وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين
في السنوات الأخيرة تصدرت الدراما التركية وخاصة التاريخية الشاشات العربية، وبسبب العاطفة الإسلامية أصبحت من أهم المؤثرات والموجهات الثقافية لقطاع كبير من أبناء الجيل العربي والإسلامي الحالي؛ لكثافتها وجودة إنتاجها واستمالتها للجمهور العربي والإسلامي بشعار الإسلام وإحياء التاريخ الإسلامي المشترك بين كل المسلمين.
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو تراكم الملاحظات حول المحتوى الفكري الذي تقدمه الدراما التركية، وتجسيد هذه الدراما لأخطر أفكار التشيع السياسي المتمثلة بالغلو في الحب للأشخاص والإكثار من ذكر البيت العلوي الفاطمي دون بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكمثال على هذا الإيغال في المعتقدات الصوفية الفاسدة ما جاء في أحد مشاهد الحلقة(76) للمؤسس عثمان فقد جرى فيه السجود من قبل بعض المتصوفين الشيعة جهة الشيخ أديب علي لا جهة القبلة، فاستفزني المشهد مع ما صاحبه من طقوس وترانيم تقع في صلب التشيع السياسي القائم على الخرافة.
من حق تركيا أن تجسد قوميتها وامتداداتها الإمبراطورية بأي دين وبأي مذهب مادامت أمة تحمل مشروعاً كإيران والصين وأمريكا وأوروبا وروسيا والهند والكيان الصهيوني وغيرها من أمم الأرض.
هذا العصر هو عصر القوميات والمشاريع الكبرى التي تعلن نزوع العالم نحو مزيد من التوازن الدولي، وتؤذن بطي صفحة النظام العالمي ذي القطب الواحد، وتجسد إخفاق نظرية العولمة التي تلغي خصوصيات الشعوب والأمم إيدلوجياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
لكن الذي يجب أن يتنبه له قطاع كبير من الشعوب الإسلامية والأقليات المسلمة في العالم هو خطورة مضامين الدراما التركية من زاوية الإسلام نفسه من عدة أمور:
"الأمر الأول/ مع أن الدولة العثمانية كان لها الدور الكبير في إفشال الحملات الصليبية على العالم الإسلامي طيلة ستة قرون، كما قامت بمواجهة الخطر الشيعي وتدمير المشروع الصفوي الأول، وأسهمت في مواجهة الغزو المغولي، ومحو آثار التشيع في بلاد الشام واليمن والعراق والمغرب العربي،
إلا أن النزعة القومية التركية تسببت في تهميش الإنتاج الحضاري والنهوض التنموي بالشعوب العربية والإسلامية وخاصة بعد العصر الذهبي للدولة العثمانية وتحديداً عقب حقبة السلطان سليمان القانوني لعدة أسباب:
أ/ لم تجعل الدولة العثمانية اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم لغة رسمية، وهو ما أسهم بعد عدة قرون من حكم العثمانيين في تمزيق العالم الإسلامي، وتحديداً بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وأصبح العالم الإسلامي الذي كان موغلاً في التخلف بثرواته المادية والبشرية كعكة سَهُل تقاسمها على قوى الاستعمار الغربي ولا زالت آثار هذه السياسة ماثلة لليوم.
ب/ تحالفت الدولة العثمانية وخاصة في الوطن العربي مع مراكز القوى المغايرة للهويات القومية للشعوب العربية والإسلامية، ولم تكن تلك الهويات بالضرورة تتعارض مع الدين الإسلامي بل كانت رافداً خلاقاً للتنوع الثقافي في الحضارة الإسلامية قرابة عشرة قرون من الزمن.
كانت مراكز القوى تلك تمثل امتداداً للعباسيين والفاطميين من أسر الأشراف والهاشميين والعلويين خاصة تلك الأسر التي منحتها الدولة العثمانية امتيازات مطلقة على حساب القوى القومية، فتحولت مراكز القوى تلك إلى مشاريع إقطاع تستند على الاستبداد والتخلف من أجل استمرار امتيازاتها، وأخذت تواجه محاولات النهوض ومشاريع التنوير في العالم العربي والاسلامي.
كان لهذه السياسة انعكاسات خطيرة على الشعوب العربية والإسلامية وعلى الدولة العثمانية نفسها، فقد تسببت في حدوث احتقان شديد لدى النخب القومية سرعان ما تحول إلى ثورات وحركات تحرر ومواجهة للدولة العثمانية.
