السباق إلى الحديدة
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 5 سنوات و 10 أشهر و يوم واحد
الأحد 27 مايو 2018 10:48 ص
 


في الشهور الأخيرة زادت حدة المعارك على الساحل الغربي في اليمن. الهدف مدينة وميناء الحديدة: هدف الحوثيين في اليمن البقاء فيها، وهدف الحكومة المعترف بها دوليا انتزاعها.
قبل أكثر من عام عرض التحالف العربي والحكومة اليمنية على الأمم المتحدة تسليم ميناء الحديدة، الذي يعد أكبر موانئ البلاد، للإشراف على حركة السلع، ولمنع تهريب السلاح للحوثيين، تنفيذاً للقرار الدولي 2216.
الأمم المتحدة رفضت الفكرة، متذرعة بأنها لا تملك القدرة-أمنياً ولوجستياً- لإدارة الميناء، وهو ما ألجأ التحالف والحكومة اليمنية إلى وضع خطط عسكرية لاستعادة المدينة والميناء.
ومع تقدم القوات الحكومية مدعومة بطيران التحالف، تنفيذاً للخطة في ذلك الوقت، تعالت الأصوات للضغط من أجل وقف العمليات العسكرية، خوفاً من الفاتورة الإنسانية للعمليات. ضغطت الولايات المتحدة حينها على التحالف، وعارضت روسيا الخطة، وعملت منظمات حقوقية وإغاثية دولية للضغط من أجل وقف المعارك، الأمر الذي أدى إلى سحب الخطة التي أعدها التحالف لتنفيذها بكتائب يمنية من الشمال والجنوب دُربت في اليمن وربما في قواعد للتحالف العربي في القرن الأفريقي.
جُمدت الخطط فترة، إلى أن تزايدت نسبة تهريب السلاح للحوثيين عبر السواحل الغربية، وبدأ الحوثيون يكثفون من هجماتهم الصاروخية متوسطة المدى على مدن السعودية، وزادت خطورة هذه الصواريخ مع قدرة الحوثيين على الحصول على صواريخ قادرة على الوصول إلى العاصمة السعودية الرياض، مع الإشارة إلى زيادة نسبة الخطورة على الملاحة البحرية في البحر الأحمر بفعل الألغام المائية التي يتهم الحوثيون بنشرها، وبفعل هجمات الزوارق الموجهة التي استهدفت أو حاولت الوصول إلى سفن سعودية وإماراتية وتركية في عرض البحر، دون أن ننسى أن ميناء الحديدة الذي يستقبل معظم مواد الإغاثة الإنسانية أصبح بفعل سيطرة الحوثيين عليه رئتهم للتنفس بالسيطرة على مواد الإغاثة والاستفادة منها في تمويل مقاتليهم، دون أن يستفيد منها ملايين الفقراء في البلاد.
كل تلك الأسباب ربما ليَّنت المواقف الدولية إزاء إعادة تفعيل الخطط العسكرية باتجاه الحديدة، وربما كان ذلك سبباً في الحراك الميداني الملحوظ في الساحل الغربي مع تقدم القوات الحكومية من مناطق ساحلية تتبع محافظة تعز إلى الجنوب من المدينة ومناطق تتبع محافظة حجة إلى شمالها باتجاه الحديدة.
فمن الجنوب تقدمت القوات الحكومية لتسيطر على مديريات الخوخة وحيس والتحايتا، وتذكر آخر التقارير أن هذه القوات وصلت مديرية زبيد التي تقع فيها مدينة زبيد التاريخية التي تعد ثاني أكبر مدن محافظة الحديدة بعد مدينة الحديدة نفسها. أما من الشمال فالقوات تتحرك ربما بوتيرة أقل سرعة بعد السيطرة على مدينة ميدي ومينائها على ساحل البحر الأحمر إلى الشمال من الحديدة.
ويبدو أن هناك نوعاً من الاتفاق غير المعلن بين التحالف والقوى الدولية المعارضة للعمليات في الحديدة، ربما اقتضى هذا الاتفاق التحرك لتطويق الحديدة من البر: شرقاً وشمالاً وجنوباً، بالإضافة إلى تطويق الميناء بسفن عسكرية تتبع التحالف من جهة البحر غرباً. وبذا يتفادى التحالف والقوات الحكومية الفاتورة الإنسانية لاقتحام المدينة، ويستطيع التحكم في ما يدخل إلى الميناء ويعزل الحوثيين فيها عن خطوط إمدادهم من البر اليمني تمهيداً لدخولها أو على الأقل تحييد فاعليتها في رفد الحوثيين بمليارات الدولارات سنوياً، حسب آخر تقرير للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي، حول اليمن.
وفي سبيل إعاقة هذا الهدف، يعمل الحوثيون على عدد من التكتيكات منها زراعة آلاف الألغام لإعاقة تقدم القوات الحكومية، وحفر الخنادق، والاستفادة من المزارع المنتشرة هناك في التخفي واعتماد تكتيكات الكر والفر، والتوزع بالمناطق السكنية، دون أن ننسى الاستفادة من خبراء من حزب الله اللبناني وآخرين إيرانيين، في وضع الخطط وإدارة المعارك.
ومع كل ذلك يبدو ميزان القوى خلال الشهور الأخيرة مائلاً لصالح القوات الحكومية، مع انتزاعها مواقع مهمة من يد ميليشيات المتمردين، ليس في الساحل الغربي وحسب، ولكن في معظم خطوط التماس الأخرى.
والسؤال هنا هو هل ستستمر القوات الحكومية في تقدمها لتحقيق هدف السيطرة على الحديدة أو تطويقها على الأقل، أم أن الضغوط الدولية والمتغيرات الداخلية يمكن أن تعاود فعلها مرة أخرى، من أجل وقف تقدم القوات الحكومية باتجاه الحديدة؟