرارها.

(7)

عندما يشعر الحاكم بانه المسيطر على كل شيء (حتى لو لم يكن كذلك من وجهة نظر الآخرين) فقد بدأ يفقد كل شيء دون ان يدرك ذلك، هكذا انهارت انظمة امبراطورية، وهكذا فقد الملوك امجادهم، وهكذا دمر القادة انجازاتهم، وهكذا اصبح الرئيس يحنط نفسه دون ان يشعر وكفى!

al_leswas@hotmail.com