ومن جانب آخر فقد تحولت معظم تلك القوى الإقطاعية إلى خانة العداء للعثمانيين، ولأنها لا تحمل مشاريع قومية تجسد الهويات الثقافية والاجتماعية لشعوبنا العربية والإسلامية، أصبحت هذه المراكز شديدة الانتهازية إذ غيرت تحالفاتها مع الدولة العثمانية إلى التحالف مع المحافل الماسونية والاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي، من هذه القوى الشريف حسين في الحجاز وبيت حميد الدين والأدارسة في اليمن، إضافة إلى قوى أخرى في ليبيا والمغرب العربي عموماً. وقد دون التاريخ انحياز أغلب الأقباط والمسيحيين في مصر والشام وفلسطين للقومية العربية وللمشاريع الوطنية في الوقت الذي سارعت فيه أغلب أسر الهاشميين والأشراف إلى التحالف مع القوى الاستعمارية العالمية، وأصبحت هذه القوى هي الذراع العسكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتنفيذ أبرز أجندات القوى الإستعمارية العالمية"تقسيم تركة الرجل المريض وإسقاط الدولة العثمانية، ووعد بلفور وسايكس بيكو... ".
ج/ كما أسهمت سياسة الدولة العثمانية وتغاضيها عن الانهيار الحضاري للعالم العربي والإسلامي إلى تبني قوى الحداثة والتنوير الموالية للغرب، كما تبنت العداء للدين الإسلامي والدعوة إلى الأفكار الإلحادية واللادينية تأثراً بالصراع التاريخي بين المفكرين الغربيين وبين رجال الكنيسة بأوروبا.
د/ كما كان لتلك السياسة العثمانية بتحالفاتها مع مراكز القوى المغايرة لهويات الشعوب العربية والإسلامية آثار خطيرة في إعادة إنتاج التراث الفكري الإسلامي الكبير، وهو ما أسهم في تعزيز نفوذ هذه القوى وأدى لاستمرار امتيازاتها حتى بعد انبثاق حركات التحرر والاستقلال بشقيها السني والشيعي، كما أسهمت في ترسيخ التخلف والاستبداد والخرافة في العالم العربي الإسلامي بشكل كبير.
ومع الجهود التي قدمتها المدارس التجديدية للفكر الإسلامي إلا إنها لا زالت أسيرة الفلسفة المثالية والنظرية السلوكية التي تشكل العقل الجمعي لكل الجماعات والحركات الإسلامية السنية لتعيش في انتظار حلم الخلافة والدولة الإسلامية متجاوزة واقعها المحلي والقومي، وهي بذلك تعطل الطاقات والقدرات النهضوية الكامنة فيها، وهو مايفسر التعامل الوجداني مع تركيا العلمانية كمشروع خلافة ومع قادتها كسلاطين وخلفاء.
كما أن الأقليات الشيعية توغلت في الفلسفة المثالية التي أنتجت نظرية ميتافيزيقية تجاوزت عصور الظلام بأوروبا تحت كهنوت رجال الكنيسة، وتجاوزت الأقليات الشيعية بعالمنا العربي والإسلامي الانتماء القومي والوطني وتحولت إلى أذرع تابعة لإيران ومشروعها الفارسي، ومثل ذلك مساهمة في تدمير العالم العربي والإسلامي وتبديد طاقاته وثرواته في سبيل حلم الدولة والخلافة الشيعية المنتظرة ومهديها الغائب الكامن في السرداب.
" الأمر الثاني/
يجب التنبه إلى أن العاطفة الإسلامية التي تبرز من خلال إنتاج الدراما التاريخية التركية أو المواقف السياسية المساندة للجماعات الإسلامية وفق التقدير الواقعي ليست مسخّرة لإحياء الفكر الإسلامي في الغالب، فهذه الدراما وإن كان لها إيجابيات لا تنكر،
إلا أنها ليست سوى تجسيد لفكرة القومية التركية المتلفعة بالإسلام على حساب القوميات الأخرى في العالم الإسلامي، واستمالة ناعمة لعاطفة الشعوب المسلمة السنية والشيعية لصالح العمق الاستراتيجي لتركيا الجديدة، وليس في ذلك حرج إن كان الإسلام كدين والعالم الإسلامي كجغرافيا هما الهدف والغاية، بل إننا نفخر بكل نجاح ونهوض عربي وإسلامي وحتى إنساني على ألا يكون على حساب الإسلام والشعوب الإسلامية وخاصة تلك الشعوب التي دمرتها الحروب الأهلية والصراعات الدولية، والملاحظ أن التعامل يجري مع هذه الشعوب بانتهازية من خلال عدة شواهد:
أ/ تكاد المسلسلات التركية تملأ كل أيام الأسبوع على مدار العام، وقد ترجمت إلى عدة لغات، ويتابعها مئات الملايين من المسلمين، وهي ترفع شعار الاسلام وتحيي التاريخ الإسلامي كمشترك بين الشعوب والقوميات العربية والإسلامية لكن ذلك يتم لصالح القومية التركية بالرغم من أن تركيا دولة علمانية يحكمها إسلاميون.
