في ندوة بلا قيود... من عنف ضد النساء إلى هجوم ضد الإسلام
بقلم/ محمد بن ناصر الحزمي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 26 يوماً
الإثنين 28 ديسمبر-كانون الأول 2009 01:03 ص

ندوة مناهضة العنف ضد النساء التي أقامتها منظمة صحفيات بلا قيود خرجت عن هدفها المعلن لتتحول إلى هجوم على الحجاب وسخرية بأحكام الإسلام من قبل جهلة أصيبوا بلوثة فكرية مزمنة نتيجة تشربهم الفكر الغربي حتى الثمالة فجاءوا بنتنه وميتته ومترديته ونطيحته ليصبغوا بناتنا ونساءنا العفيفات به مقابل دولارات حقيرة يأخذونها أو شهرة زائفة يبغونها، وقد تكلم بعض المحاضرين والمداخلين وتهجم بعضهم على تعدد الزوجات والحجاب بأنهما عنف ضد المرأة، المهم أن الإسلام كان في قفص الاتهام، وللأسف أن من كانوا حاضرين ويفترض أنهم مدافعون عن الإسلام قد تلجموا إلا ما رحم ربك مما شجع إحدى المتغربات وبكل وقاحة إلى كشف رأسها أمام الحضور متحدية الشرع والدستور والقانون، ومشاعر الحاضرين مذكرة إيانا بـأمل عابدين –تركية الأصل- التي تصرفت نفس التصرف فخلعت حجابها في ألمانيا عام 2005، فما كان من إدارة اتحاد المدن اللوثرية بألمانيا إلا أن منحتها جائزتها الأولى وكانت قيمة الجائزة عشرة ألف يورو، وقال القائمون على تسليم "الجائزة"حين ذاك بأنّ "أمل" تستحقّ هذا التكريم "نظرا لما أسهمت به في إعطاء نموذج أفضل للفتاة المسلمة".

هذه هي الفتاة المسلمة التي يريدها أسياد المتغربين وأنا لا أريد أن اذكر اسمها كي اجعلها نكرة كالإعرابي الذي بال في ماء زمزم فلما سئل عن فعله قال كي يذكرني الناس فذكر فعله ولم يذكر اسمه فلم ينل الشهرة التي هدف إليها بل نال الخزي والعار.

إن فعل هذه المتغربة من خلع غطاء رأسها بأسلوب مقزز وبهذا التحدي وأن كانت تبغي من ورائه شهرة أو مالا إلا أنه يظهر بوضوح أن المسألة ليست خلافا حول النقاب من عدمه إنما المقصود نقل المرأة من العفاف إلى التبرج بكل ما تعنيه الكلمة, إن هذه المرأة صدت قول الله عز وجل وقول نبيه صلى الله عليه وسلم وكأنها ومن وافقها من المتحدثين يتهمون الله عز وجل انه أمر بالعنف ضد المرأة من خلال فرض الحجاب وإباحة التعدد كما زعم بعض السفهاء، هذا ما أوصلوه إلى المستمعين عبر هجومهم اللأخلاقي على أحكام قطعية الثبوت والدلالة "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا".

لقد كانت فعلا ندوة لمحاكمة الإسلام، وليست ندوة لمناقشة العنف ضد المرأة تم استدراج بعض من أصابتهم غفلة الصالحين ليكونوا شهودا على هذه المحاكمة وكان لزاما من باب الالتزام بالإسلام أن ينسحبوا من تلك الندوة لأنها تحولت إلى سخرية غير مقبولة بأحكام الإسلام وآيات القران فكان الانسحاب هو الأجدر بالحاضرين المؤمنين استجابة لقوله تعالى "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعا" ولقوله تعالى "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" إنها آيات المفاصلة الواضحة، لا تحتاج إلى توضيح أو تأويل، هل بعد قول الله من قول ؟ ما داموا لم يستطيعوا تنفيذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا ......" - ولا أحد يعذر في هذا الحديث لأنه مقدور عليه باللسان -وجب عليهم المغادرة لمجلس المنكرات هذا غيرة لله ولرسوله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ عن الجلوس على مائدة يُشرب فيها الخمر, كما في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر" فإذا كان النهي عن الجلوس مع عصاة يشربون خمرا أليس من الأولى عدم الجلوس مع أناسا يسخرون من آيات الله ؟ والسخرية بآيات الله حكمها أشد من حكم مجالسة شارب الخمر قال تعالى "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ", هذا حكم الله فيمن يسخر بآياته وقد جرى في الندوة المذكورة ما يشيب له الرأس ومن المعيب على من كان في قلبه ذرة من خير أن يتقبل ذلك بصمت ولم يتمعر وجهه من أجل الله لأن الصمت قد يتبعه الرضا والرضا يتبعه التأثر والوقوع في الفتنة, فهؤلاء المستهزئون لم يردعهم وجود أهل الصلاح عن هذا الخوض بل قد ربما باسم الحرية والتبادل الفكري أرادوا استمالتهم أو مداهنتهم على أقل تقدير مقابل مدحهم بأنهم منفتحون ومتنورون وغير متشددين وغير متعصبين والعلاقة معهم طيبة، وهذا أمر خطير جدا فقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً", إن أسباب النزول لهذه الآية قد كثرت وقد اخترنا أقواها سنداً ومتناً:

