إبرة السلام في كومة الحرب
بقلم/ نبيل البكيري
نشر منذ: 7 سنوات و 8 أشهر و 15 يوماً
الخميس 09 مارس - آذار 2017 12:02 م
مرة أخرى تعود أصوات الحديث عن جولات سلام في اليمن، في ظل انسداد أفق السلام وموت السياسة في اليمن وتعطلها منذ انقلاب أيلول سبتمبر 2014م، ذلك الانقلاب الذي جر المنطقة كلها إلى مواجهات دامية لن تتوقف بسهولة في ظل التعقيدات والتباينات المحلية والإقليمية، عدا عن التحولات الكبيرة في أجندة البيت الأبيض الجمهورية وقبلها أجندات الطرف الانقلابي التي تستند على أجندات عقائدية كهنوتية تاريخية.
لقد أصبح السلام اليوم هو خيار الضرورة بعيد المنال، بالنظر إلى طبيعة وأجندة مختلف أطراف الحرب، التي أصبح الحرب لبعضها جزء من آليات الاستمرار السياسي لها وجزء من بقائها متربعة للمشهد، عدا عن حجم التورط لهذه الأطراف في استعداء المجتمع وإثارة حساسياته المجتمعية التي باتت تخشاها لاحقاً .
صحيح أيضاً أن طول أمد الحرب قد بلغ مداه، عدا عن أن طول أمد الحرب أيضاً قد صنع أجندات جديدة تٌأسس على ما يروم كل طرف تحقيقه أو حتى ما تخلقه اللحظة السياسية بالنسبة لهذا الطرف أو ذاك، بمعنى أخر، لقد أوجدت الحرب بيئة جديدة كيف كل طرف نفسها، وغض طرفه عن أضرار هذه الحرب النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التي يرزح تحت وطأتها المواطن العادي والذي وصل به الحال إلى العجز الكلي عن تأمين لقمة عيشه، فضلا عن شعوره بالآمن والأمان، الذي بات يفتقده الجميع.
لكن يبقى الشيء الأهم، هو ما مدى جدية الاطراف الفاعلة في هذه الحرب، في السير نحو تحقيق نتائجها المعلنة وخاصة ما يتعلق بالتحالف العربي وأجنداته لاستعادة الشرعية والسير نحو إنجاز هذه المهمة، التي كلما طال أمد الحرب كلما خبت إمكانية تحقيق أهدافها
المعلنة بإسقاط الانقلاب وعودة الشرعية للعاصمة المغتصبة صنعاء.
الجانب الآخر والأخطر هو ما مدى وضوح أهداف تحالف الشرعية بكل أطرافها، من فصائل جنوبية وشمالية وكيف تنظر للمأل الأخير لاستعادة الشرعية وجملة أسئلة ماذا بعد استعادة الشرعية، تلك الشرعية التي تفقد يوميا من رصيدها الشعبي كلما تأخر انجاز استحقاقات مواطنيها من خدمات وأمن وأمان ورواتب، هذه الشروط التي بموجب توفرها تحظى بقبول محلي ودولي كشرعية تحترم التزاماتها أمام مواطنيها وأمام المجتمع الدولي الذي يهمه في الأخير تحقيق مصالحه على أرض الواقع.
في الطرف الأخر أيضاً، يمكث اقتصاد الحرب والخراب، الذي بنت عليه سلطة المليشيات وجودها، وفرضت واقعا جديدا يمثل أكبر عائق حقيقي أمام أي حظوظ للسلام وفرصه التي تلوح في الآفق، بالنظر إلى البنية العقائدية لهذا الواقع الجديد الذي فرضته هذه المليشيات الطائفية وتعاطت معه كمكرمة إلاهية في مشوارها الجهادي ولا يمكن التفريط به مهما كانت الضغوط وفي أسوأ الاحتمالات.
وبالتالي بات من التسطيح بمكان الحديث عن فرص سلام في ظل واقع كهذا، وأصبح المدخل الحقيقي للتعاطي مع مثل هذا الواقع هو مدخل غير مقاربات السلام وحظوظه وفرصه وإنما من خلال معارك الحسم العسكري التي تعرقلها هي الأخرى تضارب أجندات التحالف و تكتيكاته غير المجدية في واقع معقد وبرجماتي كالواقع اليمني الذي يتطلب فهما عميقا لطبيعته وتعقيداته.
إن المدخل الحقيقي للسلام في اليمن كامن في فهم طبيعة هذا المجتمع التواق لوجود دولة الاستقرار والمواطنة والتعدد والحرية والكرامة، هذه الشعارات التي تغيب كثيراً في توجهات التحالف وأداء الشرعية وممارسات الانقلاب التي ضاق بها ذرعا، ويبحث عن أي بديل حقيقي يمكن الهروب إليه من جحيم الانقلاب الذي دمر كرامة اليمنيين وصادر حرياتهم، لكن في المقابل لم يجدوا في الطرف المقابل لهم شرعية تسعى لصون كرامتهم وحرياتهم وإنما شرعية ضعيفة يتنافسها أجندات متضاربة لأطراف التحالف والشرعية على حد سواء.
ختماً، يبقى الخيار الأكثر جدوى للخروج من دوامة الوضع في اليمن، هو اصطفاف وطني وضاح المعالم والاهداف من قبل كل أطراف الشرعية اليمنية، ويكون في مقدمة ادبيات هذا الاصطفاف إجابات واضحة ومحددة لسؤال ماذا بعد، هذا السؤال الكبير والخطير
في مراحل ما بعد الحروب والتي تغرق في تفاصيلها الكثير من المجتمعات، وخاصة في واقع يمني مليء بالعبر والتجارب التاريخية عن مثل هكذا لحظة تاريخية مرت بها اليمن لدورات عنف سابقة، قطعا كانت تكرار حرفي لكل إخفاقات المراحل التي سبقتها و التي يتم القفز فوقها والعودة مجددا لتكرار نفس الخطأ الذي لا شك سيكون أي حديث للسلام في واقع كهذا ليس سوى دعوى أخرى لحروب قادمة
مؤجلة وأكثر ضراوة من هذه التي تمر بها اليمن اليوم.