ب/ انتشار أفكار التشيع ومصطلحاته في سيناريوهات الدراما التركية التاريخية بالرغم من أن السلاطين العثمانيين جميعاً لا يوجد بينهم من سمي باسم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلى الاتحادات الاسلامية والمجامع الفقهية والأزهر الشريف وهيئة الحرمين الشريفين أن يقوموا بدورهم في النقد والتوجيه المنهجي للمحتوى الفكري للدراما التركية التي ترفع شعار الإسلام وتحيي التاريخ الإسلامي كمشترك بين الشعوب العربية والإسلامية.
ج/ المبالغة في إبراز علاقة القومية التركية بالإسلام على حساب القوميات الأخرى في العالم الإسلامي، إذ يجب إنصاف هذه القوميات لتسهم الدراما التركية في إنجاح المقصد الشرعي العظيم المتمثل في جعل أمة الإسلام بتنوعها القومي والإنساني أمة واحدة، وهذا لا يمكن أن يتم مع احتقار وازدراء وتغييب بقية القوميات والشعوب الإسلامية.
د/ مع حالة المتابعة الواسعة للدراما التركية وخاصة التاريخية تبرز مشكلة لا تقل أهمية عن الإشكاليات الأخرى متعلقة باللغة العربية كتابة ونحواً وصرفاً وبلاغة في الترجمة النصية للغة التركية، لا تكاد تخلو ال20(ثانية) من خطأ.
واللغة العربية مرتبطة بالوحي، كما أنها تشكل هوية المجتمعات العربية وحتى الإسلامية، والتساهل في الأخطاء عند الترجمة النصية للمحتوى الدرامي ليس محصوراً في منصات التواصل الاجتماعي عند العرض بل تعرضها بعض القنوات العربية بدون تهذيب وتصحيح للمحتوى الفكرى وللترجمة اللغوية.
وهنا نؤكد أن تركيا بالرغم من كونها دولة إسلامية لديها إرث حضاري لصيق بلغة الضاد إلا أنها لا تهتم باللغة العربية ويجب مخاطبتها من المجامع اللغوية ووزارات التعليم ومراكز البحوث العلمية والروابط والمؤسسات الأدبية والجامعات الكبرى بالعالم العربي والإسلامي للاهتمام باللسان العربي المرتبط ارتباطاً عضوياً بالدين والتاريخ الإسلامي.
د/ من أبرز مضامين المحتوى الفكري للدراما التركية التاريخية التركيز على صناعة الصنمية السياسية للفرد الحاكم،
يتجاوز السيناريو الكثير من المواقف التاريخية ويختلق شخصيات غير موجودة تتعدى المعالجة الدرامية المكملة للدراما التاريخية، لتجعل من التجسيد الأسطوري للشخصيات هدف رئيسي خدمة لتوجه سياسي بتركيا يُصنع لتركيا بدهاليز السياسة بعد تمهيد القوة الناعمة له وهذا شأن خاص بتركيا،
لكن ثمة خطورة في ذلك كون التاريخ الإسلامي مشترك بين كل الشعوب الإسلامية،فهو يبرز صورة للحكم الإسلامي شبيهة بالصورة التي يمثلها التشيع السياسي.
هـ/ مع التأكيد على حق تركيا كأمة لها مشروع قومي في أن تصنع ما تقدر عليه خدمة لمصالحها الاستراتيجية -وكلامي موجه لأبناء العالم العربي والإسلامي جميعاً- وأن من حقها أن تسعى لاكتساب احترام كل الدول الشقيقة والصديقة وإقامة علاقات متينة معها،
إلا أن نتيجة العاطفة الإسلامية المثالية تجاه تركيا كحلم على حساب المصالح والخصوصيات الوطنية جعل تركيا تحصد ثمار تلك المواقف لوحدها، فالمعارضة السورية والمصرية وحتى حكومة الوفاق الليبية وحركات المعارضة الخليجية واليمنية والعراقية والسودانية ساهمت في تحسين ملف تركيا التفاوضي مع الغرب وروسيا وإيران ومصر والإمارات وهي نجاحات سياسية وديبلوماسية استحقتها بجدارة، لكنها بالمقابل قيدت حركات المعارضة السورية والمصرية، وأُغلقت قنوات وأُسكت ناشطون وإعلاميون خدمة للمصالح التركية،كان الأولى لها أن تستمر أو تتوقف لصالح مصالحها المحلية والقطرية.
وهذا الكلام لا يتعارض مع مبدأ الأخوة الإسلامية المنبثقة عن عقيدتنا الدينية، لكنها تنبيهات ضرورية لمغادرة التفكير الساذج بدوافع عاطفية تسهم في استمرار معاناة الشعوب العربية والإسلامية تحت وطأة الاستبداد والتخلف وما ينتجانه من صراعات بينية مدمرة لصالح الآخرين مع احترامنا للجميع، لكن بعد قيامنا بواجبنا تجاه أقطارنا وشعوبنا وبعد سعينا للارتقاء بها بدلاً من تبديد الجهود وتعطيل الطاقات الذاتية لمجتمعاتنا وشعوبنا.
*رئيس مؤسسة جذور للفكر والثقافة- مأرب.