قال السيوطي: رحمه الله "أخرج ابن مروديه وابن أبي حاتم من طريق إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج أمية بن خلف وأبو جهل بن هشام ورجال من قريش، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد تعالى فاستلم آلهتنا – الاستلام هنا هو اللمس أو التقبيل بغرض التبرك - وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرقّ لهم، فأنزل الله "وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ........" انه التحذير من الاستدراج ، قال سيد قطب رحمه الله في هذا المعنى: "هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً محاولة إغرائهم لينحرفوا ـ ولو قليلاً ـ عن استقامة الدعوة وصلابتها ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوة من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هيناً، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية إنما يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها، ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق" انتهى كلامه.ْ

ولهذا وجه الله حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" وهذا ما يجعلنا أكثر حذرا على أنفسنا من الانزلاق إلى هذا العفن الفكري الذي يريدون استدراجنا إليه. فقد كانت الندوة مقررة للحديث عن العنف ضد النساء ونحن نعلم أن العنف هو: الغلظة والخشونة والقوّة غير المشروعة المقرونة بفزع الإنسان أو الاعتداء عليه جسديا أو نفسيا، فما دخل الحجاب في هذا التعريف؟ وما دخل التعدد في هذا التعريف، وإني لأعجب كيف تكون المرأة حرة في قلة حيائها إذا تبرجت ولا تكون حرة إذا تعففت وتحجبت ما هذه الحرية المجتزأة؟ وعلى الجميع أن يعرف أن المجتمع المتدين هو أقل المجتمعات عنفا ضد النساء؛ لأن الإسلام أوصى بالنساء خيرا فهي ملكة في عرشها، مكرمة أما وأختا وبنتا وزوجة.

إن العلاقة بين الرجل والمرأة تكاملية وليست تنافسية، إنها علاقة مودة ورحمة وليست علاقة سباق وصراع كما يصورها الغرب وأذنابهم، وعلى المبهورين بالغرب الذي يدعي حرية المرأة إليهم هذه الإحصائيات التي توضح مدى الامتهان الذي يلحق المرأة في بلاد الحضارة، ففي أمريكا حسب إحصائيات رسمية أن مليون امرأة في السنة تعاني من كونها ضحية للعنف الذي لا يصل إلى درجة الموت، ويكون هذا الاعتداء من قبل شخص قريب للضحية. هذه الإحصائية تعتبر من أكثر الإحصائيات اعتدالاً. وإحصائية أخرى تقول أن أربعة ملايين أمريكية تقع تحت اعتداء خطير، من قبل شريك قريب لها خلال سنة. وقرابة 1 من 3 نساء بالغات، يواجهن تجربة الاعتداء عليهن جسمانياً على الأقل مرة واحدة من قبل شريك في فترة النضج. وفي عام واحد تم توقيف - 575000 - أي ما يزيد عن نصف مليون رجل لارتكابهم العنف ضد النساء. وآخر دراسة تقول أن من 90- 95% من ضحايا العنف العائلي هم من النساء. وفي إحصائية كندية شملت النساء المتزوجات، نتج عنها أن العاصمة شهدت عدة اعتداءات ضد الزوجات أكثر من أي مكان في كندا. 36% من الزوجات, وفي نيوزلنده - تبعاً لإحصائية رسمية لرصد العنف العائلي ساهمت فيها (سوزان سنايفلي) وفريقها مفادها- أن 300 ألف امرأة وطفل, تقريباً, كانوا من ضحايا العنف العائلي، وفي ألمانيا ذكرت دراسة ألمانية أن ما لا يقل عن مائة ألف امرأة تتعرض سنوياً لأعمال العنف الجسدي أو النفساني التي يمارسها الأزواج، أو الرجال الذين يعاشرونهن، أما انكلترا: من كل 4 نساء قد تواجه العنف في علاقاتهن مع الرجال, ومن بين 40 و 45٪ من النساء اللواتي قتلن على أيدي شركائهن الذكور، و 1 من كل 2 من النساء قتلن على أيدي شركائهن الذكور في كل أسبوع، وأكثر من 25٪ من جميع جرائم العنف المبلغ عنها للشرطة هو العنف المنزلي من الرجال ضد النساء، مما يجعلها ثاني الأكثر شيوعا الجريمة العنيفة، و100،000 امرأة في السنة يسعون للعلاج في لندن لإصابات عنيفة حصلت في المنزل ( BBC1 برنامج تلفزيوني), وذكر جان لوي أن ما بين ثلث إلى ثلثي حالات الطلاق تعزى إلى العنف في البيوت والمسكرات المستهلكة والمعايير الأخلاقية المنخفضة من الرجال. وفي تقرير آخر، 77٪ من الأزواج الذين يضربون زوجاتهم يفعلون ذلك من دون سبب.

ومن هنا فإن برامج تحرير المرأة، التي تحاول فرض المقاييس الغربية على المرأة في العالم أجمع، إنما تسعى للزج بالمرأة المسلمة المكرمة في سوق السلعة الرخيصة، ليبتزها الرجل باستغلالها في العمل نهاراً، ثم بالعدوان عليها وعلى أطفالها بجميع أشكال العدوان ليلاً.

نتمنى أن تكون هناك دراسات إحصائية حقيقية، في عالمنا الإسلامي، لنثبت للعالم أن المرأة المسلمة- ذات البرقع والحجاب- وهي في عمق البوادي والخيام، كما في البيئات المستورة والمحدودة من مجتمعاتنا العربية، تلقى من التكريم والرعاية ما لا تحلم به المرأة الأمريكية والغربية موضوع هذه الإحصاءات المشينة للإنسان والحضارة والمجتمع.

al_hazmy65@yahoo.com