الشيخ المؤيد وزايد.. نافذة الفرَج القريب فُتحت
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 5 أيام
الجمعة 17 أكتوبر-تشرين الأول 2008 04:57 م

استبشر فقراء وأيتام حيّ الأصبحي جنوب العاصمة صنعاء خيراً بقرب انفراج المحنة التي يعيشها أبوهم الحنون شيخ المحسنين العلامة"محمد بن علي حسن المؤيد" ورفيقه الأخ"محمد محسن يحيى زايد"، الأسيران منذ ما يزيد عن ست سنوات في غياهب السجون الأمريكية..

فقد عاد الأمل من جديد في الأسبوع الماضي إلى ملايين اليمنيين المتضامنين مع هذين الرجلين المظلومين، بعد قرار محكمة الاستئناف الأمريكية الفدرالية الذي قضى ببطلان ذلك الحكم الابتدائي الظالم وإلغاء الإدانة التي كانت حكمت بموجبها محكمة "بروكلين " بسجن الشيخ المؤيد 75 عاماً وتغريمه مليون وربع المليون دولار، مع سجن زايد 45عاما..، وقضى منطوق الحكم الاستئنافي الصادر يوم الخميس قبل الماضي بإمهال السلطات الأمريكية مدة 14 يوماً للإفراج عن المؤيد وزايد وإغلاق القضية أو إعادة محاكمتهما من الدرجة الأولى-محكمة ابتدائية-،..

سنوات العذاب سببها وشاية عميل كاذب!

وكان المؤيد قد سافر مطلع يناير عام 2003الى ألمانيا بغرض العلاج وبعد خمسة أيام قضاها في فرانكفورت أوقف في مطارها مع رفيقه محمد زايد يوم الجمعة العاشر من يناير 2003م حين كانا يستعدان للانتقال إلى مدينة جينا الألمانية، وأعلنت أجهزة الأمن الألماني يومها عبر وسائل الإعلام بأنها تمكنت من اعتقال"قيادي كبير" و"إرهابي خطير" في القاعدة، زاعمة أنه يتبوأ منصب المسئول المالي لتنظيم القاعدة في العالم، ليتضح فيما بعد بأن المقصود بذلك الإعلان الألماني "الفضيحة" كان هو الشيخ المؤيد، وبعد أكثر من عشرة أشهر من الاحتجاز في سجون ألمانيا قامت السلطات الألمانية بتسليم المؤيد وصاحبه للولايات المتحدة الأمريكية يوم الأحد السادس عشر من شهر نوفمبر2003م.. وقد استند الأمريكيون في العملية برمتها كما هو معروف على وشاية كاذبة من قبل عميل يمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي يدعى محمد العنسي كانت تربطه علاقة جوار مع الشيخ المؤيد في حي القادسية بصنعاء، وتبين في وقت لاحق أن المدعو العنسي هذا الذي كان هو الشاهد الرئيسي في المحاكمة الأمريكية الأولى، وكان يطمع بالحصول على مبلغ كبير من مكتب التحقيقات الأمريكي ولم يجد وسيلة سهلة لتحقيق أطماعه الدنيئة كما اعترف هو لاحقاً أمام وسائل الإعلام إلا بإيذاء الشيخ المؤيد عن سابق إصرار وتصميم عن طريق إيهام الـ"إف بي آي" بأن المؤيد سمكة كبيرة ورجل يدعم الإرهاب ويجمع تبرعات للقاعدة، المنظمة الإرهابية في نظر الأمريكيين التي دمرت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقتلت آلاف الأميركيين، واستطاع العنسي الذي سبق له العمل في جهاز الأمن السياسي اليمني لأكثر من عشرين عاما قبل قدومه إلى نيويورك وتطوعه للعمل كمخبر مع الـ"إف بي آي"، استطاع بهذه الوشاية الرخيصة إقناع الـ"إف بي آي" برسم خطة لاستدراج المؤيد إلى ألمانيا، ومنها جرى تسليمه إلى الولايات المت حدة وهناك تم إخضاعهما لمحاكمة في بروكلين انعدمت فيها أبسط معايير المحاكمات العادلة..

المحامي علاو..عام من الغربة لإثبات الحقيقة

على مدى العام الماضي أثمرت الجهود القانونية التي بذلها المحامي الكبير محمد ناجي علاو عضو هيئة الدفاع ورئيس مؤسسة علاو للمحاماة، الذي غادر العاصمة صنعاء في أغسطس2007م متوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي ظل فيها سنة كاملة إلى جانب المحامين الأمريكيين الذين تقدموا بطلب الاستئناف في قضية الشيخ المؤيد ورفيقه..

ويرى المحامي علاو بأن الوقت الذي منح لهيئة الدفاع لتوضيح أدلة البراءة كان له دور كبير في توضيح الحقيقة وملابسات هذه القضية، مؤكداً في تصريحات له عقب صدور حكم الاستئناف بأن القضاة الذين نظروا القضية في الاستئناف مشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية، وبينما اعتبر المحامي علاو الحكم الجديد بأنه أعاد للقضاء الأمريكي اعتباره وحسّن ما وصفها بالصورة القبيحة للقضاء الأمريكي التي تركتها إجراءات التقاضي الأولى في هذه القضية،

وذكّر عضو هيئة الدفاع بأن ألمانيا تتحمل مسئولية قانونية وأخلاقية تجاه هذه القضية، لافتاً إلى أن الحكم الأخير يحتم على الحكومة الألمانية سرعة تقديم طلب رسمي إلى حكومة الولايات المتحدة بإعادة المؤيد وزايد إلى ذويهما، خاصة وأنها –أي ألمانيا- كما قال هي من قامت بتسليم المؤيد وزايد إلى الأمريكيين..

ظلم لن يغفره التاريخ لأمريكا !

لعل حكم محكمة الاستئناف الأمريكية اليوم الذي برّأ الشيخ المظلوم ومرافقه، قد يُصلِح بنظر العديد من المراقبين والحقوقيين جزءاً من ذلك الخطأ الشنيع الذي اقترفته الإدارة الأمريكية وأجهزتها الأم نية، -وبتواطؤ سافر وغير أخلاقي من قبل ألمانيا "الصديقة"-، باستدراج رجل مريض، مسنّ، معروف في وطن ه بأعمال الخير ومساعدة الفقراء، لمحاكمته في بلاد لم يرتكب ضد شعبها أي جرم والحكم عليه بالسجن 75عاماً وكذا بسجن مرافقه 45عاماً ظلماً وعدواناً دون أي ذنب اقترفاه أو جرم يستحق العقاب.. في عملية خداع رسمية مقززة وجريمة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الشعوب، تسيء للقيم الأميركية والأخلاق الإنسانية ولن يغفرها التاريخ لأمريكا ما بقي المؤيد وصاحبه خلف قضبان سجونها..!

وفي هذا السياق نشر الكاتب الأمريكي"بنيامين ويزر" مقالة له في صحيفة" نيويورك تايمز غداة صدور حكم الاستئناف يقول فيه بأنه "عندما وجدت أن الإمام اليمني ومساعده قد حرما من المحاكمة العادلة بسبب أخطاء من القاضي، ألغت محكمة الاستئناف الفيدرالية في نيويورك يوم الخميس إدانتهما في قضية إرهابية مشهورة اعتبرت من قبل إدارة بوش في فترة ما أنها ضربة قوية للقاعدة. وأضاف ويزر "وجد قضاة محكمة الاستئناف أن المدعى عليهما الشيخ محمد علي حسن المؤيد ومساعده محمد محسن يحيى زايد لم يتلقيا محاكمة عادلة لأن قاضي المحكمة ستيرلينج جونسون سمح للقاضي بأن يستمع لشهادات ملتهبة وأدلة أخرى أجحفت بق ضية المدعى عليهما.

وقال " أرسلت هيئة الاستئناف القضية مرة أخرى إلى محكمة أدنى، محكمة مقاطعة بروكلين، ولكنها وفي خطوة غير اعتيادية على الإطلاق وجهت بأن يتم توكل القضية إلى قاض آخر.

وأضاف الكاتب الأمريكي " بإلغاء هذا الحكم فإن هيئة القضاة الثلاثة في محكمة الاستئناف الأمريكية في الدائرة الثانية في مانهاتن تحكم بأن القاضي جونسون قد أخطأ عندما سمح للقاضي بأن يستمع لأدلة مثل الشهادة المصورة لأحد الناجين من تفجير قاتل لباص في العام 2002 في تل أبيب والذي لم يكن للمدعى عليهما علاقة به.."

قرار نادر ضد القاضي الخاطئ!

وبقدر ما حظي به منطوق المحكمة الاستئنافية الأمريكية ببراءة الشيخ المؤيد وصاحبه من ترحيب يمني حكومياً وشعبياً، إلا أنه فتح المجال أمام التدخل السياسي لإقناع الإدارة الأمريكية القبول بالحكم وإغلاق القضية خاصة بعد أن قال القضاء الأمريكي كلمته في كل ما قدمته من أدلة باطلة ضد المؤيد وزايد وقرر إلغاء الحكم الذي ظلت الإدارة الإمريكية تتذرع به طيلة السنوات الماضية من التحفظ على الرجلين في أحد سجونها.. حيث لا زال الجميع هنا وفي المقدمة أبناء المؤيد وزايد وأسرتاهما، يبدون مخاوفهم الشديدة من إمكانية إعادة محاكمتهما من جديد في حال أصرّت السلطات الأمريكية على ذلك ورفضت التسليم بقرار الإفراج عنهما خلال المدة المحددة من قبل المحكمة بأربعة عشر يوماً من تاريخ صدور حكم الاستئناف، سوف تنتهي يوم الخميس المقبل، وبحسب المعلومات الواردة من أمريكا فإن السلطات الأمريكية لم تعلن عن اتخ اذ أي موقف رسمي حول قرار المحكمة حتى مساء أمس السبت، باستثناء ما صرح به المتحدث الرسمي باسم مكتب المدعي العام في بروكلين"روبرت ناردوزا" الذي قال "نحن نراجع القرار وسوف نفكر في الخيارات المتاحة أمام الحكومة قبل أن نتخذ قرارا بما ينبغي القيام به"، غير أن ما يجدر الإشارة إليه هنا هو أنه في حال اختارت النيابة إعادة محاكمة المؤيد وزايد من جديد سيكون عليها اختيار قاضٍ جديد بموجب ما أوصت به محكمة الإستئناف الأمريكية التي وجهت في قرارها بعدم نظر القاضي الابتدائي السابق" ستيرلينج جونسون "في قضية المؤيد في حال قررت الحكومة الأمريكية عدم قبول حكم الإستئناف وإعادة محاكمة المؤيد من جديد، وأرجعت المحكمة قرارها بعدم إيكال القضية للقاضي جونسون بسبب أخطائه التي ارتكبها في محاكمة المؤيد.

وقد علّق على ذلك أستاذ الأخلاق القانونية في جامعة نيويورك البروفيسور"ستيفن جيلر"، أنه عندما تفترض محاكم الاستئناف أن هناك أخطاء في المحاكمة فإن قاضي محكمة الدرجة الأولى لن يكرر الأخطاء نفسها ولذا تعاد القضية إلى نفس القاضي.، وأضاف"من النادر جداً أن يتم إرسال القضية إلى قاض آخر بسبب الأخطاء فقط"، ليؤكد قائلا:"إن هذا يظهر انعداماً للثقة".

دعوات للأمريكيين كي يحسّنوا

"صورتهم الشنيعة"!

منذ وصول خبر الحكم ببراءتهما مساء الخميس قبل الماضي صدرت عشرات النداءات والمطالبات التي أطلقتها كل من أسرتي المؤيد وزايد وكذا العديد من الشخصيات الاجتماعية ورجال القانون والنشطاء الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني جميعها تناشد الرئيس علي عبدالله صالح والحكومة اليمنية التحرك العاجل خلال الفترة الممنوحة للحكومة الأمريكية لإقناعها القبول بالحكم والإفراج عنهما، واعتبروا حكم إلغاء الإدانة بحق المؤيد وزايد نتيجة لتضافر الجهود الرسمية والقانونية والشعبية في تبني قضيتهما وتأكيداً لحقيقة براءتهما أمام مختلف الجهات في الداخل والخارج.

وقد سارعت الجمهورية اليمنية بدورها إلى الترحيب بقرار محكمة الاستئناف الأمريكية في نيويورك القاضي ببراءة الشيخ محمد علي المؤيد ومحمد زايد والإفراج عنهما.

وأعلنت على لسان وزير خارجيتها الدكتور أبو بكر عبدالله القربي الذي قال بأن" الحكم يؤكد ما تبنته اليمن من البداية وطرحته أن إجراءات القبض عليهما لم تكن وفق الإجراءات والتشريعات الدولية"، مؤكدا أن المحاكمة الأولى في نيويورك انطلقت من أبعاد سياسية أكثر منها أبعادا قانونية لتحقيق العدالة.

الشيخ حمود هاشم الذارحي رئيس الهيئة الشعبية للدفاع عن المؤيد وزايد أكد أن ثمة جهود مكثفة حالياً تبذل من الجانب اليمني لإقناع الإدارة الأمريكية بتنفيذ الحكم والإفراج عنهما" ولا داعي لمزيد من وجع الرأس والهدار وإعادة المحاكمة لأن إعادتها ما هي إلا تطويل وصحة الشيخ المؤيد لم تعد تحتمل وفي نفس الوقت لم تعد لدى الأمريكيين أية أدلة جديدة غير التي قدموها لدى الاستئناف..

الجهود المكثفة مستمرة والجميع مهتمون .. السفير مهتم ووزير الخارجية مهتم والأخ الرئيس قد تم طرح الموضوع عليه وهو مهتم بالموضوع، إضافة إلى الفعاليات التي تقام من قبل المجتمع المدني ويوم الإثنين ستقام فعالية نسوية في صنعاء وكلها تصب باتجاه إقناع الأمريكيين والإدارة الأ مريكية بأن هذا الحكم فيه رد الاعتبار للقضاء الأمريكي وإحقاق للحق وأن المطلوب من الإدارة الأمريكية أن تعجل بالإفراج عنهما..

وحول طبيعة التحركات الرسمية من قبل الجانب الرسمي قال الذارحي في تصريحه لـ"الناس" بأنه تم التواصل مع السفير اليمني في واشنطن مساء الخميس الماضي" وأخبرنا بأنه التقى بمستشار الرئيس بوش لشئون مكافحة الإرهاب ومسئولين في الخارجية الأمريكية وطرح لهم الموضوع وأفهمم بأن لا يقلقوا من أن يتسبب الحكم في حدوث ردة فعل سلبية أو إدانة للإدارة الأمريكية.."

وأضاف الذارحي بأن السفير أوضح للأمريكيين بأن الحكم سوف يحسن من صورة أمريكا وسمعة القضاء الأمريكي في الشارع اليمني والعربي والإسلامي وذكرهم بأن القضاء الأمريكي وقع في البداية ضحية معلومات مضللة من قبل العميل العنسي وبالتالي فإنه من الأفضل بأن تنفذوه وتطلقوا سراحهما، والتحرك اليمني متجه في هذا الخط.. -وفقاً لما أوضحه الشيخ الذارحي-..

أما نجل الشيخ المؤيد فقد اعتبر الفترة القادمة بأنها حاسمة وفرصة ذهبية لن تعوّض وإذا ضاعت فإنها لن تأتي أبدا مرة أخرى نهائياً للإفراج عن والده ورفيقه-حسب تعبيره، مشيراً في حوار مع صحيفة "26 سبتمبر" إلى " أننا طوال ست سنوات كنا كلما طرقنا باب الحكومة الأمريكية ترد علينا بأن القضية منظورة أمام القضاء الأمريكي ، والقضاء الأمريكي عادل ومستقل ومنصف ولا يحق للإدارة الأمريكية أن تتدخل في شئون القضاء.." ليضيف بالقول " الآن الكرة بملعب ويد الحكومة الأمريكية التي نتمنى عليها أن تبدي حسن النية تجاه قضية الوالد ومحمد زايد خصوصاً وأنهما لم يرتكبا أي جريمة تسيء للحكومة الأمريكية ولم تطأ أقدامهما الأراضي الأمريكية قبل دخولهما القسري إليها".

ووسط حالة الترقب الشعبي وأصوات المناشدات المستبشرة بقرب لحظة العودة المنتظرة لهذين الرجلين المظلومَين إلى ديارهما بعد سنوات العذاب والمعاناة والظلم الشنيع التي عاشاها، فإن نافذة الأمل التي فتحت لهذه القضية منذ نهاية الأسبوع قبل الماضي لا زالت معلّقة في انتظار ما ستسفر عنه التحرّكات اليمنية الجارية لإقناع ذلك الأمريكي الغشوم بإنهاء هذه المهزلة، ويبدو أن هذه الآمال ستظل كذلك حتى نهاية الأسبوع الجاري وحينها ربما تتوضح طبيعة المسار الجديد الذي ستحدده إجراءات السلطات الأمريكية تجاه هذه القضية الظالمة، لكن الخبر الجيد هو أن نافذة الأمل قد فتحت وتبخرت منها تلك السنوات الأبدية التي أرادها ذلك القاضي الأمريكي الخاطئ مصيراً ظالما لإنسانين بريئين ومظلومين ..!